طلابنا وحادثة الإسراء والمعراج(1)

عيسى الرواحي

الأحداث في تأريخ الإسلام كثيرة متنوعة، وكل حادثة منها مليئة بالدروس والعبر؛ لذا ينبغي للمسلم أن يأخذ بها في واقع حياته، وهذا هو الهدف الرئيس الذي من أجله يُحيي المسلمون ذكرى تلك المناسبات الإسلاميّة، وحادثة الإسراء والمعراج من أبرز الأحداث في تأريخ الإسلام، ويرى العلماء أنّ هذه الحادثة التي وقعت في بداية عصر الإسلام هي إكرام وتأييد للنبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله تعالى إنقاذًا للبشرية من ضلالها المبين إلى هداية الصراط المستقيم والتمسّك بحبل الإسلام المتين، وهي آخر المناسبات التي تفصلنا عن شهر رمضان المبارك حيث ينبغي للمسلم أن يتهيأ بعدها لاستقبال شهر النفحات والبركات.
وبما أننا نعيش هذه الذكرى العطرة ولا تزال المدارس مفتوحة أبوابها لنيل العلم والمعرفة؛ فإنني أرى حسب وجهة نظري أن يتم التركيز في الاحتفال بهذه الذكرى العطرة مع أبنائنا الطلاب داخل المدارس على أمرين اثنين مهمين.
الأمر الأول من خلال تعريف الطلاب بخط سير هذه الرحلة الأرضية السماوية المباركة والتي كان المسجد الأقصى نهاية نقطة الأرض، وبداية الانطلاق إلى السماوات العلا حيث يقول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الإسراء: ١
ينبغي للمدارس وهي تعيش مع أبنائها الطلاب هذه الذكرى أن تغرس في نفوسهم عظمة المسجد الأقصى عند الله تعالى، ومكانته المقدسة عند المسلمين، وأنّه أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومن المساجد الثلاثة التي تشد إلها الرحال، فالصلاة فيه بخمسمائة صلاة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى".
وعندما نتحدّث عن المسجد الأقصى فإننا نشمل بالحديث الأماكن التي باركها الله تعالى حوله، والوضع المأساوي الذي تعيشه تلك الأماكن الطاهرة المقدسة المباركة حيث الاحتلال والدمار والخراب، ودور المسلم الحقيقي في إنقاذ المسجد الأقصى من براثن اليهود الصهاينة المعتدين.
لقد كان الوضع المعهود في مناهجنا في السابق ونفوس أساتذتنا على غير الوضع الحالي فقد كانت "فلسطين" في قلب كل طالب مسلم، وكان الشوق والحنين إلى تلك البقاع الطاهرة والأمل في تحريرها من اليهود مغروسا في نفوس الطلاب، وكان الحماس وحب الجهاد واستشعار المسؤولية تجاه الأقصى الشريف يراود النفس دائمًا، ومن منا لم يكن يحفظ هذه الأبيات للشاعر السوري سليمان العيسى حيث يقول:

فلسطين داري ** ودرب انتصاري
تظل بلادي ** هوىً في فؤادي
ولحنا أبيا ** على شفتيا
وجوه غريبة ** بأرضي السليبة
تبيع ثماري ** وتحتل داري
وأعرف دربي ** ويرجع شعبي
إلى بيت جدي ** إلى دفء مهدي
فكان الوضع في السابق على أقل تقدير أن خلَّص الطالب المسلم من إحدى شعب النفاق، وذلك من خلال حديث النفس بالجهاد حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :ـ " من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق "ولذا فقد كانت القضيّة الفلسطينيّة مغروسة في قلب كل مواطن عربي، وضمن أولويّاته واهتماماته في الحياة السياسية، بل كانت هذه القضيّة متداخلة في شتى مناحي حياته السياسية والدينية والاجتماعية وغيرها، ولم يكن من هّم للمواطن العربي كبيرا كان أم طالب مدرسة إلا أن يسمع من صوت التلفاز أو المذياع عن حركة الجهاد والتحرير التي يقوم بها أبطال المقاومة من أبناء فلسطين الحرة الأبية، والذين كانوا ولا يزالون يقدمون أرواحهم ودماءهم رخيصة في سبيل تحريرها.
أمّا اليوم فالوضع بات مختلفًا جدا، فالحديث عن الأقصى وفلسطين ليس معدوما في المناهج فحسب، بل أصبح من ضمن المحرمات عند كثير من الدول العربية، بدواعٍ شتى فرضها المستعمر على حكوماتنا المغلوب على أمرها إن لم تكن تبعا في فكرها - من ذات نفسها- للمستعمر أصلا، وهي أقصى درجات الذل والضعف والهوان التي يعيشها المسلمون اليوم.
وكما انعدم الأقصى والقدس وفلسطين من حديث مناهجنا، فهو كذلك بات معدوما على ألسُن الأساتذة إلا ما ندر، أو على أقل تقدير ليس بتلك الصورة التي عهدناها يوم كنا طلابا، فصارت القضيّة الفلسطينية وتحرير الأقصى الشريف وأمل الصلاة فيه لا تعني شيئا لطلاب المدارس اليوم وكأنّها تخص أبناء فلسطين وحدهم فقط، بل إنَّ الواقع المشاهد اليوم يصور المأساة أكبر من ذلك حيث الجهل التام بهذه القضية التي هي قضيّة الإسلام والمسلمين الأولى، فصارت اهتمامات الطلاب وتوجهاتهم بعيدة كل البعد من أن يعرفوا أو يتعرّفوا على قضايا أمتهم الإسلامية رغم أنّهم جزء من هذه الأمة، ولا ريب أن الوضع الذي نعيشه اليوم، وما تعانيه كثير من الشعوب العربية غني عن التعريف ولسنا بحاجة إلى أن نربطه بواقع المسلمين مع قضية فلسطين، وبيان أسباب بعدهم عن ذلك.
ولكن مهما يكن حال الأمة ووضعها المأساوي الذي تعيشه وما بلغ من أسوأ دركاته؛ فإننا نرى أنَّ ذكرى الإسراء والمعراج فرصة سانحة لتعريف وتثقيف الطلاب بمقدساتهم الإسلامية وواجب المسلم في استرداد مسلوبها، والدفاع عنها وعلى رأسها المسجد الأقصى وما بارك الله حوله من أماكن.. وللحديث بقيّة في مقالنا القادم بإذن الله تعالى.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك