دروس من لِسْتَر!!

المعتصم البوسعيدي

لم تكن المدينة الواقعة على نهر "السور" على أطراف الغابة الوطنية الإنجليزية "مدينة لِسْتَر" تظن أنها ستشهد مساء استثنائيا مشهودا في الثاني من مايو 2016 على مستوى فريقها الكروي، فريق أعاد للمدينة سابق عهدها "كثكنة" عسكرية بناها الرومان قبل 2000 عام يطلق عليها اسم "راتي كوريتنورم"؛ ذلك نظير القوة التي قادتهم لتحقيق ما كان يُعتقد مستحيل، لكن المستحيل هذا تقهقر مع الإرادة وتمكنت "الثعالب" من الفرار بجلدها، ولم تعد فريسة للصيادين كما تشتهر مدينتهم؛ بل اقتحموا عرين "الأسد" وأصبحوا بين "موسم وضحاه" ملوك " البريميرليج".

حكاية لِسْتَر النادي الذي سبق أن حلَّ وصيفًا موسم (1928-1929) وحقق ثلاث كؤوس للرابطة الإنجليزية (1964، 1997، 2000) وكأس الدرع الخيرية 1971، حكاية تتقارب مع حكاية مدربه الحالي "كلاديو رانييري" العجوز الإيطالي الذي وصفه كثيرين بالمدرب "الفاشل"؛ حيث لم ينجح في إقتناص البطولات مع أندية لها ثُقلها العالمي كاليوفي والأنتر وروما ونابولي وفالنسيا وتشلسي، كما درب المنتخب اليوناني ولم يحقق شيء يُذكر، قبل ان يقوده التاريخ للِسْتَر حينها قال النجم الإنجليزي السابق غاري لينيكر: "رانييري مدرب ذو خبرة لكنه اختيار خاطئ للِسْتَر، أمر مدهش ان هذه الأسماء القديمة تستمر في عالم التدريب"، وكلاديو نفسه كان يعيش حالة "هاجس الأحلام الغير قابلة للتحقق" ذلك في تردده عن تصديق الأمر حتى مع إدراك الجميع ان تتويج لِسْتَر مسألة وقت ليس إلا!!

عناوين كثيرة يمكن أن تُقال في مسيرةِ لِسْتَر هذا الموسم، مسيرة اُختتمها بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز لأول مرة في تاريخ النادي، عناوين عن الإرادة والطموح والتواضع والكفاح، وعن المال الذي لا يعني وفرته بالضرورة الوصول للنجاح؛ فمبلغ 28.26 مليون يورو هو قيمة تشكيلة لِسْتَر، مبلغ متواضع بالمقارنة مع ما ينفقه عمالقة الأندية، لكنه كان كافيًا ليصنع الفارق على المستوى الجماعي والفردي على حد سواء؛ ففخر العرب الجزائري رياض محرز توج بلقب أفضل لاعب في إنجاز لم يسبقه إليه أي لاعب عربي ولا أفريقي، إضافة لهداف الفريق "فاردي" الذي سطع من ظلمة "الاستغناء عنه في سن 16 عاما واعتزاله الكرة مباشرة وعمله في مصنع للفحم، قبل ان يعود للملاعب في الدرجات الدنيا مع تعرضه لعقوبة الإقامة الجبرية أثر تورطه في قضية اعتداء على بعض الأشخاص حاولوا الاعتداء على صديقه الأصم حتى وصل للعب مع نادي فليت تاون بالدرجة الخامسة عام 2011" أقول من هذه الظلمة سطع نجمه وحقق اللقب مع فريقه وكسر حاجز رقم قياسي بتسجيله في 11 مباراة متتالية بعد عن كان الرقم السابق 10 مباريات بحوزة النجم الهولندي فان نيستلروي.

لِسْتَر سيتي كتب تاريخا جديدا في كرة القدم وليس بالدوري الإنجليزي الممتاز فقط، نادي أسقط كل نظريات المستحيل، وحتى لا نبالغ فبعض من لِسْتَر موجود معنا "وحوالينا"؛ علينا فقط ان نوجه بوصلتنا المحلية لما فعله نادي السلام لكرة الطائرة بقيادة الجميل المدرب جمال المعمري حين حصد ألقاب الموسم رغم ظروف النادي الصعبة خاصة تلك التي خارج أسواره، ويكفي ان تستمع لهذا المدرب وحكاية طائرة السلام لترفع "القبعة" لروح الإرادة والإصرار والتخطيط المثالي.

فوز لِسْتَر فتح نافذة العالم على المدينة التي تُعد احد المراكز التجارية والصناعية والتعليمية، فوز سيساهم في إزدهار كل هذه المجالات ويُلفت نظرنا مرة أخرى لأهمية الرياضة في الاستثمار وتنويع مصادر الدخل في ظل أزمتنا الحالية، لِسْتَر أيضًا من أكثر مدن بريطانيا تنوعًا في النسيج السكاني وتضم أغلبية من الأقليات العرقية، حتى إنها تضم عدة مساجد، واليوم يمكن ان نقول ان فريق المدينة المشكل في العام 1884 من فتيان مدرسة "ويجستون" بات فريقًا مقاتل يخشاه المنافسين مستضيفين له أم ضيوف عليه بمعقله الحصين "ملعب كينغ باور"، لِسْتَر مدرسة جديدة تقدم الدروس بكتاب مفتوح لمن أراد ان يستفيد.

تعليق عبر الفيس بوك