التدريب المؤسَّسي يعاني في حر الصيف

وليد اللواتي

مع اقتراب نهاية الفصل الدراسي وبداية فصل الصيف، تبدأ المعاناة في الكليات والجامعات الموجودة في السلطنة، وتتمثل تلك المعاناة في إيجاد فرص للتدريب المؤسسي لطلابهم وطالباتهم طوال فترة الصيف؛ حيث إنَّ بعض الكليات والجامعات تضع هذا التدريب من ضمن المقررات الآساسية والضرورية للتخرج.

وفي هذه الفترة، يُعلن مسؤول التدريب حالة الطوارئ ويبدأ إجراء الاتصالات وكتابة المراسلات لمختلف الجهات بشقيها العام والخاص، مُتوسِّلاً إليهم كي يقبلوا بعضَ هؤلاء الطلاب المسجلين لبرنامج التدريب الصيفي، ويعاني فترة من الزمن بين مطرقة رفض الجهات قبول هؤلاء الطلاب وسندان إلحاح المؤسسة التعليمية التي يعمل بها والطلاب لتأكيد الحصول على هذه الفرص، ولا يهدأ له بال إلا حين يضمن الفرصة لآخر طالب أو طالبة ليتنفس معها الصعداء وينام قرير العين.

لتبدأ معاناة من نوع آخر، وهي معاناة الطلاب في توفير المواصلات وضمان وصولهم لهذه الجهات والمؤسسات في الوقت المحدد، وخروجهم منها في الوقت المحدد أيضاً؛ فمنهم من تقوم مؤسسته بتوفير وسيلة النقل ومنهم من يتكبد عناء الوصول لمؤسسته بوسائل النقل المختلفة أو عن طريق قيام أحد أفراد أسرته بتحمل مشقة إيصال الطالب وإرجاعه. ناهيك عن معاناة البعض في توفير سكن مناسب له طوال فترة التدريب.

كلُّ هذا يهون في نظر هذا الطالب حين يُؤمِن بأنَّ هذا التدريب وضع من أجله ومن أجل إتاحة الفرصة له للاطلاع عن كثبٍ على سوق العمل. هذا العالم الجديد والغامض بالنسبة له فتراه يقبل والآمل يحدوه بأنْ يتعلم من هذه المؤسسة ويستفيد منها ويفيدها لكي يكون إضافة حقيقية للمؤسسة التي يتدرب بهاً آملاً أن تنظر هذه المؤسسة بنظرة عطف إليه وتقوم بتوظيفه بعد التخرج.

هذه الآمال والتطلعات تتبخر وتتحطم وتصدم بواقعٍ مرير، عليه أن يقبل به طوال مدة تدريبه ألا وهي عدم استعداد مؤسسته لتدريبه أو عدم وجود جدول مخصص له للتدريب ليقضي ساعات يومه في الحديث والدردشة بين المكاتب وقراءة الصحف وشرب الشاي وتصفح الإنترنت والانشغال بالهاتف، أو يتم وضعه في أقسام معينة بعيدة عن تخصصه كمراكز الاتصال...وغيرها، أو في أحسن الأحوال إسناد المهام غير المرغوب بها إليه.

والنتيجة الطبيعية أن تتشكل فكرة سلبية لدى هذا الطالب عن بيئة العمل ومتطلباتها ويتخرج دون أي دافعٍ أو حافزٍ للعمل سوى الراتب الشهري الذي سيحصل عليه فتجده كثير التغيير في وظائفه أو لا تجد منه أيَّ إنتاجية تذكر ثم نقول "العُماني ما مال شغل، أجيب أجنبي يشتغل أحسن منه". أولسنا نحن جزءاً في خلق هذه المشكلة؟

بالتأكيد لا أعمم على كل المؤسسات، فهناك من أرفع الكمة أو المصر تحية وإجلالاً على حرصهم الشديد لأن يخرج هذا الطالب بأفضل فكرة عن بيئة العمل ويكون مهيئاً للانخراط فيها، وإعطاء كل ما يملك من طاقة ووقت له، ولكن للأسف هذه المؤسسات تكاد تعد على أصابع اليد والباقي عكس ذلك.

... إنَّ لهذا التدريب أهدافًا واضحة ونتائج مرجوة وتقاعس أي مؤسسة عن آداء دورها له انعكاسات سلبية كبيرة على الجيل القادم إلى سوق العمل. فالوضع الحالي يتطلب وجود كوادر وكفاءات عمانية تحمل على عاتقها مسؤولية إكمال مسيرة التنمية والتطوير وتكون بالفعل مفخرة لعمان وقوة يعتمد عليها بدل الوافد الذي لا يمكن أن نبني عليه أي آمال؛ كونه هنا لفترة مؤقتة يعود بعدها ليبني وطنه بعد أن يكون قد اكتسب الخبرة الكافية.

إنْ لم يكن للمؤسسات برنامج تدريبي واضح يتناسب مع تخصصاتهم، فإن عدم قبول أي متدرب أهون من الموافقة على تدريبهم، ومن ثم جعلهم يعيشون دوامات من تضييع الوقت والجهد.

هؤلاء الطلاب هم عماد المستقبل، والواجب احتضانهم وتوجيههم وصقل مهاراتهم لا هدرها وتضييعها؛ فاليوم نحن في مؤسساتنا وهم من سيحل محلنا ويكمل مسيرتنا.. فأي خلف نريد لنا؟

تعليق عبر الفيس بوك