الليبراليون المزيَّفون في الوطن العربي

علي بن مسعود المعشني

الليبرالية: هي فلسفة سياسية أو رأي سائد تأسست على أفكار الحرية والمساوة. وتشدِّد الليبرالية الكلاسيكية على الحرية، في حين أن المبدأ الثاني وهو المساواة يتجلى بشكل أكثر وضوحاً في الليبرالية الاجتماعية. يتبنَّى الليبراليون مجموعة واسعة من الآراء تبعاً لفهمهم لهذين المبدأين، ولكن وبصفة عامة يدعم الليبراليون أفكارًا؛ مثل: حرية التعبير، حرية الصحافة، حرية الأديان، السوق الحر، الحقوق المدنية، المجتمعات الديمقراطية، الحكومات العلمانية والتعاون الدولي.

وبرزت الليبرالية كحركة سياسية خلال عصر التنوير، عندما أصبحت تحظى بشعبية بين الفلاسفة والاقتصاديين في العالم الغربي. رفضت الليبرالية المفاهيم الشائعة في ذلك الوقت من امتياز وراثي، دين دولة، ملكية مطلقة والحق الإلهي للملوك. غالباً ما يُنسب لفيلسوف القرن السابع عشر جون لوك الفضل في تأسيس الليبرالية باعتبارها تقليد فلسفي مميز. جادل لوك بأن كل إنسانَ يملك الحق الطبيعي في الحياة، الحرية والملكية. وأضاف بأنَّ الحكومات يجب ألاّ تنتهك هذه الحقوق؛ وذلك بالاستناد إلى العقد الاجتماعي. يُعارض الليبراليون المُحافَظة التقليدية ويسعون لاستبدال الحكم الديكتاتوري المطلق في الحكومة بديمقراطية تمثيلية وسيادة القانون.

العَلمانية: هي فصل الحكومة والسلطة السياسية عن السلطة الدينية أو الشخصيات الدينية. وتعني أيضاً عدم قيام الحكومة أو الدولة بإجبار أي أحد على اعتناق وتبني معتقد أو دين أو تقليد معين لأسباب ذاتية غير موضوعية. كما تكفل الحق في عدم اعتناق دين معيّن وعدم تبني دين معيّن كدين رسمي للدولة. وبمعنى عام، فإنَّ هذا المصطلح يشير إلى الرأي القائل بأن الأنشطة البشرية والقرارات، خصوصًا السياسية منها، يجب أن تكون غير خاضعة لتأثير المؤسسات الدينية.

وتعود جذور العلمانية إلى الفلسفة اليونانية القديمة لفلاسفة يونانيين أمثال إبيقور، غير أنَّها خرجت بمفهومها الحديث خلال عصر التنوير الأوروبي على يد عدد من المفكرين أمثال توماس جيفرسون وفولتير وسواهما. (ويكيبيديا الموسوعة الحرة).

لابد من تأصيل تلك المصطلحات قبل الخوض في تفاصيل المقال لما علق بها وشابها من مفاهيم وتأويلات ارتجالية خاطئة في وطننا العربي؛ حيث أصبحت تلك المفاهيم لدى البعض من نُخبنا ضرورة من باب الوجاهة الفكرية لا أكثر دون وعي منهم بجذورها وأسبابها وأطوارها وبمدى حاجة مجتمعاتنا لها أو هل هي أدوات تطور أم إعاقة حضارية لنا؟ وهل نجاحها في مواطن بعينها يعني بالضرورة نجاحها في كل مكان واعتبارها ملاذًا أخيرا للبشرية؟

فبعض النُخب العربية التي هربت من قشور ثقافتها وواقعها إلى قشور الليبرالية الغربية أو العلمانية هي في حقيقتها نُخب انتقائية مُفلسة فكريًا تعاني من الانهزامية والهشاشة الفكرية والأنبهار بالآخر دون تدقيق أو تساؤل، وفي الوقت ذاته هي نُخب جاهلة بتاريخها وثوابتها ولم تتعاطَ معها إلا من خلال تراجم وكتابات انتقائية صورت لها بأن العرب ظاهرة صوتية وأمة متطفلة على التاريخ وعالة على الحضارة البشرية، وغير ذلك من السموم التي يُروِّجها الأعداء ويتلقفها الجهلة المنبهرون دون أدنى نقد أو تمحيص أو وعي.

الغريب أنَّ هذه النُخب العالة انتقت من التاريخ الغربي كذلك واختزلته في عصر التنوير فقط، وكأنَّ الغرب لم يكن قبل ذلك العصر، ولم تدفعه الظلامية الفجة إلى القيام بتلك التحولات والحراكات الكبرى والتي عُرفت بعصور النهضة والتنوير، ولم تبهرهم من الليبرالية الغربية سوى الحرية الغرائزية أكثر من الحرية الفكرية.

بل وكأن علمانية الغرب وليبراليته اليوم خالية من العيوب والمثالب، وأنها الفردوس المفقود للشعوب. لم يتساءل إخواننا النُّخب عن:

- لماذا أبقت تلك العلمانيات والليبراليات على الكنائس ودور العبادة وتمولها بالمليارات سنويًا، رغم أنها ظاهريًّا ضدها؟!

- لماذا أبقت تلك العلمانيات والليبراليات على العروش الملكية واحترمتها وخضعت لها كما تحترم الجمهوريات التي سعت وروجت لها؟

- لماذا معدلات الجريمة هي الأعلى عالميًا في تلك المجتمعات العلمانية الليبرالية رغم حياة الترف والبذخ وأوجه الضمان وتفشي الإباحية؟

- لماذا تسمح العلمانيات والليبراليات الغربية بعشرات الأحزاب المسيحية واليمينية والتي تتنافي مع أبسط قواعد الليبرالية والعلمانية؟

- لماذا سمحت الليبرالية والعلمانية الغربية باحتلال الشعوب والتنكيل بالأوطان ومرت قرارات تلك الاحتلالات والنهب من تحت قبب البرلمانات "الحرة" والممثلة للشعوب؟

- لماذا ضاقتْ الليبرالية والعلمانية الغربية وضجت بالحجاب الإسلامي ولم تحترمه كحرية شخصية كما تحترم حرية السفور والتبرج؟

- لماذا الليبراليون والعلمانيون العرب فقط هم من يتهافت على الغرب ويتجاسر على ثوابته بمعاول الهدم ليقدمها قرابين لهم، بينما لا نرى ذلك الهوس لدى الصيني أو الياباني أو الكوري والذين آمنوا بأن نهوضهم من نسيج قيمهم؟

كثيرة هي الأسئلة والتساؤلات عن هكذا مواضيع عميقة تشكل وعاء حاضن لثقافات شعوب وعقلها الجمعي وهويتها الفكرية؛ ففي حين يُمثل الليبرالي الحقيقي في الغرب قيمة مضافة لشعبه ومجتمعه في الفكر والمسؤولية الاجتماعية والفكر الإصلاحي، يقوم في المقابل الليبرالي العربي "المزيف" بدور النجم الأوحد والمحرض لمجتمعه على التجاسر على الثوابت والدولة وقيم المجتمع، وفي وقت يقوم فيه الليبرالي الحقيقي في الغرب بالنضال من أجل الحرية المُنضبطة والعدالة ودولة المؤسسات والقانون ليمتثل لها، يقوم الليبرالي العربي "المزيف" بذات الدعاوى ولكن ليخدم نزواته وليبقى هو فوق القانون وخارج إطار المساءلة و"يناضل" من أجل تفتيت مجتمعه والإثقال عليه بماليس من نسيجه ولا من قيمه بزعم التطور واللحاق بركب الأمم.

ويقول المفكر د. علي شريعتي: "إنَّ المقلدين يبالغون عن الأصول التي أخذوا عنها، هذه قاعدة عامة، لماذا؟ هو نوع من الصراع النفسي، عندما يحس أحدهم بمركب نقص تجاه آخر، فإذا رد الفعل الطبيعي عنده أن يعوض هذا النقص بأن يقلده، ويصل بنفسه إلى مستواه، ومن هنا فلا بد أن يبالغ حتى لايبقى في نفسه أدنى هاجس بالتأخر، وبالإفراط في هذا الأمر وحده يستطيع أن يثق في أنه بلغ مستواه ويطمئن إلى ذلك، ولامفر من أن تفضي عقدة التأخر إلى الإفراط، الإفراط في التقدمية وإظهار التقدم".

--------------------------

قبل اللقاء: "الشعوب التي تفشل في تشخيص أمراضها بشجاعة، تموت نتيجة تناول الدواء الخطأ" (المفكر الليبي د.الصادق النيهوم). وبالشكر تدوم النعم..!

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك