إنما الأمر شورى.. بعيدا عن المشاهد الهوليودية!

آمال الهرماسية

علَّقنا الآمال الكبار على نضوج الشورى بعد التعثر الذي لا يناسب فكرة هذا الكيان الذي أراده عاهل البلاد وحكيمها صرحًا عادلاً واعياً ينطق باسم أرجاء الوطن صادحًا بالحق والحكمة والاتزان،

فالتمسنا الأعذار لبعض الاختيارات التي لم تكتمل فيها صفة النضج والوعي والقناعة في انتقاء الأعضاء وتجندت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بل والشارع العام من أجل تثقيف الناخب لاختيار العضو الذي يتوشح صوته رصانة وعمقاً ويتسم فكره ثقافة وقدرة على النقد البناء وتكتمل شخصيته موضوعية ورقياً ويتوهج صوته حباً وغيرة على كيان الوطن، الشورى، مفهوم إسلامي عميق المعاني عريق التوجه سامي الأهداف، وجد من أجل إرساء الدعائم الوثقى من أجل نماء الوطن وازدهاره والاشتراك في رسم مسيرته ثابتة الخطى الواضحة المعالم من أجل خيرالمواطن ورفعته وأمنه وطيب معيشته، فإنّ وعينا عمّق كل تلك الصفات السامية لإرساء مجلس الشورى في مرحلة رأى فيها قائد الوطن المفدى أنّ شعبه وصل إلى درجة تؤهله لرسم خططه المستقبلية وقول كلمته مسهمًا في أهم القرارات المُتعلقة بمستقبل هذا البلد الآمن، أصبح وقتها من الضروري ألا نتغاضى عمّا يُمكن أن يخل ويمس وينقص من توقعاتنا العالية وثقتنا اللامتناهية بالدور الذي سيؤديه مجلس الشورى من أجل الوطن والمواطن، ولكن في حدود الرُّقي وعلو الأخلاق وسماحة المنطوق التي أنشأنا عليها القائد والأب مولانا صاحب الجلالة حفظه المولى ورعاه، وأخلاق العُماني، كما علمها ويعلمها العالم من حولنا هي الصدق والأدب والدماثة والتواضع، والاحترام، ولسنا نرضى بغيرها سمة ووصفًا ومنهجاً ومبدأ، حتى وإن كان الأمر متعلقًا بمصلحة الأوطان فشتان ما بين من أرسى دعائم الحق بلطيف القول وصادقه وبين من ظنّ نفسه محقًا بإعلاء الصوت والتحدي وكثرة الضجيج،لسنا هوليوديو المزاج، ولسنا من هواة مشاهد إثارة الحفيظة وبلبلة المواقف، ولسنا ممن تربى على التصفيق للفتنة والتحدي بين الإخوة والأصحاب، ولسنا من المُستمتعين بضجيج الأصوات العالية والأيادي المُرتفعة تنديدًا وتهديدًا، نحن أبناء من يرفع قوله من أجل السلام ويمد يده من أجل الوئام ويخفض جناحه من أجل أن يسود الأمان، المواطن والمسؤول في نظرنا، عمادين تجمعهما مصلحة وطن نفتديه بالقلب والروح، يدًا بيد قلباً على قلب وفكرًا بفكر، نتخطى الصعاب ونتغلب على المشكلات ونُدرك النواقص ونُكمل المشوار، ولا بأس في كل ذلك أن نعدد الإنجازات ونعترف بالتطورات، كل ذلك بالحجة والدليل والقول السديد، فلا نفاق ولا مراء ولا افتراء ولا غواء، بذلك فقط تحوز أيها العضو وأيها المسؤول احترامنا وتقديرنا، وإجلالنا وإكبارنا.

ليست مشاهد التشهير والبطولة ما يميز الأشخاص وخاصة من هم في موقع مسؤولية وثقة من الشعب والأهل والأقران، ليس ارتفاع الصوت معيارًا للحق، ليس انتفاض الجسد دليل الحماسة، بل إنّ الرعونة كل الرعونة أن نجعل كلمتنا مطية لجلب الانتباه ورسم البطولات، وأي بطولة تلك التي يخسر فيها الفرد مصداقيته ووقاره وهيبته، والأمر أنّ كل قول قابل للتأكيد والتفنيد والعاقل من يترك فسحة للرد، فالتراجع ليس ضعفًا، والخطأ ليس كفرًا، والاعتذار ليس جريمة إلا على أصحاب النفوس المريضة التي أعمى بصيرتها التسرع والتجرؤ والخروج عن آداب الحوار، فلكل من اعتبر منصبه ملكاً له وسمة لشخصه نقول، إنما هو تكليف ليس لك فيه شيء، إلا أداء الأمانة فهو اليوم لك وغدًا لمن هو أكثر منك كفاءة، فإما أن تجعل منه أداة يُراد بها حق فتقدر مسؤوليتك وتسمو بفكرك وكلمتك وتجعل المصلحة العليا غايتك فأنت عرفت الطريق الذي عليك أن تسلكه وحكمت وعدلت، فإما المصداقية أو التنحي، فلا تزد على ذلك بالتراجع عن وعد ألزمت به غيرك، ورأيته في حقه حقاً، فلا تجعله عليك باطلاً، وتلك الكلمة التي هي ملكنا فإن نطقناها أصبحنا ملكها، هي مرآتنا، وترجمة أخلاقنا، وخلاصة مبادئنا، فكم من صمت أعزّ صاحبه، وكم من كلم أفقدنا هيبتنا ووقارنا، وأورثنا الندم والأسف، فإن مضينا في التعنت خسرنا، وإن تجاهلنا ما قلنا كذبنا، فما الداعي لمهاترات تشمئز منها النفوس، وتضرب لها الكفوف أسفًا وحسرة لصرح أردناه ترجمة لنضج العُماني ووعيه وغيرته على مصلحة وطنه يدًا بيد مع المسؤول الذي اختاره القائد الحكيم بكل عناية من أجل خدمة الوطن، فإن أصاب فذاك غاية ما نتمنى وإن أخطأ فالتصويب والتنبيه بالحجة والدليل والقول الحكيم، والنقاش الراقي الذي تتوق له أنفسنا، هو الفسحة والمجال، وهو الهدف والمراد،

فلنتمعن، ولنعُد، كلما أضعنا الطريق إلى قول قائد البلاد وحاميها في خطابه الموجه لمجلس الشورى بتاريخ ٢١-١٢-١٩٩١م حين قال،

"، وتأكيدًا لنهجنا القويم وسيرًا على صراطها المستقيم فسدد يارب خطانا وكلل بالنجاح مسعانا واجعل هذا المجلس فاتحة مباركة لمرحلة جديدة في بناء هذا الوطن العزيز يتحقق له فيها التعاون بين الحكومة والمواطنين مزيدًا من التقدم والنماء والاستقرار والرخاء،"

فهل كانت لترضيه تلك المشاهد الغريبة من التحدي والحدة التي يتخاطب بها من رأى فيهم الأمل وعقد عليهم العزم من أجل الاستقرار والرخاء؟.

لازالت الشورى تثبت أنها بحاجة إلى مزيد من النضج والوعي بحقيقة أدوارها وبأساليب الخطاب والتخاطب، وبطرق إظهار الحق وإرساء الدعائم، بما يليق بسمات المجتمع العماني بعيداً عن التقليد لمجالس أخرى نسمع عنها ولكن،لا ولا نريد أن نشهد مثلها في وطننا وبين أبنائنا، كونوا القدوة أيها المرشحون، لنا ولأبنائنا ولكل من شاهد وسمع ما ارتقت به كلمتكم وازدانت به حجتكم ودوت به آراؤكم، كونوا الصورة الجميلة التي أرادها مولانا صاحب الجلالة ترجمة ناضجة لفكر أفنى من أجل تنويره عمرًا، آملا ألا يخيب فيه ظنه،

كونوا لنا ومعنا ومن أجلنا، فالوطن بحاجة إلى فكر متضافر متآخ من أجل الأفضل، واتركوا أمر الترشح وكسب الناس بالضجيج والصراخ، فتلك حجة بائسة ضعيفة، وتلك طرق بالية رديئة، وذاك هدف رخيص أناني، فأولى بنا وأولى أن نكسب من حولنا بالعدل والإنصاف وقول الحق وجميله وفرض الهيبة والوقار، والتحكم بالنفس وضبطها، وتعويدها على الظن الطيب قبل السيئ، والتريث والتراجع متى ما لم نكن على ثقة بما تزودنا من معلومات، فالتراجع رقي والاعتذار أرقى، والصمت عند الحاجة أبقى وأنقى.

amel-hermessi@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك