خبراء يرسمون خارطة التحول إلى "الخصخصة".. والتدرج في التطبيق يمهد لمرحلة اقتصادية جديدة "بلا أخطاء"

< الصقري: 4 طرق تضمن تلافي سلبيات التجربة وترفع كفاءة الشركات

< المعولي: سياسات جديدة لتحقيق التكامل الاقتصادي بين القطاعات

< مرتضى: دراسات دقيقة تضمن إيجاد شركاء إستراتيجيين للإدارة

< الحارثي: إشراف الحكومة على بعض القطاعات كانت له مبرراته.. والأوضاع تغيَّرت

قال خبراء اقتصاد ومهتمون إنَّ محاولات رأب صدع اقتصادنا الوطني المتأثر بتراجع الإيرادات النفطية؛ تُبرز ضرورة إيجاد آليات جادة للتوجُّه إلى "الخصخصة"، باعتبارها واحدًا من أسرع الحلول الفاعلة التي يتوجب اللجوء إليها ضمن الخطط الاقتصادية الجديدة الرامية لتنويع الاقتصاد؛ بهدف تعزيز الكفاءة الاقتصادية، وتخفيف الأعباء المالية المخصصة للمشروعات العامة؛ للوصول إلى ضوابط مالية جديدة واستقرار اقتصادي، عبرحالة من الاستثمار الجديد تعتمد على توسيعقاعدة الملكية.

وأجمعوا -في حديثهم إلى "الرُّؤية"- على ضرورة العمل بصورة عاجلة لصياغة سياسات وقوانين منظِّمة لعملية "الخصخصة"؛ نظرًا لما تتوافر عليه من مكاسب مالية ترفد المال العام.. مبرزين تصريحًا لمعالي درويش بن إسماعيل البلوشي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية، لفت خلاله إلى أنَّ هناك توجها لخصخصة عدد من الشركات الحكومية، وأن هناك دراسات معدة بالفعل لمثل هكذا توجه، وأنَّ جهود الحكومة مبنية على خطط مدروسة لرفع كفاءة الشركات الحكومية الأخرى وزيادة مساهمتها بالدخلالعامللسلطنة.

الرُّؤية - أحمد الجهوري

الدكتور سعيد الصقري رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية لفت إلى أنه لا يوجد تعريف واحد لـ"الخصخصة"، إلا أن أبرزها هو "عملية بيع ملكية الأعمال التجارية، والمؤسسات، والخدمة العامة من القطاع العام إلى القطاع الخاص؛ بهدف تخليص الموازنة العامة من أعباء الاستمرار في دعم تلك المؤسسات (إذا كانت لا تحقق أرباحا)".. وقال: إن "الخصخصة" بهذا المعنى تنطوي على عدة منافع اقتصادية؛ أهمها: رفد المال العام وتنمية القطاع الخاص إذا كانت مؤسسات ناجحة وتحقق أرباحا مستمرة.

وتابع الصقري بقوله: هناك 4 طرق رئيسية للخصخصة؛ أولاها: بيع جزء أو كل الحصص التي تتملكها الحكومة إلى القطاع الخاص في سوق الأوراق المالية. وعلى سبيل المثال: قيام الحكومة ببيع بعض أسهم شركة عمان للاتصالات. وثانيا: في احيان أخرى يتم بيع المؤسسة لمستثمر إستراتيجي ويكون ذلك عادة عن طريق المزاد. وثالثا: توزيع أسهم الملكية لجميع المواطنين مجانا أو بسعر منخفض جدا، كالذي حصل في التشيك وفي روسيا وبلغاريا. ورابع تلك الطرق: يتم أحيانا التخصيص بإسناد تنفيذ مشاريع الخدمات العامة وبناء البنية الأساسية للقطاع، وعليه يقوم القطاع الخاص بتمويل وإنشاء وتشغيل المشاريع الإنتاجية والخدمية كالذي حصل في السلطنة.

وأكد الصقري على أن الخصخصة لها مكاسب مالية مباشرة ترفد المال العام.. موضحا أن بيع الشركات العامة الى القطاع الخاص يؤدى إلى ارتفاع وزيادة كفاءة عمل تلك الشركات في العديد من الدول. غير أن المعارضين يؤكدون على أن للخصخصة نتائج اجتماعية سلبية مثل تسريح العمال وعدم توفير الخدمات الحكومية في الاماكن التي ليس جدوى مالية، واستدرك بقوله: ولكن الواقع الإيجابي للخصخصة يقول عكس ذلك.

التنمية المستدامة

فيما قال الدكتور أحمد المعولي -ضمن مؤتمر الجمعية الاقتصادية العمانية 2005- إنَّ الأهداف المرجوة من الخصخصة في السلطنة تتمثل في: "تحسين كفاءة الأداء، وتحقيق التنمية الاقتصادية، وتنمية الأسواق المالية، ودفع التكامل الاقتصادي بين القطاعات الى الأمام، وتبني الطرق الإدارية الحديثة على مستوى المؤسسة، وتحقيق عدد من الأهداف الاجتماعية والمالية والسياسية".

وذكر أنه في العام 2004، صدر مرسوم سلطاني سامي حمل رقم (77/2004م)، يختص باعتماد سياسات وضوابط التخصيص، وتم تشكيل لجنة وزارية للأشراف على تنفيذ برنامج الخصخصة. والبرنامج يطمح لخصخصة عدد من القطاعات؛ منها: قطاع الخدمات مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والصرف الصحي. كما أن هناك برنامجا لخصخصة مطار السيب الدولي ومطار صلالة وقطاع النقل والموانئ وخدمة البريد. علاوة على ذلك، برنامج الخصخصة يشمل قطاع المخلفات الصلبة والخطرة والطبية.

أما عن أهم القطاعات التي تحتاج إلى خصخصة بالسلطنة.. فقال المعولي: إن مجلس الشورى في يونيو من العام 2014، كشف أنَّ الموازنة العامة للدولة تخسر الملايين "بسبب سوء إدارة الشركات الحكومية التي تكلف خزائن الدولة الملايين". ضاربا المثال بأنَّ الشركة العمانية للعبارات كلفت الدولة خسائر تقارب الـ67 مليون ريال. وطالب أعضاء مجلس الشورى حينها بتشكيل لجنة لدراسة أوضاع الشركات الحكومية التي تحقق خسائر بل البعض طالب بإلغائها.

كفاءة القطاع الخاص

بينما أشار الخبير الاقتصادي مرتضى بن حسن إلى أن الخصخصة مفهوم حديث نسبيا أو ممكن اعتباره فلسفة اقتصادية حديثة ذات إستراتيجية وخطط وسياسات لتحويل الأصول الحكومية والشركات المملوكة من الحكومة، إضافة إلى عدد متفاوت من القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية التي لا ترتبط بالسياسة العليا للدولة من القطاع العام إلى القطاع الخاص. وأضاف: يمكن أن تقوم الحكومة بامتلاك الأصول على أن تخصص إداراتها من قبل شركات خاصة متخصصة، وتوضع أهداف واضحة لها، ولا تتدخل الحكومة في شؤون إدارتها.

وضرب مثالا بأنه يمكن خصخصة الإدارات التعليمية دون أن يعني ذلك خصخصة التعليم ذاته أو خصخصة إدارات المستشفيات دون خصخصة المستشفيات نفسها.. موضحا أن عملية الخصخصة ليست مرتبطة بظروف طارئة مثل انخفاض أسعار النفط عندنا وتأثر الميزانية العامة للدولة. فالدولة -في المفهوم الاقتصادي الحديث- يجب أن تهتم بالأمور الكبيرة: السياسية والإدارية والأمنية والاجتماعية وسن القوانين اللازمة والضرورية التي ترتبط بسياستها العليا وتوجهاتها، والدفاع عن المصالح الوطنية خارج الحدود. أما سائر الأمور الأخرى، فيمكن تأمينها من قبل القطاع الخاص، خصوصا إذا كان يمتلك قاعدة إنتاجية كبيرة، وذلك في إطار القوانين والأنظمة التي تضعها الدولة.

وقال بن حسن إن عمل الخصخصة ينتظم من منظورين: اقتصادي، وسياسي.. فمن المنظور الاقتصادي تهدف عملية الخصخصة إلى استغلال المصادر الطبيعية والبشرية بكفاءة وإنتاجية أعلى؛ وذلك بتحرير السوق وعدم تدخل الدولة إلا في حالات الضرورة القصوى، وعبر أدوات محددة لضمان استقرار السوق والحد من تقلباته. أما من المنظور السياسي، فالتخصيص يدعو إلى اختزال دور الدولة ليقتصر على مجالات أساسية مثل الدفاع والقضاء والأمن الداخلي والخدمات الاجتماعية؛ لذا فإنَّ التخصيص يتجاوز مفهومه الضيق المقتصر على عملية بيع اصول أو نقل ملكية ليكون بمثابة نقلة اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة وفلسفة جديدة لدور الدولة.

وأكد على أن الأحداث والوقائع أثبتت أن الجهات الخاصة والمتخصصة قادرة أكثر على أن تدير تلك الأصول بكفاءة أعلى وتكاليف أقل كما تستطيع تطويرها بشكل مستمر، من خلال ضخ أفكار جديدة وتقديم محفزات أكثر للعاملين الجيدين وتدريبهم بشكل مستمر. أمَّا فيما يتعلق بموضوع النشاطات والشركات التي بجب تخصيصها، فإنَّ ذلك يرجع إلى الدراسات الدقيقة التي تهدف لإيجاد شركاء إستراتيجيين للإدارة.. وتابع بن حسن بقوله: وفي ظل الهبوط الحاد في أسعار النفط الذي كانت أسعاره تشكل العمود الفقري وربما العمود الوحيد لكل إنفاقنا وخططنا وموازناتنا؛ علينا الآن دراسة تلك التحديات بعقول منفتحة؛ لضمان تقليل العجز المتوالي والسيطرة على الإنفاق الاستهلاكي، وفي نفس الوقت تكون لدينا القدرة على استمرار الصرف على مشاريع مُدرَّة للدخل وأيضا موفرة لفرص العمل والمحافظة على قدر معقول من النمو وبذل كل جهد ممكن لمنع الكساد وما قد يفرزه من نتائج غير محمودة؛ وهو الأمر الذي يتطلب دراسة حزمة من الحلول الاقتصادية والمالية والنقدية والتعليمية والتدريبية وعدم الاعتماد على الحلول المالية فقط.

ولفت إلى أن واحدة من التحديات التي نواجهها خلال هذه الفترة تنامي عدد الباحثين عن عمل، دون وجود فرص حقيقية لتشغيلهم تتناسب مع مؤهلاتهم وميولهم وإمكانياتهم ورغباتهم أو قدرة الأجهزة الحكومية أو القطاع الخاص على استيعابهم، وهو الأمر الذي يعزز من فرص أطروحاتنا لتجاوز المرحلة الحالية، وأرى أن الخصخصة باتت أمرا لا مفر منه لتجاوز تلك التحديات.. وأوضح: أعلم أن البعض يطرح فكرة إحلال المواطنين في مواقع عمل الأيدي العاملة الوافدة، لكن ذلك ليس عملا سهلا وقد يكون محفوفا بالمصاعب. فكما نعلم أن القدرات الفنية التي يتمتع بها الوافدون لا تتوافر لدينا حتى لو حصلوا على نفس الشهادات، فضلا عن أنَّ الكثيرين من المواطنين ليسوا راغبين في العمل في نفس الوظائف لاسباب عديدة، هذا بالطبع إلى جانب أن قوانين العمل بصيغتها الراهنة لا تساعد كثيرا على استيعابهم.

المناخ الاستثماري

الكاتب سعود الحارثي يقول: "الخصخصة" هي انتقال أو تحويل عدد من القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية التي تشرف عليها وتمولها وتديرها الحكومة، من القطاع العام إلى القطاع الخاص؛ في إطار القوانين والأنظمة التي تضعها الدولة وتنظم من خلالها عمل هذا القطاع؛ إذ إنَّ الحكومة في المفهوم الاقتصادي الحديث يجب أن تهتم بقضايا تحسين وتهيئة المناخ الاستثماري المحفز للقطاع الخاص وتطوير وتحديث التشريعات والقوانين والعمل الرقابي والبُنى الأساسية وتعتني بالملفات السياسية والأمنية والاجتماعية التي ترتبط بالسياسات العليا. وقد ظهرت أهمية قيام الحكومة في السلطنة بتخصيص بعض القطاعات التي تشرف عليها وتديرها بقوة في الأشهر الأخيرة كواحد من الخيارات الأساسية لمعالجة تأثيرات انخفاض أسعار النفط الحادة في الأسواق العالمية وتوفير موارد جديدة للخزانة العامة للدولة أو رفع العبء عنها؛ إذ من المعلوم أنَّ إشراف وإدارة الحكومة على بعض القطاعات كانت له مبرراته وأسبابه المعروفة في المراحل الأولى لانطلاقة النهضة العمانية الحديثة. ومن الأهمية أن تتَّجه الحكومة في البدء إلى خصخصة القطاعات ذات الطبيعة التجارية البحتة أو الغرض التجاري التي تدخل بشكل طبيعي ضمن مظلة القطاع الخاص، وبما يتماشى مع سياسة اقتصاد السوق الذي تتبناه السلطنة والذي يقضي بترك النشاط الاقتصادي عموما لمبادرات القطاع الخاص. ومنها على سبيل المثال لا الحصر: قطاعات الأسماك، والطحين، والأسمنت، والنقل (ممثلة في شركات: الأسماك العمانية، النقل الوطنية العمانية، الوطنية للعبارات، العمانية للنقل البحري، أسمنت عمان، المطاحن العمانية...).

وأضاف الحارثي: إنه لمن المعلوم أن إدارة القطاع الخاص لمثل هذه القطاعات ستكون أكثر قدرة على رفع كفاءتها وتجويد العمل وتطوير الأداء فيها وضبط الشأنين الإداري والمالي والتدقيق عليهما بما في ذلك الفصل بين مهام وضع السياسات الاستثمارية والمتابعة والتقييم من جهة ومهام الإدارة والتنفيذ من جهة أخرى، وهو ما سيُسهم في زيادة الربحية مقارنة بالقطاع الحكومي ومعالجة البذخ وتبذير المال العام والفسادين المالي والإداري والتي دائما ما تعاني منها الشركات المملوكة للحكومة كما هو معروف.. موضحا: إن حكومتنا تمتلك ما يقارب الستين شركة كليا أو جزئيا، وهي تحقق أرباحا قليلة وأكثرها تحقق خسائر سنوية، وتؤكد الأرقام الحديثة أن الخزانة العامة للدولة تنفق على هذه الشركات مبلغا يقارب ما تتحصله منها، ولا شك أنَّ خصخصة الشركات الرابحة سوف يوفر موردا للخزينة العامة للدولة يخفف من خسائر تراجع أسعار النفط، ويُسهم في تمويل مشروعات خدمية لا تتوافق طبيعتها مع نشاط القطاع الخاص كالطرق والصحة والتعليم.

ولفت إلى أنه تمَّت هيكلة شركات قطاعي الكهرباء والماء تمهيدا لخصخصتها منذ سنوات ولم تصل بعد إلى الخصخصة حتى اليوم، مع أن تكلفة إنتاج الكهرباء والماء عالية جدا وتنمو سنويا؛ مما يُكلف الميزانية العامة للدولة 280 مليون ريال عماني بنهاية العام 2015م، ومن المتوقع أن تصل إلى 370 مليون ريال عماني في 2016 و460 مليون في 2020 هذا لقطاع الكهرباء فقط. وهي تكلفة ترتفع عن نطاق قدرات المواطن لذلك فإن الحكومة تدعمها، مع العلم بأنَّ جميع الشركات المشتغلة بشراء الطاقة ونقلها وتوزيعها والتي تبلغ عشر شركات كلها مملوكة بالكامل للحكومة.

واستدرك الحارثي قائلا: إن الطريق إلى الخصخصة يواجه العديد من المعوقات يمكن حصر أبرزها في: هشاشة القطاع الخاص واعتماده على المشاريع الحكومية وضعف خبرته وعدم قدرته على إدارة العديد من القطاعات المرشحة للخصخصة وتهيُّبه من المغامرة في شراء شركات خاسرة أو ما زالت تحقق أرباحا هامشية، والخوف على العمالة الوطنية التي قد تشكل أعدادا زائدة عن المطلوب في القطاعات الخاضعة للخصخصة، وما قد ينتج عن ذلك من تفكير في الاستغناء عنها من قبل الإدارة الجديدة في القطاع الخاص بعد إعادة هيكلتها؛ الأمر الذي ينعكس سلبا ويُمثل أعباءً جديدة على الحكومة في العمل على معالجة مشاكل وآثار تنتج عن الخصخصة، والخوف من احتكار تجار أو مستثمرين نافذين بعينهم على قطاعات مهمة كانت تشرف عليها الحكومة وتقدم خدمات أساسية للمواطن في بلد يحتكر فيه نشاط القطاع الخاص قلة من الشركات العائلية؛ ما يعني استبدال الاحتكار الحكومي بخاص قد يفرض شروطا قاسية تنتج عنه ارتفاع في الأسعار أو تراجع في جودة الخدمات أو حدوث اشكالات غير محسوبة.

وأضاف: كما تبرز مشكلة عدالة تقييم أصول الشركات المرشحة للخصخصة وما قد ينتج عنها من محاباة أو توجهات لصالح تجار أو مستثمرين أو نافذين تقودهم للهيمنة على أصول هذه الشركات بما لا يحقق أهداف ومصالح المجتمع والاقتصاد الوطني والقيمة الحقيقية لأصول هذه الشركات.. إلا أنه تابع بقوله: ومع ذلك كله، فمن الأهمية أن تشرع الحكومة في تنفيذ برنامج لخصخصة عدد من القطاعات بشكل متدرج ومدروس ووفق جدول زمني واضح المعالم وآليات دقيقة وشفافة قادرة على معالجة والتغلب على المعوقات المشار إليها.

تعليق عبر الفيس بوك