حوادث مرورية والسبب "هاتف"..!

أمل الجهورية

"على نغمة الهاتف، أو كتابة رسالة نصية كتبت نهاية الكثير من شبابنا، وأغلقت أبواب الأسر لرحيلهم عن الحياة فجأة، وعبر رحلة الطرقات القصيرة أو الطويلة سُجلت كثير من المآسي التي أطفأت شمعة الحياة، وحولت آمال الشباب إلى عجز مؤقت، أو حسرة دائمة، لم تجد معها الدموع نفعا، ولم ترجع بها الندامة حياة".

منذ عدة أعوام دعا قائد البلاد المفدى- أبقاه الله - المواطنين في كلماته الحانية والمتأثرة بمصير شبابنا من جراء الحوادث المرورية في سيح المكارم بولاية صحار أثناء جولاته السامية، بأن يكون هذا الموضوع هو حديث المجالس، وحديث الأسر بين بعضها؛ حتى يساهم الجميع في الحد من هذه الظاهرة التي لا شك أنّها ضريبة لما يسمى بالتقدم والنمو والتحضر مضيفًا جلالته أنّ لكل شيء ضريبة لكن هذه الضريبة يجب ألا تمر مرور الكرام، وعبّر عن انزعاجه -حفظه الله ورعاه - مستنهضًا فينا الخشية من الله بأهميّة الأمانة التي نهدرها من غير إكتراث، مخاطبًا فينا الإنسانيّة والضمير حينما قال:" ... نحن نؤمن بأنّ الحياة والموت هي بيد الله سبحانه وتعالى ولكن في نفس الوقت الله سبحانه وتعالى أمرنا بأن لا نلقي بأيدينا الى التهلكة.. الذي يتوفاه الله فذلك أمر الله؛ لكن الذي يبقى على قيد الحياة وهو معاق في حالة يصبح عالة على نفسه وعلى أهله وعلى مجتمعه، فهذا أمر لا بد أن نتكاتف جميعا ونعي هذه المسالة..."

منذ ذلك الحين وصدى تلك الكلمات يسجل في حياتنا حضورا واضحا ترجمته الجهات المعنية من مؤسسات حكومية وخاصة وجهات تربوية وإعلامية، ومؤسسات مجتمع مدني في عمل دؤوب لغرس الوعي والثقافة الكافية في المجتمع بجميع شرائحه من خلال وسائل الإعلام والمعارض المرورية وحلقات العمل والندوات المتخصصة التي لعبت جميعها دورًا رئيسيًا في الحد من هذه الحوادث، وساهمت تلك الجهود جنبا إلى جنب مع الجهود التي تبذلها الإدارة العامة للمرور بشرطة عمان السلطانية في إنقاذ حياة الكثير من الناس، وتحقيق الأمن والسلامة لمستخدمي الطرق، مع العمل على إيجاد مجتمع واع بأهميّة التقيد بقواعد وأنظمة السير والمرور على مستوى جميع المحافظات في السلطنة.

وكنا بالأمس القريب نتحدث عن السرعة وآثارها التي أودت بحياة الكثير من شبابنا، والبعض الآخر كان يشتكي من سوء الطرقات وتهيئتها وزحامها المروري الذي يمثل أحد مسببات الحوادث المرورية؛ أمّا اليوم فيغدو الأمر أكثر غرابة عندما استطعنا تجاوز المسببات السابقة بنسبة كبيرة من خلال جهود واضحة قامت بها الجهات المعنية في تهيئة الطرقات، وغرس نوع من الثقافة المرورية والوعي في المجتمع حول آلية استخدام الطريق، وهذا ما عكسته الإحصائيات الصادرة عن الإدارة العامة للمرور بشرطة عمان السلطانية لعام 2015م، والتي أوضحت انخفاض نسبة الحوادث المرورية إلى 6279 حادثا، بينما بلغ عدد الوفيات 675، والإصابات 3642؛ ومع هذه المؤشرات التي انخفضت عن سابقاتها في السنوات الماضية؛ إلا أن هناك نسبة استوقفتني وأنا أتصفح الكتيب الخاص الذي تضمنها؛ وهي أنّ الشباب في الفئة العمرية من (26-50) شكلت النسبة الأكبر في الإصابات لتصل 50%، وفي الوفيات أيضًا لتصل إلى 46% من مجموع الفئات العمرية الأخرى، ليظهر لنا في القائمة سبب آخر شكّل خطورة أكبر مع الأسباب السالفة الذكر لدى هذه الفئة خاصة وهو استخدام الهاتف أثناء القيادة.

أصبح ذلك الجهاز الخلوي يقلق حياتنا على مختلف الأصعدة، ويزعج طرقاتنا، ويسوقنا إلى التهلكة لأسباب نعيها ومع ذلك نقصدها ونتعمد فعلها نتيجة إدماننا عليه عليها، وإلزام أنفسنا به؛ ليكون عاملا لتوقف حياتنا وحياة الآخرين أو تعطيلها؛ الأمر الذي لم تعد تجدي معه القوانين الرادعة، ولا الشعارات أو الوعود التي نقطعها على أنفسنا للانفصال عنه، فما نلبث أن نتخلى عنها في لحظة ضعف أمام صوت رسالة الهاتف أو نغمة تغريدة جديدة، أو تعليق على صفحة الفيس بوك، أو تنبيه إعجاب يصلنا من أحد المتابعين لنسترق إليه النظر فيسرق هو منا الحياة.

إننا بالفعل بحاجة إلى وقفة جادة مع أنفسنا حيال هذا الموضوع، نعم نحن نعترف بالجهود التي تقوم بها شرطة عمان السلطانية، وعلى ثقة بأن الحملات التوعوية المقدمة في هذا الجانب والتي كان آخرها "سياقة بدون هاتف" لها الأثر الإيجابي على المستوى البعيد من خلال غرس ثقافة مرورية ووعي لدى أفراد المجتمع، لاسيما فئة الشباب التي تتفاعل عبر منصات التواصل الاجتماعي؛ حيث لم يكتف مطلقوا الحملة باستخدام وسائل إعلامية تقليدية بل اقتربوا من متطلبات التجديد من خلال وسم خاص للحملة على وسائل التواصل الاجتماعي بمشاركة وتفاعل شخصيات لها حضور وتأثير من قبل المتابعين، وامتثالها لأنّ تكون القدوة وتتعهد بعدم استخدامها للهاتف أثناء القيادة، والذي ينتظر أن يعكس نتائج إيجابية من خلال الرسائل التي تبث عبره، وكذلك المناقشات الهادفة والتي نتمنى أن لا تكون مجرد تسجيل حضور عبر تلك الصفحات فقط، بل واقعا يفرض على الآخرين احترامه وامتثاله عبر الطرقات وأثناء قيادة المركبات.

مع قناعتنا بالجهود والأدوار المبذولة؛ إلا أنّ ما نشاهده في طرقاتنا بشكل يومي ينذر بالخطر فعلا بسبب العلاقة الحميمة بين سائقي المركبات وبين الهاتف، والتي أحسب أنّها من الصعب أن تنتنهي إلا بإحدى اثنتين إما قرار جاد وتام بفصل القيادة عن الهاتف، أو تجرع مرارة الألم لعواقبه السلبية فيكون الرادع عندها صعبا.

إنّ حياتنا أثمن من أن نجعلها مرهونة بـ "هاتف"، وحياة الآخرين هي حق لهم يجب ألا تسلبها إيّاهم هواتفنا، فلنستشعر حجم المسؤولية وأمانة الروح، ولتكن حياتنا أجمل وشوارعنا أكثر هدوءًا، وأمانًا من خلال "سياقة بدون هاتف".

Amal.shura@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك