المدير الإقليمي للبنك الدولي لـ"الرؤية": 1.8% نسبة النُّمو الاقتصادي للسلطنة خلال العام الجاري.. ونتائج الإصلاحات تتحقق في 2017

أكَّد أنّ الحكومة تتحلى بإرادة حقيقية في الإصلاح وتحرير الاقتصاد.. والسياحة في مُقدمة البدائل النَّاجحة لتوفير موارد اقتصادية جديدة

 

السلطنة لا تحتاج حاليا إلى قرض من البنك الدولي

قطاع المُؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالسلطنة قادر على النمو حال توفير التحفيز والتمويل

خفض مُميزات موظفي الحكومة وتحرير سوق العمل بدلاً من فرض سياسات توطين الوظائف

القطاع الحكومي لم يعد قادرا على استيعاب الباحثين عن عمل.. و"الخاص" أرحب وأفضل

فرص التنويع الاقتصادي في عُمان "واعدة جدا".. والسلطنة تزخر بالموارد غير المستغلة

السلطنة قادرة على التحول إلى "بوابة لوجستية" لدول المنطقة

خطوات السلطنة لترشيد الإنفاق تحقق نتائج إيجابية على المدى الطويل

"الدقم" مهيأة لاستقبال أكبر قدر من الاستثمارات الأجنبية

الحديث عن شروط أو ضغوط من البنك الدولي على الحكومات "عارٍ عن الصحة"

البنك الدولي لا يُقدم سوى المقترحات للحكومة العمانية

لا مجال لـ"دولة الرفاه" في الخليج بمرحلة ما بعد النفط .. وترشيد الإنفاق "طوق النجاة"

تراجع أسعار النفط يمنح دول الخليج فرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد وفق أسس جديدة

الاقتصاد الخليجي ينتظره "مستقبل جيِّد" بفضل الوعي الحكومي والمجتمعي بأهمية "القرارات الصعبة"

رفع القيود عن الاستثمار وإصلاح أنظمة العمل والتسهيلات الحكومية.. وصفة علاجية ناجعة لتجاوز الأزمة

علاقة البنك الدولي مع حكومات الخليج "تشاركية".. والتعاون يتمدد لقطاعات عدة

القطاع الخاص بات قادرا على تمويل وتنفيذ مشاريع البنية الأساسية بدلاً من الحكومات

ضرورة دراسة البدائل قبل الشروع في تمويل الحكومة لمشروعات التنمية

تكلفة الاقتراض الداخلي أكبر من الخارجي في أحيان كثيرة

نقص السيولة يعيق نمو القطاع الخاص ويخلق مشكلات اقتصادية داخلية

الحكومة تخلق فرص الاستثمار.. والقطاع الخاص يطرح المُبادرات والرؤى الاقتصادية للنمو

الحوار بين القطاع الخاص والحكومة "لا مفر منه" لتحقيق الشراكة الفاعلة لمصلحة الأوطان

دور البنك الدولي في دول الخليج لا يتعدى المشورة الفنية حول الإصلاح الاقتصادي

 

توقَّع الدكتور نادر عبد اللطيف المُدير الإقليمي بالبنك الدولي لدول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تحقق السلطنة نمواً اقتصاديًا يصل إلى 1.8 في المئة خلال العام الجاري، مشيرًا إلى أنّ نتائج الإصلاحات الهيكلية التي بدأت الحكومة في اتخاذها ستتحقق بداية من العام 2017.

وقال عبد اللطيف- في حوار حصري مع "الرُّؤية" خلال زيارته للسلطنة- إنّ الحكومة العُمانية تتحلى بإرادة حقيقية في الإصلاح وتحرير الاقتصاد، لاسيما في ظل الخُطط الحكومية الرامية لتنويع مصادر الدخل وإيجاد موارد بديلة عن النفط لتغطية الإنفاق. وأضاف أنّ السياحة في مُقدمة هذه البدائل، فضلاً عن النمو المأمول لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مع عدم إغفال ضرورة توفير عوامل التحفيز وبدائل التمويل المُيسرة.

وشدد عبد اللطيف على أنّ فرص التنويع الاقتصادي في السلطنة واعدة جدًا، خاصة وأنَّ عُمان تزخر بالموارد المُتنوعة غير المُستغلة. وأوضح المدير الإقليمي بالبنك الدولي لدول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أنّ القطاع الحكومي في السلطنة ودول الخليج بشكل عام، لم يعد قادرًا على استيعاب الباحثين عن عمل، وأن القطاع الخاص بات أكثر رحابة وأفضل من حيث العوائد والمُميزات.

وإلى نص الحوار....

 

حوار- الفاضل عبَّاس

تصوير/ نواف المُحاربي

 

** اقتصاد الخليج بعد النفط .. ما هو تصوركم له كمؤسسة مالية دولية رائدة؟.

 

في البداية أود أن أوجه الشكر إلى صحيفتكم الغراء، وأعرب عن سعادتي بهذه المقابلة، لاسيما وأنّ الإعلام يُسهم بدور بارز للغاية في عملية التنمية المجتمعية، كما أنّه شريك فاعل للمؤسسات الحكومية؛ فالسلطة الرابعة تؤدي مهمة ريادية في تنمية الوعي المُجتمعي. وفيما يتعلق بالسؤال الخاص بالنفط ودوره في عملية التنمية الاقتصادية بدول الخليج لأكثر من خمسة عقود متتالية، أقول إنّ الخام الأسود أسهم مُساهمة فاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية على السواء، والخليج لا يزال يحتفظ بأكثر من ثُلث الاحتياطات العالمية للمواد الهيدروكربونية من نفط وغاز، وهو مصدر حيوي للاقتصاد العالمي ومصدر دخل رئيسي لدول الخليج، وبفضله استفادت هذه الدول من عائداته الضخمة على مدى العقود الماضية، ونجحت هذه الدول في تحقيق معدلات نمو كبيرة في التنمية البشرية والتعليم والصحة وزيادة متوسطات الأعمار، علاوة على الطفرة الواضحة في البنية الأساسية. والملاحظ أنّ العديد من الدول النفطية بشكل عام استفادت من هذه الثروة وادَّخرت جزءًا منها للأجيال المقبلة، في صورة صناديق سيادية حولت الثروة من باطن الأرض إلى خارجها.

لذا نقول إنّ الوضع في دول الخليج بعد عام 2014 مشابه لوضع الدول المنتجة للنفط في العالم؛ إذ لابد من إعادة النظر في الهيكل الاقتصادي لهذه الدول، باعتبار أن الانخفاض في أسعار النفط وقع بصورة حادة وسريعة، من 140 دولارًا للبرميل إلى 40 دولارًا، لاسيما وأنّ معظم دول الخليج وضعت خطط الإنفاق الخاصة بها على أساس أسعار النفط، ولذلك في عام 2015 كان فائض الموازنات الخليجية أكثر من 10% من الناتج المحلي، لكن في المقابل من المتوقع أن تتكبد هذه الاقتصادات عجزًا بـ10% من الناتج المحلي، وهذا يمثل في حقيقة الأمر ضائقة اقتصادية، غير أنّه يمثل فرصة للقيام بالإصلاحات الهيكلية اللازمة لتنويع الاقتصاد وتحريره من الاعتماد المُطلق على النفط، وكثير من الدول الخليجية بدأت في هذا الاتجاه، فالمملكة العربية السعودية أعلنت عن رؤيتها لعام 2030 لإنهاء إدمان الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للاقتصاد، وتتوقع المملكة أن تكون 50% من الصادرات غير نفطية، ونفس الاتجاه تسلكه دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

** وماذا عن التوجهات الاقتصادية لدى دول الخليج في هذه المرحلة بالغة الحساسية؟.

إنّ التوجهات الاقتصادية في مُعظم دول الخليج ترمي للاستفادة من الأزمة الحالية في خفض الاعتماد على النفط، وهذا يستلزم معه إجراء تغييرات أساسية في المنظومة الاقتصادية، وفي ترشيد الإنفاق الحكومي وتوجيهه إلى مصادر من شأنها أن تعزز النمو على المدى الطويل، وهي عملية ليست بالسهلة تحتاج إلى وجود الإرادة السياسية القوية والتخطيط الجيد، ويمكن أن تتجاوز دول الخليج الأزمة بسهولة وتنطلق في نفس المستوى من النمو، خاصة وأنّ كثيرًا من دول الخليج أقدم على تخفيض الإنفاق الحكومي غير الرأسمالي (الاستثماري)، ودول الخليج مرت بهذه التجربة سابقاً عندما هوت أسعار النفط قرب عشرة دولارات، ولكن هذه المرة كان الانخفاض سريعاً وحاداً، لذا فإنّه يستوجب إجراء تغييرات أوسع لتنويع مصادرها الاقتصادية، والاتجاه إلى ترشيد الإنفاق الحكومي وتوجيهه بحيث يخدم النمو على المدى الطويل والقصير.

 

** هل ترى أن تحفيز الإنفاق غير الاستثماري يترتب عليه عبء مستقبلي على اقتصاد الخليج عموماً والسلطنة على وجه الخصوص؟

إنّ أي خفض للإنفاق الحكومي يواجه صعوبات ولا يُعد أمراً هيناً، خاصة بالنسبة للمواطنين الذين تعودوا الإنفاق الحكومي السخي، لكن الوضع الحالي يستدعي ضرورة عقد حوار مجتمعي؛ إذ لابد من إعادة التفكير في العقد الاجتماعي السائد؛ حيث إنّ النظام السابق القائم على "الرفاهية" اعتمد على أن الدولة تستحوذ على حصيلة الإنتاج النفطي برمته، وتوزعه على المواطنين، إما عن طريق وظائف حكومية، دون وجود رغبة لدى المواطن للتوجه نحو القطاع الخاص، أو في صورة دعم شبه كامل للطاقة والمياه والكهرباء والتعليم والصحة، ودون أيّ ترشيد، فكان الغني والفقير يتساويان في الاستفادة من هذا الدعم، لكن الواقع يقول إنّ نظام الرفاه الاجتماعي لم يعد مستدامًا ولا يُمكن الاستمرار فيه.

لكن ما يُبشر بمستقبل جيّد لدول الخليج أن هناك إدراكاً حكومياً يتوازى مع تعاون وتفهم من المواطنين بأن الوضع الحالي لا يسمح بكثير من هذه الرفاهية التي اعتادوا عليها، فبدأ معظم دول الخليج تنفيذ إصلاحات ضرورية؛ في مقدمتها خفض الدعم غير المرشد على الطاقة والمنتجات النفطية، ومعظم دول الخليج أجرى تغييرًا كبيرًا جداً في حجم هذا الدعم، وهذا الإجراء له آثار جيدة على الاقتصاد والصحة والمواصلات والبيئة، كما أنّ هناك اتجاهاً آخر بدأ يسلكه معظم دول الخليج، وهو خفض الدعم على المياه والكهرباء، بعد سنوات مُمتدة من الهدر الكبير جداً لهذه المصادر، فالدول نفسها تستخدم مُعظم مواردها الطبيعية في تحلية المياه وإنتاج الكهرباء، وكانت هذه الموارد بأسعار رمزية أو من غير تحصيل، لكن خفض هذا النوع من الإنفاق سيكون له آثار اقتصادية جيدة ولا توجد له أي آثار اجتماعية سلبية، بل سيحقق مردودًا بيئيًا وصحياً جيدًا، وكل هذه الإجراءات تمثل بداية موفقة.

 

** وماذا عن الإجراءات الإصلاحية التي يتعين على دول الخليج اتخاذها لمعالجة الوضع الحالي؟.

لابد من القيام ببعض الإصلاحات بعد خفض الإنفاق، مثل تنويع مصادر الدخل، والاتجاه لرفع الرسوم، واستحداث موارد ضريبية جديدة مثل ضريبة القيمة المضافة، وهذا ما أكدت معظم دول الخليج السير فيه، مما يعزز من قدرة الموازنات العامة، وفي نفس الوقت يزيد من قدرة الاقتصادات على مواجهة الصدمات التي تنتج من تراجع أسعار النفط. وعلى المدى الطويل، يتعين على هذه الدول أن تكون أكثر تنافسية، وتفتح مجالاً أكبر للقطاع الخاص، بحيث يستوعب الأعداد الكبيرة والمتزايدة من الباحثين عن العمل، خاصة وأن قدرة القطاع الحكومي على استيعاب جميع الباحثين عن عمل أصبحت غير ممكنة، حتى إذا كانت ممكنة من ناحية مالية فإنها ستكون سبباً لمزيد من الترهل الوظيفي، مما يزيد من الأعباء الملقاة على القطاع الحكومي في عملية التنمية، لذا لابد من إعادة النظر في ترشيد التوظيف الحكومي وخلق إدارة حكومية تعتمد على معايير الكفاءة، لاسيما وأن هناك دولاً عدة مثل سنغافورة، تعتمد فيها الخدمة الحكومية على جهاز صغير، وجميع الذين يلتحقون به يكونون على قدر كبير من الكفاءة، فيما يظل بحث المواطنين الرئيسي عن عمل في القطاع الخاص، وكل ذلك يفرض ضرورة خلق بيئة مناسبة للقطاع الخاص ورفع القيود التي تحد من مباشرة المواطنين لأعمالهم الخاصة وتسهيل الإجراءات الحكومية، من حيث الترخيص والتسجيل والحصول على الأراضي، وإعادة النظر في القيود التي يواجهها المستثمر المحلي والأجنبي، علاوة على إصلاح أنظمة العمل والقوانين التي تنظم العمل، وكل هذه الإصلاحات ستخلق وظائف للمواطن في القطاع الخاص بعائد مالي أكبر، وتنافسية أفضل، على الرغم من أن تطبيق مثل هذه الإصلاحات يستغرق وقتاً طويلاً، لكن الفرصة مواتية للبدء في هذه الإصلاحات.

 

** أنتم كبنك دولي هل يتوقف نُصحكم عند الإدارة الاقتصادية أم يتعدى ذلك باقتراح البدائل والحلول باعتبار أن الأزمة كانت مفاجئة؟

نحنُ في البنك الدولي نعتبر أنفسنا شريكاً أساسياً لمُعظم الدول التي تمتلك البنك، ونتمتع بشراكة حقيقية مع جميع الحكومات في دول الخليج، وهناك تعاون وثيق بين البنك والجهات الحكومية، فمن السهل تنبيه أي شخص إلى ربط الحزام، لكن سيكون من الأفضل أن تتعاون معه في كيفية ربط الحزام، لذلك نقول إنّ الأزمة التي يعاني منها العالم من تباطؤ اقتصادي ظهرت بشكل رئيسي من انخفاض أسعار النفط، إلى جانب تباطؤ نمو الاقتصادين الصيني والأوروبي، وكثير من الدول في مجموعة العشرين دخلت في الكساد مثل البرازيل، وأحياناً يستدعي التفكير بألا يكون خفض الإنفاق بصورة حادة لما يسببه من تباطؤ داخلي.

ومن هنا ينبغي التمييز بين الحفاظ على الإنفاق الرأسمالي وترشيد الإنفاق الجاري، لأنّ ذلك يحدد قدرة الدول على النمو في المديين الطويل والمتوسط، ولابد أن تتمتع السياسة المالية بالحكمة في هذا الصدد، وإعادة النظر في جميع البدائل الممكنة، بحيث يتسنى الحفاظ على مستويات إنفاق تؤثر على النمو، ودورنا كبنك دولي يتمثل في جلب تجارب عالمية من الدول المختلفة، خاصة وأنّ البنك مُطّلع على تجارب أكثر من 188 دولة حول العالم، ونشرك دول الخليج في إبراز هذه التجارب والعمل وفقها على وضع برامج وخطط لمواجهة التحولات التي تستجد في الاقتصاد العالمي.

 

** كيف تنظر إلى فُرص دول مجلس التعاون الخليجي في التنويع الاقتصادي وخاصة سلطنة عُمان؟

فُرص التنويع الاقتصادي في دول التعاون وبالذات سلطنة عُمان تعتبر واعدة جداً، وينبغي الاستفادة من الموارد غير النفطية لتنويع مصادر دخل السلطنة، إذ إنّ هناك موارد أخرى يمكن توظيفها، لاسيما وأن السلطنة تتميز على دول كثيرة بأنها غنية بالموارد السمكية، فضلاً عن الموقع الاستراتيجي المميز الذي يمكن استثماره، لاسيما في مجالات النقل البحري والجوي والبري، إلى جانب أنها تمتلك أكبر السواحل بين دول الخليج وفي منطقة لا تضطر فيها البواخر للمرور عبر مضيق هرمز أو باب المندب، وإذا كانت هناك بنية تحتية مواكبة سيُصبح الخط الملاحي القريب من السلطنة عالميًا، وستصبح عمان بوابة لعدد من الدول الأخرى.

وفي هذا السياق فإنّ المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدُّقم مهيأة لاستقبال أكبر قدر من الاستثمارات الخارجية، وقادرة على التحول إلى بوابة لوجستية لدول الخليج الأخرى، إضافة إلى أنّ هناك موارد سياحية هائلة بالسلطنة، سواء من حيث المناخ المُتميز والتضاريس المتنوعة والموقع الإستراتيجي، والسياحة مؤهلة لأن تكون فرصة نمو واعدة بدلاً من النفط، والمبشر في هذه النقطة أنّ دولاً عدة تعتمد بشكل كلي على السياحة في نمو اقتصادها.

وفي دول الخليج بشكل عام المجال مفتوح لنمو الخدمات المالية والمعلوماتية واقتصاديات المعرفة، كما أنها تزخر بفرص نمو أيضاً في الصناعات التحويلية التي ترتبط بالبتروكيماويات أو الصناعات التحويلية التي تعتمد على موارد نفطية، وهناك إدراك وإجماع بأن هذه القطاعات هي التي يستوجب تنميتها لتصبح بديلة للقطاع النفطي.

ويمكن القول إنّ معظم الإجراءات التي بدأت فيها سلطنة عمان لترشيد الإنفاق الحكومي والحد من الهدر في الإنفاق على الطاقة، خطوات تتيح على المدى الطويل لهذه القطاعات أن تسهم بدور أكبر في النمو الاقتصادي.

 

** البدائل المتاحة لدول الخليج الآن.. هل يمكن أن تلجأ السلطنة إلى صناديق الثروة السيادية؟ وماهي متطلبات مشاريع التنويع السياحي؟

هناك ثلاثة مستويات من البدائل؛ المستوى الأول يتمثل في ضرورة تحديد الأولويات في قطاع البنية التحتية، وهناك الكثير من الدول تنفذ العديد من مشاريع البنية التحتية لكن دون جدوى اقتصادية، لذلك ينبغي أن تُحدِّد الدولة أولوياتها في البنية التحتية باعتبار أن التنويع يحتاج إلى تنمية تحتية فاعلة وجيدة، كما أنه لا بد من الإجابة على السؤال التالي: هل هناك حاجة للقطاع العام للقيام بتمويل هذه المشروعات أم لا؟.

في التوجه العالمي الآن، قليل من الدول هي التي تقوم ببناء المطارات والموانئ، لأنّ مثل هذه المشاريع تضيف أعباءً جديدة على الميزانية العامة، خاصة وأن القطاع الخاص أثبت قدرته على تنفيذ مشاريع البنى التحتية المُتميزة ذات كفاءة وبأسعار أقل. وفي منطقة الخليج نماذج متعددة من هذه المشاريع، لذا يتعين التوجه للاعتماد على القطاع الخاص في مثل هذه المشاريع. لكن على الرغم من ذلك، في أحيان أخرى لا يكون القطاع الخاص قادرًا على هذه الشراكة، وهنا وفي هذه الظروف فقط يتحتم على الدولة القيام بتمويل مثل هذه المشروعات.

والحديث عن التمويل الحكومي الاستثماري يجب أن يتركز على قطاعات يصعب على القطاع الخاص تمويلها، فإذا تمّ تحديد مشروع على أساس أنه من الضروري أن يموله القطاع العام، فلابد من دراسة البدائل، وما إذا كان يتعين السحب من الصناديق الخارجية أم يجري تمويله عبر الاقتراض الداخلي أو الخارجي، ولابد أن تكون لكل دولة إستراتجيتها في استخدام وسائل التمويل، لأن لكل خيار أبعاد وآثار على عملية التنمية الاقتصادية الداخلية، وفي أحيان كثيرة تكون تكلفة الاقتراض الداخلي أضعاف التكلفة الخارجية، وفي هذه الحالة فإنّ معظم السيولة المتاحة في البنوك والتي من المفترض أن تتوافر للقطاع الخاص، تتجه في المقابل إلى تمويل الحكومة، مما يخلق مشاكل في السيولة قد تبطئ القطاع الخاص والعملية الاقتصادية بصورة أكبر.

 

** دور القطاع الخاص .. هل ينتظر أن يهيأ له الملعب ليدخل في الاستثمار؟

القطاع الخاص دائمًا ما يبحث عن الفرص الواعدة، وهناك دور حكومي في خلق مزيد من الفرص للقطاع الخاص الداخلي والخارجي، وأرى أنّ القطاع الخاص لابد أن تكون لديه مبادرات تشمل طرح رؤيته وتقديم مشروعات وأفكار لمشاريع تستوجب رعاية واهتمام الحكومة، ودائماً ما يدعو البنك الدولي لعقد حوار بين القطاع الخاص والحكومة، نظرًا لأهميته الكبيرة جدًا. كما أنّ معظم الدول تتجه لأن يكون للقطاع الخاص نصيب الأسد في عملية التنمية الاقتصادية، ومن الصعب أن تقوم الحكومة بوضع خطط وإستراتيجيات وسياسات في معزل عن القطاع الخاص؛ إذ لابد أن يكون هناك حوار مستمر بين الطرفين بحيث تكون الشراكة فاعلة لمصلحة الأوطان.

 

** هناك تصور عن مؤسسات التمويل الدولية، وأن تدخل البنك الدولي مبنيٌّ على رفع الدعم وغيرها من إجراءات.. ما مدى صحة هذا الحديث؟.

دائماً ما نتَّجه إلى الحوار الاجتماعي لاسيما عبر وسائل الإعلام، من أجل تغيير هذه النظرة غير الصحيحة، فالبنك الدولي منظمة تمتلكها حكومات الدول، فالحكومات العالمية هي التي تحدد سياسات البنك الدولي، ووزراء الدول الـ180 الأعضاء في المنظمة هم الذين يرسمون السياسات، ولا يمكن أن يمارس البنك الدولي ضغوطًا على الوزراء الذين يضعون سياسة الوزارة، وفي دول الخليج البنك الدولي لا يقوم بتمويل مشروعات، فالحديث عن شروط أو وصفات علاجية غير صحيح، وكل ما يقدمه البنك في دول الخليج لا يتعدى المشورة الفنية حول الإصلاحات، ولايوجد تمويل من البنك الدولي لدول الخليج، إذ إنّ دول الخليج من الدول مرتفعة الدخل.

 

** هل يأتي اقتراح الإصلاحات في إطار استشاري أم أن الدول تستعين بالبنك من أجل الخروج من مأزق معين؟

البنك الدولي يمتلك قدرة عالية على خلق إجماع على ضرورة إجراء إصلاحات على المستوى العالمي، وهو ما يقوم به من خلال المؤتمرات واجتماعات البنك وصندوق النقد الدوليين السنوية، ومساهمة البنك في جدول أعمال مجموعة العشرين ومجموعة السبع، كما أنّ البنك يقدم خدمات مالية تتمثل في تمويل الدول ذات الدخل المنخفض وذات الدخل المتوسط، ويقدم للدول ذات الدخل المنخفض قروضاً تمويلية بدون فائدة، فيما يتم تحصيل الفائدة من الدول الغنية، أما الدول المتوسطة الدخل فإنّ البنك الدولي يقدم تمويلات بشروط تجارية، وفي أحيان أخرى يأخذ البنك هذه الموارد من السوق العالمية ويقدمها بأسعار لا تستطيع هذه الدول أن تحصل عليها بها إذا أرادت شراءها من الأسواق العالمية مُباشرة، وهناك قطاع كبير من الدول العالية الدخل يقدم له البنك استشارات أو اقتراحات فنية بدون تمويل، وهذا ما يقوم به البنك في دول الخليج.

 

** فيما يتعلّق بالوضع في سلطنة عُمان.. هل هناك حزمة حلول للأزمة الاقتصادية أم أن الأمر لا يتعدى النصائح؟

نحن لا نُقدِّم حزمة حلول، بل نُقدم مقترحات في قطاعات محددة تطلبها الحكومة، فالاقتصاد العماني نما بمعدل 3.3 في المئة خلال العام الماضي، ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد العُماني خلال العام الجاري بمعدل يتراوح بين 1.6 في المئة إلى 1.8 في المئة، ولا نتوقع ضغوطاً على الموازنة العامة، كما أنّه من المستبعد حدوث تباطؤ اقتصادي بالسلطنة. بالإضافة إلى أن حزمة الإصلاحات التي اتخذت ستحقق نتائجها في معدلات النمو المرتقبة بداية من العام 2017 وحتى عام 2020، وكلما زادت معدلات الإصلاحات الهيكلية كلما زادت فرص النمو في المديين المتوسط والبعيد، وهناك تفاؤل بنمو المستوى الاقتصادي في السلطنة ودول الخليج، بفضل الإرادة الحقيقية والبدء الفعلي في عملية التحرير الاقتصادي والإصلاح.

 

** مقابل القبول بالإصلاحات والاقتراحات.. ما هي المساعدة الملموسة التي يمكن أن تحصل عليها السلطنة من البنك الدولي؟

البنك الدولي يتألف من 5 مجموعات مترابطة، منها مجموعة "IBRD" (البنك الدولي للإنشاء والتعمير)، وهي أكبر مؤسسات البنك الدولي، وهناك مجموعة مؤسسة التنمية الدولية "IDA"، وهي مختصة بالدول الفقيرة، ومؤسسة التمويل الدولية "IFC" وتعمل في سلطنة عُمان وتعد أحد أجهزة البنك التي تعمل فقط مع القطاع الخاص ولا تعمل مع الحكومات، وتهتم هذه المؤسسة فقط بتقديم خطط التمويل، في مقابل الحصول على حصص ونسب في ملكية المشاريع. ووجود مثل هذه المنظمة يُساعد ويشجع المستثمرين العالميين على تنفيذ المشاريع، وتمتلك هذه المؤسسة نسبة 5 في المئة ببنكين داخل السلطنة، وهو ما يُشجع المستثمر الأجنبي لاسيما من الدول الأوروبية والمُتقدمة، على خوض المشاريع التي يمولها هذا البنك، إذ تمنح مشاركة مؤسسة التمويل الدولية مزيداً من الثقة والحافز للمستثمر، وهو ما يحفز الاقتصاد بشكل عام في نهاية المطاف.

أما المؤسسة الرابعة فتسمى "MIGA" وهي وكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف، وجميع هذه المؤسسات يكون دعمها دولياً، وتعمل في جميع الدول، فمثلا هذه الوكالة تقدم بوليصة تأمين للمستثمرين ضد المخاطر السياسية ومخاطر المصادرة، وكل ذلك يعد جزءًا من الخدمات التي تقدمها مجموعة البنك الدولي لمساعدة الدول النامية بهدف الاستفادة من الاستثمارات الخارجية، وتغطي جميع المخاطر غير التجارية، فهناك ضمانات وتمويل للقطاع الخاص وللقطاع العام. والبنك يقدم نوعين من التمويل؛ النوع الأول مخصص للدول منخفضة الدخل التي يكون فيها دخل الفرد أقل من ألف دولار سنويًا، وهذه الدول تستفيد من مجموعة التنمية الدولية والبنك يمنحها منحاً أو قرضاً بدون فائدة. وهناك دول ذات دخل متوسط، وهي التي يكون متوسط دخل الفرد فيها سنويا أكثر من 1000 دولار وأقل من 10000 دولار، وهذه تستفيد بمعدلات فائدة أقل مقارنة بالاقتراض من الأسواق العالمية. وبفضل التصنيف الائتماني المرتفع للبنك الدولي عند "AAA" فإنّه يحصل على الأموال من أسواق المال العالمية بسهولة، ويبلغ إجمالي تمويل البنك الدولي سنوياً 100 مليار دولار.

 

** ألا يُمثِّل تحول دول من خانة الدول المقرضة إلى خانة الدول المقترضة عبئًا على موارد البنك ؟

في حقيقة الأمر، دول الخليج تُعد من الدول ذات الدخل المرتفع، ولم تقترض أساسًا من البنك الدولي، وكانت السلطنة هي الدولة الوحيدة التي تقترض حتى منتصف الثمانينيات، لكنها لم تعد تعتمد على البنك بعد ذلك، بفضل معدلات التنمية المتسارعة التي تحققت وتحولت بعدها السلطنة إلى مراتب الدول ذات الدخل العالي واستطاعت أن تتخلى عن تمويل البنك، وفي ظل الوضع الراهن لا نتوقع أن تحتاج السلطنة إلى قرض من البنك الدولي حاليا.

 

** ما التوجهات التي من الممكن اعتمادها لتجاوز الأزمة.. وما دور تعميق الشراكة بين القطاعين العام والخاص.. ودوركم كسلطة مالية دولية للدفع بهذا الاتجاه؟

نعمل على إعداد مجموعة من الدراسات ونسميها "دراسات بيئة الاستثمار"، ومن خلالها نتعرف على جميع المُعوقات التي تواجه القطاع الخاص في الدولة محل الدراسة، كما أن البنك يصدر تقريرا سنوياً يسمى "سهولة الأعمال"، يضم جميع دول العالم، ويتم فيه ترتيب الدول وفقاً للتقدم الذي تحرزه خلال عام والعقبات التي تواجه القطاع الخاص. وهذا التقرير تستعين به معظم الدول وتبني عليه فيما يتعلق بالإصلاحات في مناخ الأعمال ومناخ الاستثمار العام. وعند وضع هذا التقرير يقوم البنك بدراسة كل المعوقات بطريقة واضحة وشفافة، ويتم بعدها نشر التقرير. وفي حوارنا وشراكتنا مع الدول ننصح دائماً بالتواصل مع القطاع الخاص والاستعانة بأفكاره وفهم معوقاته مع الجهات الحكومية، وهذه التقارير والدراسات تهدف بالأساس إلى خلق مناخ استثماري يشجع ليس فقط القطاع الخاص الداخلي وإنما الاستثمار الخارجي. وفي ظل الظروف الاقتصادية الراهنة لا بد من الاعتماد أكثر على القطاع الخاص، بل بالعكس تستفيد الدولة عند فتح المجال أمام القطاع الخاص، لاسيما وأنّ هناك مجالات كثيرة حتى الآن لم تفتح أمام القطاع الخاص، كما أنّ هناك بعض الدول تمنع القطاع الخاص من تقديم خدمات التعليم والصحة مثلاً، والبعض لا يسمح للقطاع الخاص أن يساهم في مشاريع البنى التحتية.

 

** تتضمن نصائح البنك الدولي دائمًا ضرورة تخفيف القبضة الحكومية على الاقتصاد، وإتاحة فرصة أكبر للقطاع الخاص من خلال الخصخصة.. ما هي القطاعات المؤهلة في السلطنة لتخصيصها وتسييرها من قبل القطاع الخاص؟.

إذا كانت السلطنة تحتاج إلى التعرّف إلى القطاعات والمؤسسات الحكومية التي من المُمكن خصخصتها، فلا بد من القيام بدراسات مفصلة، ومراقبة الأداء المالي وتقييم أصول هذه القطاعات والمؤسسات، ومدى قدرة القطاع الخاص على إدارتها.. لكن بصورة عامة أي نشاط اقتصادي يمكن للقطاع الخاص أن يقدمه، لكن مع خروج الحكومة من إدراته كليًا، وإتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص، كما هو الحال في قطاع الاتصالات، فلا يمكن للحكومة أن تديره أفضل من القطاع الخاص، كما أنّ دور الحكومة أن تقدم خدمات وإستراتيجيات وتطرح سياسات، ومن ثم ترك كل ما يمكن من قطاعات تحت إدارة القطاع الخاص، والأمر الوحيد الذي يسمح فيه للدولة بالتدخل عندما لا يمكن الاعتماد على الأسواق في تقديم الخدمات. وحتى في ما يتعلق بتنفيذ الطرق، فإنّ بإمكان القطاع الخاص أن يقدمها ويستفيد من مردودها المادي مثلما حدث في كثير من الدول، وكذلك الحال في القطاع البنكي وقطاع التأمين، حيث ليس من المحبذ أن تديره الحكومة، ويُنصح بفتحه أمام المنافسة الخارجية.

 

** ثمة جزئية متعلقة بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وهو قطاع ناشئ بالسلطنة.. كيف يمكن لهذه المؤسسات أن ترسخ أقدامها وتساهم في التنمية؟

يُعتبر قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من أهم القطاعات التي ينبغي الاهتمام بها، لأنّ معظم تجارب الدول وحتى الدول الغنية، إيطاليا على سبيل المثال، حقق هذا القطاع أداءً جيدا؛ حيث إن معظم الصناعات الإيطالية المتميزة تقوم بها هذه المؤسسات، كما أنّه أكثر قطاع ديناميكي وقادر على استقطاب أكبر عدد من المواطنين في سوق العمل. وهنا لابد من تقديم عدد من الخدمات لتحفيز هذا القطاع؛ وأولها الدخول والتسجيل ورفع القيود وتقليل التعقيدات الإدارية، والحد من بيروقراطية الإجراءات، كما أنّ هناك عددًا من الإجراءات التي من الممكن أن تقوم بها الدولة لتذليل العراقيل أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في مقدمتها تقديم التمويل من البنوك وتسهيلها من حيث الضمانات. وفي السلطنة هناك توجيه من البنك المركزي العماني بتخصيص ما نسبته 5% من التمويل لصالح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ولايفوتنا أن هناك الكثير من الدول تقدم الضمانات والحوافز للبنوك لإقراض هذه المؤسسات قروضا ذات نسب فائدة منخفضة، ودول أخرى تعطي هذا القطاع الصغير ميزات أفضل للاشتراك في المناقصات الحكومية، وإجمالا يمكن للحكومة العمانية أن تقدم المزيد للنهوض بقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

 

** هل يُقدِّم البنك الدولي الدعم أو المساعدة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؟

نعم هناك الكثير من الجوانب التي يقدمها البنك وتخدم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومنها الدراسات التي يعاني منها القطاع، ولكن في المقابل لا نقوم بتمويل هذه المؤسسات لاسيما في دول الخليج، غير أنّ مؤسسة التمويل الدولية "IFC" تشارك في القطاع المصرفي بمعظم الدول، بهدف رئيسي يتمثل في توجيه جزء من تمويلها نحو المشاريع الصغيرة والمتوسطة، رغم أنه يتم بصورة غير مباشرة.

ولذلك نقول إنه من الأفضل إزالة التشوهات التي يعاني منها الاقتصاد أولاً، ومنها رفع الدعم، وقد حدث بالفعل أن بدأت السلطنة في اتخاذ خطوات ملموسة لرفع الدعم، وهي إحدى الخطوات على المسار الصحيح، كما أنّ هناك تشوهات في أسواق العمل والكثير من الدول تحد من قدرة القطاع الخاص على الحصول على المهارات والخبرات المطلوبة لأداء أعماله والتي من أهمها سياسات توطين الوظائف.

 

** تطبق دول الخليج نظام توطين الوظائف، وفي المقابل يرى القطاع الخاص أنّه يُعرقل نموه، فما بدائل هذا التوطين؟

أولاً: لابد من خفض المُعدلات المتسارعة في نمو الرواتب والبدلات في القطاع العام، لأنّ هذا يتسبب في عدم جاذبية القطاع الخاص للمواطنين، فكل عام عندما تكون الزيادات كبيرة تقل رغبة المواطنين في العمل بالقطاع الخاص. وثانيًا: ضرورة تحرير أسواق العمل؛ بحيث يصبح من السهل الحصول على الخبرات حتى من خارج البلد، فدول الخليج استفادت من العمالة الأجنبية في عقود سابقة، لذا لابد من مواصلة هذه السياسة لأنّها تتيح ديناميكية أكبر للاقتصاد وتجلب خبرات للمواطنين. وفي المقابل يتعين على هذه الدول أن تعمل على المدى الطويل على إعادة هيكلة قطاع التعليم؛ إذ إنّ السبب الرئيسي لزيادة أعداد الباحثين عن عمل هو أنّ معظم مخرجات التعليم غير مواكبة لمتطلبات القطاع الخاص؛ حيث إنّ القطاع الخاص يلجأ إلى استقدام موظفين من خارج البلد لأنّ مخرجات التعليم في الداخل لا تلائم احتياجاته. ومثل هذا الإصلاح يتطلب عشرات السنين حتى ينعكس مردوده على الخبرات الوطنية، لكن على المستويين القصير والمتوسط هناك عدد من الإصلاحات يجري اتخاذها.

وبصورة عامة، فإنّ السياسة الأفضل تتمثل في خلق سياسات داخلية مواكبة على كل القطاعات، تتيح للقطاع الخاص تحديد القطاعات ذات الأولوية، وهو بالفعل قادر على تحديد القطاعات الواعدة أفضل من القطاع الحكومي. فقد ترى الحكومة أنها تريد الاتجاه نحو القطاع المصرفي في حين مثلا يمكن للقطاع الخاص أن يأتي بأفكار مغايرة لتلك التي تطرحها الحكومة، ولذلك في كثير من الدول، بات القطاع الخاص المحدد الأول للقطاعات والأنشطة الأكثر كفاءة. وهذا لا يعني ألا تحدد الدول أجندتها الاقتصادية، فهناك مثلاً دول ترى أن هناك موارد طبيعية تحتاج حوافز لاستغلالها، بيد أن هذا يأتي في المرتبة الثانية بعد تحرير بيئة الأعمال وتنشيط مناخ الاستثمار.

فالقطاع الخاص هو من يُحدد أين يستثمر بدون توجيه من الدولة، لكن في دولة تزخر بموارد طبيعية نفطية مثلاً لابد من الاهتمام بقطاع البتروكيماويات، أو دولة مثلا لديها إرث حضاري وموارد سياحية، فإنّه لابد من الاستفادة منها في تدعيم مردود قطاع السياحة على الاقتصاد، وهكذا. وأحياناً نجد السياسات تختلف من دولة لأخرى ومن قطاع لآخر، فمثلا الحوافز التي يمكن تقديمها لتنشيط قطاع السياحة تختلف عن الحوافز اللازمة لتشجيع الاستثمار في قطاع الصناعات التحويلية وهكذا،.. وباختصار على الحكومة أن تتجه لخلق مناخ استثمار جيد وأن تدعو القطاع الخاص إلى تحديد القطاعات ذات الكفاءة والتنافسية العالية في البلد.

 

** هل يمكن وضع ترتيب للقطاعات التي يُفترض التركيز عليها للتنويع الاقتصادي في الفترة المُقبلة؟

هذا أمر صعب، ولا يفرز نتائج جيدة، ولذلك لابد من أن تخلق الحكومة مناخاً استثماريًا جيداً في كل أنحاء البلد، وفي المقابل يحدد القطاع الخاص أي القطاعات التي يرغب في الاستثمار فيها، فالقطاع الخاص هو الذي يكون لديه دائمًا التوجه والمعرفة بالقطاعات الأكثر عائداً وفائدة.

ويمكن القول إنّ كل القطاعات التي حددتها سلطنة عمان كقطاعات واعدة ينتظرها دور أكبر من قبل القطاع الخاص، سواء الثروة السمكية أو السياحة، وهذه الأخيرة على وجه الخصوص يفترض أن تدار بنسبة 100% من قبل القطاع الخاص.

 

** ما هي جاذبية الفرص الاستثمارية للقطاع الخاص الخارجي؟ وكيف يمكن زيادتها؟

كل دولة لابد أن تمتلك خطة للترويج للفرص الاستثمارية، وما يمكن أن يجده المستثمر من حوافز وقوانين استثمار وإجراءات وكل ما يهم المستثمر الخارجي من أمور داخل الدولة، علاوة على شرح المزايا التي تقدم للمستثمرين.

وهناك العديد من وسائل الترويج، سواء عن طريق الإعلام أو المشاركة في المؤتمرات والمعارض العالمية، أو عقد مؤتمرات للاستثمار دوريا، والاستفادة من العلاقات الدولية في الترويج للموقع المتميز للدولة والمزايا التي تتمتع بها السلطنة، لكن لابد من وجود إستراتيجية واضحة وجهة محددة منوط بها عملية الترويج، وكثير من الدول يكون جزء من سفاراتها مخصصاً للترويج الاستثماري.

 

سؤال أخير .. هل أنتم متفائلون بتعافي أسعار النفط في المدى المنظور؟

لا أتوقَّع أن تكون هناك عودة لأسعار النفط إلى ما كانت عليه فوق 100 دولار للبرميل، ووفقاً للتقارير التي أصدرها البنك الدولي، فإنّ التوقعات تقول إنّ متوسطات أسعار النفط حتى 2020 سيكون بين 50 و60 دولارًا، وبناءً عليه لابد من سد الفجوة الناجمة عن تراجع أسعار النفط، وإذا ما قامت الحكومة بإصلاحات هيكيلة فاعلة يمكنها بسهولة تجاوز هذه الأزمة، وفي المستقبل إذا ارتفعت أسعار النفط يكون التفكير من الآن في استخدام العوائد في تنفيذ مشاريع، كاتجاه المملكة العربية السعودية في التحول من النفط إلى الاستثمار وبحيث تكون عوائد الاستثمار هي الأساس. وفيما يخص التوقعات الخاصة بمعدلات النمو الاقتصادي للسلطنة، نرى أنّها ستكون في أعوام 2017 و2018 أفضل مما هي عليه في 2016.

تعليق عبر الفيس بوك