العُماني.. وزمام المبادرة

خلفان الطوقي

يَشْهَدُ التاريخُ بأنَّ العُماني بطبعه مُبادِر ومغامِر، والشواهد كثيرة؛ منها: شخصيات تاريخية؛ وكنموذج واحد الأسطورة البحرية للقبطان العُماني أحمد بن ماجد...وغيره من الشخصيات التي سطَّرها التاريخ؛ ومنها: ظواهر جماعية كهجرة العُمانيين إلى شرق إفريقيا والهند والصين ودول الشرق الأوسط؛ سواء بهدف التجارة وكسب الرزق، أو غيرهما من الأهداف السامية. وما ميَّزهم في هذه الهجرات أنهم أصحاب سمعة رائعة، وكانوا يتأقلمون مع كل الظروف وبسرعة فائقة، وينشرون قيم التسامح والتعايش والانفتاح وتقبُّل الآخر، وكتب التاريخ خير شاهد على آلاف الشخصيات والمبادرات.

إذن؛ التاريخ يشهد لروح المبادرة للشخصية العُمانية، وتلك ركيزة مُهمِّة علينا أن نسير على نفس الدرب، وتطويع كل ما لدينا من معطيات لنتميَّز ونتقدَّم ونتغيَّر للأفضل، ونترك أثرا طيبا لأبنائنا وأحفادنا، كما فعل أجدادُنا معنا، ونكون خيرَ خلف لخير سلف، لكن ما أراه -وهو تعبير عن وجهة نظري الشخصية- أنَّ نسبة كبيرة من العُمانيين أصبحوا غير مُبادرين، وينتظرون الأوامر والتوجيه حتى في بديهيات وصغائر اﻷمور من الحكومة أو قبل المسؤولين أو من الآخرين.

وفي استقصاء للوقوف على أسباب تغيُّر الشخصية العُمانية، وتخليها عن روح الشخصية المبادرة والمغامرة إلى الشخصية المتلقية، وجدتُ أنَّ بعض الأسباب تكمُن في نظم التعليم، خاصة المراحل اﻷولية في التعليم واستمرارية النظام التلقيني في باقي مراحله حتى في المراحل الجامعية، والطفرة النفطية وما جلبته من رفاهية وتأثيرها السلبي على الشخصية، وتأثير العائلة ويمتد للمجتمع وأنماطه المعيشية، وكيفية تعاطي الحكومة مع المجتمع، والحاجز النفسي من المبادرة وخشية الإخفاق ونظرة المجتمع له. ونرى ذلك حتى على مستوى الوظائف -خاصة الحكومية منها- كلُّ ذلك شكَّل الشخصية المتلقية المحافظة، وحتى أكون مُنصِفاً ولا أبدو متشائما، هناك نماذج مشرفة لمسؤولين ورجال أعمال ناجحين يمثلون سفراء غير رسميين للشخصية العُمانية المبادرة سواء داخل السلطنة أو خارجها وهم محل فخر واعتزاز.

... إنَّ تحوُّل أفراد المجتمع لدور المتلقي فقط له آثار وتبعات سلبية، وأثره لن يكون على الفرد فقط كما يتوقعه البعض، بل سيشمل المستوى الفردي والمؤسسي، والذي سيؤثر على البلد وسمعته ككل، وأهم آثاره السلبية التقوقع والانغلاق وقلة الابتكار والبطء في المشاريع، وعدم تحمُّل المسؤولية وتراكم الحواجز النفسية وتوريث هذه الأطباع غير المحمودة للجيل القادم، وإذا حَوَّلنا هذه الكلمات التي تُعبِّر عن الآثار السلبية، سنجد النقيضَ من الآثار الإيجابية للمبادرة كتعزيز قيم الانفتاح على العالم، وسرعة اﻹنجاز، والريادة في التفكير، وتنمية الثقة على المستوى الفردي والمؤسسي سواء كان قطاعا حكوميا أو خاصا أو مدنيا...وغيرها من الآثار الإيجابية التي ستظهر نتائجها على السلطنة ككل.

لن يحدث أن تتحوَّل الشخصية المتلقية السلبية إلى شخصية مبادرة إيجابية في محيطها في يوم وليلة أو بالصدفة المحضة، وتحويلها لن يكون سهلا بسبب التراكمات التاريخية، لكن تغييرها للأفضل ليس مستحيلا، لكنه يتطلَّب جدية والتزاما في تطوير المناهج الدراسية وطرق التدريس والمنظومة التعليمية بشكل عام، على أنْ يكون التركيز على المراحل الابتدائية، وتطوير لغة التواصل بين الحكومة والمواطن؛ لتتسم بالمشاركة وتحمُّل المسؤولية، وتفعيل أدوار المجتمع المدني من خلال برامج تعزِّز روحَ المبادرة على المستوين الفردي والمؤسسي؛ ليكون المبادرون في المجتمع العُماني هم السَّواد اﻷعظم، وشركاء حقيقيون في تنمية المجتمع والمحافظة على منجزاته، وأخذ زمام المبادرة لضمان ديمومة التنمية، ونكون بذلك خير خلف لخير سلف.

تعليق عبر الفيس بوك