"اثنين زائد اثنين يساوي خمسة"..!

ليلى البلوشيَّة

ذهبَ الصحفي الإيطالي أنطونيو غرامشي في كتابه "دفاتر السجن" إلى توضيح مصطلح المثقف في المجتمعات، حين رأى أنَّ "كل الناس مثقفون، وهكذا فإن باستطاعة المرء أن يقول: ولكن ليس لكل الناس وظيفة المثقف في المجتمع".

وقد تشعَّب في شرحه لوظيفة هؤلاء المثقفين في المجتمعات؛ حيث طرحهم في نوعين اثنين، النوع الأول هم المثقفون التقليديون وشبَّههم بالكهنة الذين يواصلون فعل الأشياء من جيل إلى جيل. أما النوع الثاني، فهم كما يراهم المثقفون العضويون، وهم الذين يطمحون لتمديد سيطرتهم، وبسطت سلطتهم، يسعون لذلك بدأب كبير لتحقيق مآربهم في المجتمع السياسي.

غير أن المثقف في ظل الحالات السياسية المشحونة في المنطقة ربما يتعدى هذين النوعين.. فالمثقف يأتي في ظل الظروف السياسية الراهنة في ثلاثة أنماط على أقل تقدير، لعل النمط الأول كما أطلق عليه المسرحي الألماني برتولت بريخت المسمى الغريب على المثقف الذي يكون خاضعاً للسلطة وخادماً لها، فلقد لقبه بالـ"مثقف التوّي" وهو المثقف الذي يبيع آراءه للناس، هذا النمط من المثقفين أكثر بروزاً؛ لأن ثمة سلطة إعلامية تدعمهم بقوة، وتبرزهم كعقلاء هدفهم إبراز الأمن والأمان اللذان يؤكدان على وجودهما في ظل السلطة التي خضعوا لها، والتي يبيعون من خلالها آراءهم للناس، المثقف هنا الذي يلعق جزمات السلطة مقابل حفنة من المال!

أما النمط الثاني، فهو المثقف الذي اختار أن يكون مضادا للسلطات أيًّا كان نوعها، اختار المثقف هنا أن يضع حدودا بينه وبين السلطة، فأي خضوع لها هو خيانة للمبدأ، السلطة التي تقوّض كل ثقافة لا تكون في صالحها، المثقف هنا ينأى بنفسه من الشبهات وكل ما يتعرض لمبدئه.

النمط الثالث هو المثقف ما بين بين، هو الأكثر خطرا؛ لأنه لا يخفي نفسه في منطقة مضلّلة ويتحرك وفق ما تمليه عليه مصالحه الشخصية، يبدل أدوراه وموافقه كما تبدل الريح وجهاتها!

علاقة المثقف بالسلطة والسلطة بالمثقف ستظل جدلية دائما وملغومة بالشك، وتظل تلك الأنماط الثلاث هي الأكثر شيوعا؛ فالمثقف صاحب المبدأ من الصعب أن يضع مبادئه جانباً ليتصالح مع سلطة يدرك جيداً أنها في النهاية تعمل لصالح نفسها، لتعزيز موقفها السياسي أو الديني أو الاجتماعي، ولضمان بقائها على رأس تلك السلطة.

أمَّا المثقف الذي يكون مزماراً للسلطة، فإن بقاء هذه السلطة يدعم وجوده ويدعم مركزه في المجتمع أيضا، في ظل هذه السلطة التي اختار بذكاء أن يقف في صفها مهما كانت أهداف هذه السلطة ومواقفها.

أمَّا المثقف الذي اختار المنطقة المظللة، فهو مع بقاء السلطة إن كان هذا يتوافق مع مصالحه، وضدها في حال تعدى وجود هذه السلطة على منافعه.

لعلَّه هنا من الممكن اختصار ماهية السلطة وغاياتها في العالم اليوم في المفهوم الذي طرحه الروائي والصحفي الأمريكي الشهير برواية "مزرعة الحيوانات" و"1984" جورج أورويل: "إن اثنين زائد اثنين يساوي خمسة؛ لأن الحاكم يريد ذلك"!

Ghima333@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك