لا حياة بعد موت !

مريم سرحان

لأولئك الذين يؤجلون لقاءاتهم مع من يحبون، ويؤجلون جمعات الأهل والرفاق بسبب أشغالهم الدنيوية المنتهية، استيقظوا من غفوتكم فالموت يأتي سريعاً ويأخذ من تحبون دون سابق إنذار، ودون أسباب تُذكر أو مرض، فهو لا يطرق الباب قبل أن يأتي، بل يأتي ويُعلن الوداع!

إنْ الله سُبحانه وتعالى أوصى بالزيارات بين الأهل والرفاق بقوله تعالى: )وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) - سورة النساء، الآية 36، فهذا أعظم دليل على أنه يجب أن نضع هؤلاء البشر في حياتنا من الأولويات المهمة، من الأشياء التي لا يمنعنا عنها عمل أو دراسة أو حتى أشغال مهمة، فكل شيء من الممكن أن يُؤجل إلا جلسة نقاء مع من نحب، جّمعة أهل يُسمع فيها صوت الضحكات، وجوهَ أصدقاء تَملؤها ابتسامة لا عرض لها.

من المؤسف جداً أن أرى أخاً يبكي ألماً في فراق أخيه، لأنهُ لم يكن لديه وقت كافٍ ليجلس بقربه، ويستمتع بصحبته، ومؤلم جداً أن يبكي أحد لفراق أحد والديه، يبكي ويصرخ ليتهُ يعود، لأنّه لم يره منذ فترة من الزمن بسبب عمله، وازدحام جدوله!

أصبحنا ننتظر الموت لنبكي فراقهم؟ لنتمنى عودتهم من جديد ونعيد حساباتنا؟ لنخبر العالم بأننا كنا نحبهم ولكننا لم نجد وقتاً كافيا للتعبير عن حبنا؟

كم هو عارٌ علينا أن نتجاهل اليوم العائلي لكي ننهي واجباً كُلفنا به من العمل، أو كي نحفظ درساً سنمتحنه بعد أسبوع!

وكم هو عارٌ أن نقول "نحن نعمل من أجلهم، من أجل إسعادهم وشراء الهدايا الثمينة لهم" .. يا رفيقي، هم لا ينتظرون منك هدايا باهظة الثمن، ولا ينتظرون منك تختفي عاما لتظهر يوما بسبيكة ذهب، ليتك تعلم أنّهم يتمنون أن يجلسوا قربك في أكثر الأوقات، يتبادلون معك الحديث، والضحكات، والطعام.

أهناك أجمل من جلسة يحتويها الحب، ويغلفها الاحترام، وتتوسطها المودة، ويضيق المكان من شدة التلاحم، ويضيق البيت من الإخوان والأبناء والأحفاد، ويمتلئ المكانْ ضحكات وصراخا وأحاديث تتشابك لا يُفهم منها إلا تعابير وجوه باسمة؟ أهناك شيءً أجمل من هذا؟

قبل أن تُقارن أيّهما أهم، رؤية الأهل والأصدقاء أم العمل، تذكر أن الموت لن ينتظرك أن تنهي عملك ليأخذ منك من تحب، بل سيأخذهُ ويترك لك ذكريات تجعلك تبكي وتصرخ لتقول "ليتهُ يعود، لأقبل رأسهُ كل يوم مرتين!" .

زيارتك لأهلك ورفاقك ضعها ضمن الأولويات في حياتك، فلا حياة بعد موت.

m.sarahan20@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك