إيران.. الجار الذي نحذره!

د.سعد بساطة

قال أوباما بوداعِه لدول الخليج منذ أيام: "كفى صراعاً مع إيران؛ عليكم بالإصلاح!".. إنه تنبيه علني في قمة الخليج حول ضرورة الالتفات إلى الخطر الداخلي الحقيقي الذي يكمن في مجتمعاتنا، لا إلى "الخطر" الإيراني. وضرورات الإصلاح وحقوق الإنسان والاهتمام بمشكلات جيل الشباب وتوجيه اقتصادياتها لخدمتهم.

تتنافس الدول باكتشاف الروابط التي تقربها من جيرانها؛ عاقدة أحلافاً اقتصادية واجتماعية وسياسية (وحتى عسكرية)...درءاً للأخطار؛ وتحسباً لنوائب الدهر.

لو قمنا بتحليل متأنِّ لجل الحروب لاكتشفنا وراءها مصالح اقتصادية (موقع إستراتيجي-بترول-غاز...إلخ)، وهُنا من المفيد استعراض مواقفنا من بلاد فارس/إيران.

هُنالك مواقف متزمِّتة من قبل البعض "مسألة: السنّة/الشيعة". لن أستغرق في المسائل الخلافية الكبرى بينهما؛ والتي يعتبرها الباحثون "مجرد قشور لأصل الخلاف الحقيقي: السياسة"!

ولا ننسى في هذه السياق تأثير تجارة الأسلحة وما تقوم به القوتان العظمتان: من استعراض لأحدث أسلحتها -على أراضينا- بغية الترويج لها؛ لبيع المزيد بسباق محموم..! وازدهار مصانعهم يعني المزيد من استنزاف دمائنا وثرواتنا؛ أما إذا لم تكن هناك ثمة حروب؟ لامشكلة... سيشرعون في إشعالها متذرِّعين بأسباب واهية، وما أكثرها!

وحسب "الإيكونوميست" البريطانية: فاقتصاد إيران يساوي ما يقارب النصف تريليون دولار؛ وسيجذب ضعفي هذا المقدار من الاستثمارات خلال سنوات عشر تالية؛ وقد هرولت للتو "بيجو؛ سيتروين؛ ورينو" لتصنيع سياراتها هناك؛ وتم توقيع عقد لشراء 118 طائرة ايرباص! وتبع الإيطاليون الفرنسيين حيث ركضت ماركات المقاهي الراقية والأطعمة الشهيرة؛ وكذا الأسبان وغيرهم كثيرون!

طنطنت وسائل الإعلام الدولية مؤخراً بخسارة أمريكا سباق إنتاج القمح أمام روسيا ثم كندا؟ وإن دلَّ هذا على شيء فإنّ دلالته واضحة أنّ: "الشعوب تزحف على بطونها"؛ بصرف النظر عن اختلاف الإستراتيجيات. أوليست مفاوضات الغرب -يتزعمه الأمريكان- الطويلة والدؤوبة مع إيران أمثولة لنا يجب أن تفيدنا!

قال تشرشل يوماً "أتفق مع الشيطان لصالح بلدي".. دعونا نستعرض ما يمكن أن نستفيد بتحالف إستراتيجي مع الجارة إيران، هي ثالث اقتصاد في الشرق الأوسط والمرتبة (29) بالعالم: يزيد دخلها على النصف تريليون دولار؛ تملك 10% من احتياطات البترول المؤكدة بالعالم؛ 15% من احتياطات الغاز العالمي. تزرع القمح والفستق الحلبي والتبغ والبقول والحبوب والزيتون؛ وتشتهر بالمشمش والزعفران والكمون.

ويربطنا بها تاريخ ثقافي مُشترك؛ فالكثير من علماء وأدباء وفقهاء الإسلام هم فرس انضووا تحت لواء دولة الإسلام: الجرجاني/الغزالي/ بختيشوع/ البيروني/ ابن المقفع/ الكاشاني/الترمذي/النيسابوري/التبريزي/عمر الخيام/الشيرازي/الجيلاني/البخاري/السهروردي.

وتجمعنا عادات متشابهة: الزواج/الموت والاحتفالات.. ومنها عيد النوروز: أو الاعتدال الربيعي يحتفل به في الحدائق والمتنزهات ((يشبه بمصر شم النسيم)).. فهل نركز على التناقضات؟ أم نتقارب وفق نقاط الالتقاء!

لننظر عن كثب لإنجازات إيران: تقدمت بتقانات النانو؛ طوّرت الصواريخ الباليستية بقدراتها الذاتية؛ نشرت عدداً مذهلا ً من الأوراق البحثية (Papers) في الدوريات العلمية؛ ترجمت كمًّا كبيراً من الكتب العالمية؛ قضت بشكل شبه كامل على الأمية والبطالة - تحقق هذا بالرغم من عقوبات اقتصادية مجحفة استمرت سنوات طوال.

ومن طرف آخر: ما هي حالنا نحن؟ في جنوبي السودان 70 نهراً لايستفاد منها؛ و128 مليون رأس من قطعان الأعنام تنفق بهدوء! ونحن مشغولون بحروب داخلية لها طابع ديني! في العراق بحث عن أجزاء تريليون دولار؛ عوائد نفط مفقوودة/منهوبة.. في لبنان: روائح القمامة (الحقيقية والسياسية) تطغى على المشهد.. في سوريا: جوعٌ وهي التي كانت تصدّر القمح للعالم! اليمن "السعيد": أضحى حاله مثالاً للتعاسة. مصر: تستجدي السياحة، وتتوسل جاراتها العربية لرأب الصدع في ميزانها المالي.. ليبيا: 3 حكومات ودويلات متناحرة؛ وحال لا يسر العدو.. فما بالك بالصديق؟.. هل أُكمل الوصف؟!

وهنا يجب أنْ لا ننسى الخطر العثماني وطموحاته؛ والتوسع الإسرائيلي الممزوج بالعجرفة! وبالتالي: يجب تخطي خلافاتنا الهامشية: كردي/أرمني/مسيحي/ تركماني/شيعي/درزي/ أيزيدي/ شركسي..إلخ، ونركز على بناء أمة قوية؛ فأمريكا بخلائطها الإثنية وقفت كأعظم قوة علمية واقتصادية في عالمنا.

الاتحاد الأوروبي: وصل لعملة/علم/سياسات/برلمان/ فيزا "موحدة"، بعد أن كان مجرد سوق مشتركة؛ بتضحيات وتنازلات، ونبذ خلافات اللغة؛ والاختلافات الإثنية. ونحن مازلنا مختلفين عمن الأحق بالخلافة: عثمان أم علي!

دعنا ندرس هذه المتغيرات الثلاثة:

1- تخلّي الغرب عن دعمه في مواجهة إيران.

2- تغيّرت موازين القوى الدولية ((لم تعُد الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي كالسابق)).

3- تراجع أسعار النفط دوليا، وما صاحب ذلك من تغييرات في الخيارات الإقليمية والدولية.

ولا ننسى في هذه السياق: فشل مؤتمر أوبك بالدوحة منذ أيام بسبب مقاطعة إيران؛ وما سببه ذلك من استمرار هبوط أسعار النفط/والقضاء على آمال ارتفاعها.

إليكم هذه الحكمة: كتب ألمه من جاره على الرمال؛ ونقش أسباب فرحه على الصخر؛ فلما سئل في ذلك. أجاب: "دع رياح المحبة تزيل الشكوى؛ ولن تستطيع عواصف الدنيا أن تغير إيجابيات مشاعري تجاهه". ألم يُوصِ الرسول (ص) بسابع جار..!

هنا أُورد طرفة توضح خفايا الأمور: "أحدهم يخبر صديقه أنه مستغرب في داره من زعيق جاره؛ وطرق جارته على الجدار.. قال الصديق "لا تهتم"؛ أجابه "طبعاً.. فسأبقى ماضٍ في العزف بمنتصف الليل على جيتاري". أليس هذا ما يحصل بين دول الجوار!

ختاماً.. هل سنبني الجسور لوصل ما كاد أن ينقطع مع الجارة التقليدية؛ أم سنقوم برفع المزيد من الجدران للإمعان في القطيعة؛ هذا خيارنا. ولكن يجب أن نتذكر أن رسم خارطة المستقبل سيتم بناءً على موقفنا!

تعليق عبر الفيس بوك