"التراث والثقافة" تدشن سلسلة دراسات للباحثين المتخصصين في الآثار والتاريخ العماني القديم

"نوافذ على ماضينا" توثق المسوحات وأعمال التنقيب في مختلف مناطق السلطنة

< البكري: الوزارة تستعد لإطلاق سلسلة جديدة عن التراث الأثري للسلطنة بالتعاون مع العديد من الخبراء

< "نوافذ على ماضينا" تضم في مرحلتها الأولى 6 مجلدات تشمل 50 تقريرا علميا للبعثات الأثرية

< المجلد الأول يتناول أحدث الأبحاث حول أدلة النشاط الإنساني المبكر في السلطنة منذ العصر الحجري

< معالم ازدهار حضارة مجان.. الموضوع الرئيسي لأبحاث وتقارير المجلد الثاني بالسلسلة

< المجلد الثالث يركز على العصر الحديدي المبكر والمتأخر وظهور التنظيم الاجتماعي والتحالفات القبلية

< دراسة لتوثيق الرسومات الصخرية في وسط السلطنة ضمن أبحاث المجلد الرابع من السلسلة

< المجلد الخامس يشتمل على 13 تقريرا عن المشاريع البحثية حول "علم الآثار الطبيعية" بالسلطنة

< "الثقافة" توثق إنجازاها بحماية وإنقاذ المعالم الأثرية بمشروع طريق "سناو-محوت-الدقم" في المجلد السادس

قال سُلطان بن سيف البكري المدير العام المساعد للآثار والمتاحف، إنَّ وزارة التراث والثقافة أصدرتْ سلسلة "نوافذ على ماضينا" في 6 مجلدات، تضم حصيلة المسوحات وأعمال التنقيب التي جَرَى إنجازها في مختلف مناطق السلطنة؛ بهدف توثيق وإبراز إنجازات الوزارة وتعزيز الوعي والمعرفة العلمية في مجال الآثار.

وأكَّد البكري أنَّ تدشين هذه السلسة يأتي بالتزامن مع استعداد الوزارة -بالتعاون مع عدد من الخبراء في مختلف قطاعات الآثار والتراث الثقافي- لإعداد سلسلة أخرى من الإصدارات بعنوان "التراث الأثري في سلطنة عُمان"، ستكون متاحة لاقتنائها في عُمان وخارجها للمتخصصين والباحثين. وأشار المدير العام المساعد إلى أن سلسلة "نوافذ على ماضينا" في مرحلتها الأولى تضم 6 مجلدات، وتحتوي على 50 تقريراً علميًّا للبعثات الأثرية التي عملت في العديد من المواقع الأثرية في محافظات السلطنة خلال الفترة من 2012م وحتى عام 2014م، وتنقسم المجلدات الستة الأولى وفقاً للفترة الزمنية وموضوع البحث والأسلوب المنهجي.

مسقط - الرُّؤية

ويحتوي المجلد الأول من السلسلة على أحدث الأبحاث حول الاستيطان البشري المبكر في عُمان يقدم فيه أدلة النشاط البشري المبكر في عُمان العائد إلى العصر الحجري القديم قبل نحو مليون سنة. وتطرقت تقارير البعثة الفرنسية إلى الصيادين الأوائل على شواطئ بحر العرب خلال فترة العصر الحجري الحديث الممتدة من 10000 حتى 5000 سنة إلى جانب نتائج التنقيبات الاثرية في مستوطنة رأس الحمراء بالقرم بمحافظة مسقط التي نفذتها الوزارة مع بعثة الايطالية برئاسة الدكتور لابو جياني ماركو بهدف الإعداد لتأهيل هذا الموقع وبناء مركز للزوار حول شواهد الاستيطان والمقابر الأثرية المميزة والعائدة إلى العصر الحجري الحديث.

ويركز تقرير البعثة الإيطالية من جامعة بولونيا على المستوطنات البشرية في رأس الحد ورأس الجنز بولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية، وهي مستوطنات تعود إلى العصر البرونزي، وارتبط اقتصادها بالصيد والتجارة مع حضارة الأندلس بالهند وبلاد الرافدين.

ازدهار حضارة مجان

ويتناول المجلد الثاني حضارة مجان، التي ازدهرت خلال العصر البرونزي قبل حوالي 5000 إلى 3500 سنة، من خلال عشرة تقارير في المجلد الضخم الذي تزيد صفحاته على 500 صفحة توثق الجهود الكبيرة التي بذلت من قبل الوزارة لاستيعاب هذه المرحلة الحاسمة في تشكيل الهوية الثقافية العُمانية، وظهور اقتصاد الواحات في هذه الفترة بفضل إدخال أشجار النخيل واستخدام نظام الأفلاج، ونمو التبادل التجاري مع بلاد ما بين النهرين والهند وهو ما يستعرضه الدكتور ماوريتسيو كاتاني من جامعة بولونيا عبر مراحل نشأة حضارة مجان عن طريق توثيق نتائج التنقيبات الاثرية في مستوطنة العصر البرونزي المبكر الواقعة في رأس الحد بمحافظة الشرقية والمسماة (HD-6).

ويحتوى المجلد على عدد من الدراسات الأثرية لمواقع بات والعين والخطم المدرجة على قائمة التراث العالمي؛ حيث اتبعت البعثة الأمريكية برئاسة الدكتور كريستوفر ثورنتون من جامعة بنسلفانيا نهج متعدد التخصصات للتنقيب في الأبراج الحجرية التي تعود إلى العصر البرونزي، في حين أن البعثة الألمانية بقيادة الدكتور كونراد شميدت من جامعة توبنجن ركّزت على التنقيب في المدافن الحجرية المميزة، والتي تم توثيقها باستخدام التقنيات الرقمية الأكثر تقدماً.

ويستعرض الفريق الياباني برئاسة الدكتور ياسوهيسا كوندو من معهد البحوث الإنسانية والطبيعية باليابان النظام الرقمي المتقدم لإدارة البيانات والمعلومات حول موقع التراث العالمي، بينما التقريران الأخيران يوضحان أنشطة البعثة الفرنسية العاملة في أدم برئاسة الدكتور غيوم جيرنز من جامعة باريس "السوربون" من خلال استكشاف المراحل النهائية من العصر البرونزي وبداية العصر الحديدي المبكر في وسط عُمان.

معالم العصر الحديدي

ويركز المجلد الثالث على العصر الحديدي المبكر والمتأخر، ففي هذه الفترة برز التنظيم الاجتماعي القائم على أسس التحالفات القبلية بشكل قوي ومتطور وهو تنظيم بدأت إرهاصاته في فترة حضارة مجان. ومن أبرز المواقع التي تبرز فيها هذا التحالف القبلي هما موقعا الصفا بولاية عبري وسيح الدير بولاية دبا، وهما موقعان مهمان تم الكشف عنهما بالصدفة. ويقع الموقع الأول بمنطقة الصفا وهو موقع تعديني متعلق بصهر وإنتاج الأدوات النحاسية وجد بالصدفة تحت الكثبان الرملية الشرقية من الربع الخالي، وكشفت التنقيبات فيه عن العشرات من الأدوات البرونزية الثمينة من مختلف مراحل التصنيع ومئات من الأفران لإنتاجها.

والموقع الثاني عبارة عن قبر جماعي اكتشف في دبا بمحافظة مسندم، يحوي رفات ما لا يقل عن 200 شخص من الجنسين ومن مختلف الأعمار دفنوا جميعاً جنباً إلى جنب مع مئات من الأدوات المعدنية والأسلحة والحلي الذهبية والفضية والأحجار الكريمة والأصداف، وهذا القبر إضافة إلى القبر الآخر بالقرب منه والذي لا يزال تحت التنقيب يمثلان أغنى موقع أثري تم التنقيب فيه في عُمان ويرمز إلى طقوس التحالفات بين الأسر والقبائل المختلفة والتي جمعت ثرواتها من خلال السيطرة على التجارة بعيدة المدى.

ويضم المجلد بحثي الموسمين الأولين من مشروع حديث لبعثة المتحف البريطاني برئاسة الدكتور جوناثان توب لاستكشاف مواقع العصر الحديدي المبكر داخل وحول قلعة رأس الحد المبني هذا الحصن فوق تل أثري يضم مستوطنة ومقابر أثرية.

ويشتمل المجلد الرابع من السلسلة على دراسة لتوثيق الرسومات الصخرية في وسط عُمان ونفذها الدكتور انجيلو فوساتي من جامعة ميلانو بداية للنقوش في وادي السحتن بولاية الرستاق، وكانت مهددة بالإزالة بإنشاء طريق جديد. وتم الكتشف خلال عن لوحات بانورامية من الرسومات والنقوش المنحوتة على الواجهات الحجرية الجبلية بهذا الوادي وعلى الصخور الموجودة في بطنه، إضافة إلى توثيق الرسومات أودية أخرى بجبال الحجر.

عصور ما قبل التاريخ

وتمثِّل الرسومات المحفورة جوانب مختلفة من التاريخ العُماني من عصور ما قبل التاريخ إلى االفترة الحالية، وتقدم صورة حية لحياة الإنسان القديم الذي استوطن المنطقة وهو سجل غني يخدم الدرسات الأثرية التي تمت بصلة بالمستوطنات الأثرية من حيث توثيق بالمشاهد لحياة المجتمعات في تلك المجتمعات. كما يتضمن المجلد مسوحات للدكتور محمد مرقطين من جامعة هايدلبرغ عن نقوش باللغة العربية الجنوبية محفورة على واجهات الصخور في وادي السحتن. ويعد توثيق ودراسة الرسومات الصخرية مجال بحثي جديد بدأت به الوزارة مؤخراً وسيجري توسيعه في المستقبل ليشمل أيضاً محافظة ظفار ومحافظة مسندم.

ويشمل المجلد الخامس 13 تقريراً عن المشاريع التي تكشفت ععن مان القديمة على نطاق واسع وفقاً لما يسمى "بعلم الآثار الطبيعية"، الذي يصف التطورات البيئية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمناطق بأكملها، ويبدأ هذا المجلد الذي يتكون من 530 صفحة بمشروع يهدف إلى إعادة تشكيل الاستيطان خلال العصر الحجري القديم في جبال الحجر لفهم الهجرات البشرية عبر شبه الجزيرة العربية، كما تقدم الدكتورة جوي ماكوريستون من جامعة أوهايو الامريكية والتي تدرس "الديناميكية الاجتماعية للإنسان العربي" وهي دراسة تتحدث عن الحراك الاقتصادي والبيئي الذي سمح بتطور الرعي في محافظة ظفار خلال 8000 سنةِ الماضية.

ويضم المجلد دراسة علمية أخرى عن "التاريخ الاجتماعي والمكاني" من خلال دراسة العظام والمواد العضوية التي عثر عليها في مقابر أثرية بولاية ضنك وهي دراسة قامت بها بعثة جامعة تامبل الامريكية بهدف البحث في العلاقات المعقدة بين الكثافة السكانية والتضاريس الطبيعية في العصرين البرونزي والحديدي.

إعادة بناء التاريخ

ويركِّز بحث آخر للدكتور مايكل هارور من جامعة جونز هوبكنز على إعادة بناء تاريخ إدارة المياه قديما في ولايتي ضنك وينقل وهي دراسة تجمع ما بين الأنشطة الميدانية وتحليل صور الأقمار الصناعية متعددة الأطياف.

ويقدم تقرير البعثة الفرنسية الإيطالية للبروفيسور رولاند بيزينفيل من المتحف الوطني الفرنسي للآثار الآسيوية نتائج للمسوحات الأثرية التي أجريت في المنطقة الساحلية من صور إلى قريات، وهي دراسة ركزت على إعادة هيكلة شاملة للكثافة السكانية في هذه المنطقة المهمة خلال عصور ما قبل التاريخ وفقاً للتغيرات في البيئة والتضاريس الطبيعية. كما يقدم الدكتور ناصر الجهوري من جامعة السلطان قابوس والدكتور تيم باور من جامعة زايد نتائج الموسم الأول لمشروع دراسة المستوطنات الأثرية في واحة البريمي بهدف فهم أصل وتطور المجتمعات في واحة البريمي منذ أقدم العصور حتى العصر الإسلامي.

ويضم المجلد تقريرين لمشروعي توثيق المواقع الاثرية في محافظتي الباطنة شمال وجنوب. وركز التقرير الأول على وادي الجزي بولاية صحار ونفذ بالتعاون جامعة ليدن الهولندية بهدف توثيق منهجي لكل المعالم الأثرية الواضحة من العصر الحجري القديم إلى العصر الإسلامي بمساحة إجمالية قدرها 2400 كيلومتر مربع.

ويركِّز التقريرُ الثاني على ولاية الرستاق ونفذ بالتعاون مع جامعة درم من بريطانيا وجامعة السلطان قابوس وهو مشروع برئاسة الدكتور ديريك كينيت والدكتور ناصر الجهوري، الهدف منه توثيق المواقع الأثرية التي تعود إلى فترات مختلفة. ويقدم تقرير آخر نفذ بالتعاون بين جامعة السلطان قابوس جامعة ساوث هامبتون برئاسة الدكتور ناصر الجهوري والدكتورة لوسي بلو بهدف توثيق المشهد الثقافي البحري لجزيرة مصيرة باستخدام أساليب أثرية وإثنوغرافية.

ويعرض التقرير الأخير في المجلد البحوث المختلفة التي نفذت بالتعاون مع جامعة ويسكونسن الامريكية وجامعة بولونيا بهدف رسم صورة الصلات التجارية والثقافية بين حضارة مجان وحضارة السند، وحدد الدكتور كنوير والدكتور فرينز وجود مجموعات صغيرة من التجار والحرفيين من بلاد السند استقرت في المناطق الساحلية والداخلية بغرض التجارة مع المجتمعات المحلية الغنية بالفعل منذ 5000 سنة مضت.

ويقدم المجلد السادس من السلسلة نتائج جهود وزارة التراث والثقافة بالتعاون مع وزارة النقل والاتصالات لحماية وإنقاذ المعالم الأثرية من خلال تنفيذ مشروع طريق سناو-محوت-الدقم وطريق الباطنة السريع؛ حيث تم فرض حماية على الكثير من الشواهد الأثرية العائدة إلى فترات مختلفة؛ أهمها تلك العائدة الى نهاية العصر الحديدي المتأخر ومن أبرز ما تم الكشف عنه قبر سمي بـ"محارب الصحراء" الذي عثر عليه في سناو، والذي دفن مع جِماله التي استخدمها وأوانٍ وخناجر نحاسية وسيوف مصنوعة من الحديد ومزودة بمقابض من الفضة ومطعمة بالعاج.

تعليق عبر الفيس بوك