موسوعة عبد الناصر الصايغ!

سيف المعمري

في الأسبوع الماضي، حضرتُ البرنامج التدريبي "حل المشكلات واتخاذ القرارات"، الذي أقامه مركز التدريب والإنماء المهني بتعليمية البريمي، واستهدف 34 متدربا يُمثلون مختلف دوائر وأقسام تعليمية المحافظة، وقدمه المدرب العُماني المتألق عبدالناصر الصايغ خبير التدريب الإداري والمدرب المعتمد في التنمية البشرية.

وإنْ كان البرنامج ثريًّا بما طرحه الصايغ من محاور، والذي ألقى من خلاله الكرة في مضرب المتدربين الذين حضروا البرنامج خلال أيامه الخمس، ويمكن أن يؤسس لسلوك ومنهج عملي لأصحاب الهمم العالية، والطموح الشامخ، ويصحح الكثير من المفاهيم الإدارية والتحديات التي تعترض صناع النجاح، بل ويستطيع من خلاله المتدرب أن يعيد ترتيب أولوياته الشخصية ومنجيته في التعامل مع مشاكله وعوارضه وكل ما يحيط به.

ولم يكتفِ المدرب الصايغ بنثر زهوره المعرفية، بل صحح المفاهيم التي لا تزال عالقة في عقول الكثير من الناس الذي يزهدون في العمل، لتشبثهم بمفهوم "القناعة"، والتي فسرها الصايغ بأنها مفهوم سلبي، ودلل على ذلك بأنَّ الغاية من خلق الإنسان هي لعمارة الأرض، وليس أن يقنع الانسان بما وجده بين يده، فالعمل والتفاني والمكابدة، موجهات لبناء مجتمع منتج وقادر على التفاعل مع الغير، والإبداع بالأفكار الخالقة السامية التي تدفع إلى التبصر والاعتبار في نواميس الكون.

ولا أريد أن أستطرد في المحتوى المعرفي الذي ارتوت به أفئدة وقلوب المتدربين، فكثيرة هي البرامج التدريبية والمحاضرات والندوات التي تقام هنا وهناك، لكن هذا البرنامج كانت علامته الفارقة وبالإضافة إلى ما تم طرحه من معارف ومهارات متنوعة، هو المتدرب الموسوعة والنموذج الرائع الذي كان بحق منصة معرفية قولا وعملا، وكانت أعماله وتقنياته التدريبية تضيء عقول الحاضرين، حتى تعلقت قلوب المتدربين بكبرياء خبراته الطويلة واهتماماته الفنية والأدبية واللغوية والاجتماعية، والرياضية.

وقد اعتاد الحضور للندوات والمحاضرات والبرامج التدريبية أن يتمنوا صمت المتحدث لهم أو المحاضر أو المدرب، بل ويتمنون كذلك لو قلل من زمن العرض، أو طلب الخروج من قاعة التدريب أو المحاضرات ولو لدقائق ليعيدوا أنفاسهم، لكنهم في حضور عبدالناصر الصايغ كان الحال عكس ذلك مطلقا، ولن يستشعر بدرجة ذلك التأثير إلا من حضر مقامه.

وبالنسبة لي، لم أكن في قائمة المستهدفين بالحضور، ولكن كان للقدر شأن آخر، ففي لحظة استثنائية لا يمكن أن أنساها وأثناء قراءتي الصباحية للبرامج التدريبية التي تنطلق بمركز التدريب، التهبت مشاعري شوقا للتواجد مع المدرب المتألق الذي أحببت حضوره في عدد من البرامج التليفزيونية والذي كنت من المتابعين له، ومن ثم انطلقت مهرولا إلى حيث يوجد المدرب الصايغ، وما إن استقر بي المقام في القاعة حتى تقدم إليَّ بخطواته الواثقة مقدما لي الحقيبة التدريبية للبرنامج ومرحبا بي للانضمام إلى الزملاء.

ومن بين الجوانب التي تشدني في تقنيات الصايغ التدريبية إلمامه بمهارات التحليل والاستنتاج والتركيب والمقاربة والمقارنة، إضافة إلى استشهاداته المتقنة لآيات من الذكر الحكيم وقصص الأنبياء، والأحاديث النبوية الشريفة وقصص الصحابة، وأقوال العلماء والحكماء والشعراء والمشاهير، بل إنَّ مهاراته العديدة كانت كافية لتطرق أبواب القلوب وتبسط المعنى، وكان لعلو همته وحبه وتذوقه لمرادفات اللغة العربية ومحسناتها البديعية واللفظية والنحو والصرف أثرا في جذب الانتباه، وكذلك إتقانه اللفظي للأرقام العربية والتفريق بين جموعها، ولغته العربية السليمة لم تنسيه اللغة الإنجليزية؛ فكانت المفاهيم والمصطلحات العلمية حاضرة في قاموسه المعرفي، إلى جانب ريشته الناعمة التي جسدت احترافيته في الفن التشكيلي، وحتى كتابته الصحفية وعناوينها البراقة ذات المعنى الجزل.

ولم يكن حديث المدرب عبدالناصر الصايغ مجرد سرد معرفي للمعلومات فقط، بل كان منهجا عمليا بدون تكلف؛ فلديه اهتمامات في 15 مجالا، وإن اعترف بأنَّ مهاراته في الحاسب الآلي بسيطة، لكنه كان حاذقا في توظيفه للكلمات المفتاحية والتي كان يرددها عشرات المرات في كل يوم. وجاءت مبادرة الصايغ في ختام البرنامج التدريبي باستعداده لحضور أحد التجمعات التربوية بمحافظة البريمي لإلقاء محاضرة بدون مقابل، لتضيف المبادرة قيمة معنوية أخرى إلى شخصه.

فشكرا لك أيها المدرب الرائع، ونفع الله بعلمك عباده.. ومن أراد الولوج لقصص النجاح، فعليه بموسوعة عبدالناصر الصايغ، ودمتم ودامت عُمان بخير...!

Saif5900@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك