مواطنون: ضغوط العمل وضيق الوقت واختلاف الثقافات يقلل فرص التواصل بين الجيران في المدن

أكّدوا أهميّة تقوية العلاقات مع الجار لخلق بيئة تتسم بالطمأنينة في محيط الأسرة

الحارثي: رياح المدنية والتحضّر أخذت معها قيم التعاون ومشاركة الأفراح والأتراح بين الجيران

الكلبانيّة: كثيرون باتوا لا يفضلون الاختلاط بجيرانهم تجنبا لعدم التوافق في الخلفيات الثقافية

أجمع عدد من المواطنين على أهمية تنمية العلاقات وفرص التواصل مع الجيران في المدن، والتغلب على مخاوف البعض تجاه من يختلفون مع خلفيتهم الثقافية، حيث إن أهم ما يميز الحياة في المدينة أنّها تجمع بين مختلف الثقافات نظرًا لظروف الإقامة والعمل والدراسة، على العكس من الحال في القرى والأحياء الشعبية القديمة. وأشار المشاركون في استطلاع "الرؤية" إلى تأثير التطوّر التكنولوجي على ضعف التواصل المباشر بين الناس في كل مكان، خاصة في ظروف حياة المدينة التي تتسارع وتيرتها بفعل ضغوط العمل اليومي وهو ما يقلل من فرص اللقاء المتكرر بين الجيران الذين بات بعضهم لا يتعرّف على الآخرين إلا من حيث ملامح الوجوه عند اللقاء بالصدفة في الأماكن العامة.

الرؤية - محمد قنات

قال عبدالله سالم محمد المقبالي إنّ المدن في كل بلاد العالم باتت ملاذاً آمناً لشتى شرائح المجتمع، وذلك لتعدد سبل العيش الرغيد فيها على عكس القرى، إلا أنّ الكثافة السكانية والتعدد الثقافي في المدن يخلق وتيرة مغايرة عن تلك الموجودة في القرى خصوصا من ناحية الجيرة في السكن، حيث إن علاقة الجيران في المدن تختلف نوعا ما عن تلك الموجودة لدى جيران القرى، فعلاقة الجيران في المدن بها نوع من التشتت مما يؤدي إلى تباعد الجيران عن بعضهم فتحدث الفجوة والفتور في علاقاتهم وهذا التباعد يرجع إلى عدة أسباب من بينها اختلاف الثقافات واختلاف العادات والتقاليد وأحيانا اختلاف الدين واللغة.

وأضاف المقبالي أنّه لابد من التعارف بين الجيران الجدد وخلق نوع من التكاتف والتشارك معهم في أمور الحياة خاصة حيث إنّ العلاقة مع الجيران تعرف الشخص على ثقافات مختلفة، كما أن هذا التعارف والتعاون يخلق نوعا من الانسجام بين أفراد المجتمع مما يؤدي إلى التماسك والتكافل لمواجهة تقلبات الحياة. ونجد كثيرًا من الجيران لا يتشاركون الحياة بل إنّ بعضهم لا يعرفون الآخرين إلا من خلال الأشكال وهم يلتقون بصورة يومية في الأماكن العامة والطرقات، حيث يعتقد البعض أنّ المدينة أسست لممارسة الأعمال والتجارة فقط وهذه نظرة خاطئة والبعض الآخر يتحاشى الاختلاط تجنبا للمشاكل، كما أنّ كثرة التنقلات من منزل لآخر تهدم جسور التواصل بين الجيران.

وقالت آسيا حمد السالمية إن القيم الإسلامية والآداب الشرعية تخصص للجار على الجار حقوقا تشبه حقوق الأرحام، لكننا للأسف نتجاهل في الوقت الحالي حقوق الجار، ويرجع كثير من الناس هذه الجفوة إلى أسباب التحضر وضغوط العمل المتعددة، لذلك فإن العلاقات بين الجيران في المدن تكاد تكون معدومة وربما يرجع ذلك إلى الأعمال التي يرتبطون بها وضغوط الحياة في المدن. لكن رغم هذه العوامل لابد أن يتعرّف الشخص على الجيران الجدد في الأحياء السكنية الجديدة، كما يجب تصحيح مفهوم أنّ ضعف هذه العلاقات من مظاهر التحضر وتبرير ذلك بضغوط العمل ويجب تطبيق سنن الرسول صلى الله عليه وسلم التي وصى بها وذكرت في القرآن الكريم. ويجب البعد عن الوساوس التي تجعل الشخص يبرر خوفه من تقوية هذه العلاقة حتى يتحاشى المشاكل التي قد تحدث من أشخاص جدد لا يعرفهم فكم من أشخاص انتقلوا من منزل إلى آخر بسبب ضعف العلاقه مع جيرانه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ).

فرص متنوعة للتعارف

وقال أحمد سعيد سليمان الغريبي إنّ العلاقات بين الجيران في المدن ضعيفة جداً وفي بعض الأحيان هنالك جيران لا يعرفون بعضهم بعضا؛ خاصة وأن تجاهل الجيران يعتبره البعض نوعا من التحضر الذي تفرضه المدينة التي تتسارع فيها وتيرة الحياة والشعور بأنه لا جدوى من معرفة الجيران أو زيارتهم كما أن الثقة بين الجيران أصبحت شبه معدومة وهذا ما يقلل من متانة العلاقات بين الجيران. واعتبر الغريبي أن التعرف على الجيران في الأحياء السكنية الجديدة شيء ضروري؛ لأنه يتيح فرصة كبيرة لمعرفة ثقافات أخرى، وتبدأ العلاقات تقوى بالزيارات المتكررة بين الطرفين؛ لأن التعرف على الناس يخلق حالة من السلام والصداقة والتعاطف، ويجعل الجيران يشعرون براحة وطمأنينة في البيئة التي يعيشون فيها.

وأضاف الغريبي أنّ البعض يتجنب التعرف على الجيران في المدينة تحفظا من زيادة المسؤولية كما أن كثيرًا من الأسر تخشى على أطفالها خاصة في هذا الزمان، الذي انتشرت فيه بعض العادات السيئة التي تخل بمكانة الأخلاق بين الأطفال، وأغلب هذه الأسر تفكر في عدم اكساب أبنائها لعادات وتقاليد مختلفة عن تلك التي كانوا عليها.
وقالت إيمان سعيد راشد الكلبانية إنّ العلاقة بين الجيران كانت في الماضي قويّة ومتينة حتى أنّهم كانوا في علاقتهم كالأهل وليسوا جيراناً فقط واختلفت هذه العلاقة في الزمان الحاضر، حيث ضعفت حتى باتت شبه معدومة، فأصبح الجيران لا يعرفون بعضهم إلا بالسلام عند أبواب المنازل، والبعض الآخر لا يعرف جيرانه إطلاقاً، وربما لازالت تلك العلاقة الجميلة بين الجيران موجودة لكنّها على نطاق ضيّق في الأحياء القديمة في المدن والتي تسمى بـ(الأحياء الشعبية)، أو في القرى والهجر.

وأضافت الكلبانية أنّ من أسباب هذه التغيرات في العلاقة بين الجيران اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد، حيث إنّ أغلب سكان المدن من ثقافات مختلفة وقدموا إلى تلك المدن من أجل العمل سواء كانوا موظفين أو ذوي أعمال تجاريّة خاصة، فأصبح معظم الناس يفضلون عدم الاختلاط بجيرانهم لأنّهم يعتقدون أنّه لن يكون بينهم توافق نظرًا لاختلاف الثقافات، لكن لهذه الفئة من الناس أن تتذكر قوله سبحانه وتعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وإنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير).

وأشارت الكلبانية إلى أنّه في السابق كان الجار يحتاج لجاره في كثير من الأمور، أما الآن فتعددت البدائل التي يمكن أن يستغني بها الشخص عن جاره، والحالة المادية للكثير من الناس أصبحت جيدة نوعا ما، وبالمال يمكن الاستغناء عن طلب المساعدة من الجيران حتى لو اضطررت لأن تستأجر من يساعدك بل إن في هذا الزمان أصبح الجار الذي يحتاج جاره هماً ثقيلاً على بعض الناس وهذه الفئة من الناس يجب أن يتذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). وفي الماضي كان يسكن في البيت الواحد أكثر من عائلة، فلم يكن للمرأة الحرية في مزاجية تحديد العلاقة مع الجارة، ولكن الآن أصبح لكل زوجة منزل مستقل وأصبح الاعتماد كبيرا على النساء في توطيد العلاقة بين الجيران من عدمها.

ذهبت مع رياح التغيير

وقال عوض بن راشد الحارثي إنّ العلاقة في الماضي بين الجيران كانت تقوم على أسس وقيم وأخوّة واحترام مشاعر وتعاون في المناسبات، ويحافظون على المحبة ويتسامحون ويتراحمون فيما بينهم، غير أنّ مشاهد التعاون والتعاطف بين الجيران باتت تختفي مع رياح التغيير وإيقاع الحياة المتسارع، الذي شهده العصر الحديث فنسي الجيران جيرانهم، وقد كان في الماضي الجيران أول من يبارك لجيرانهم وأول من تتم دعوتهم للمناسبات والأفراح هم الجيران قبل الأقارب، وكذلك الحال في الأتراح هم أول من يهب للمواساة، وبات هذا الحال متبدلا هذه الأيام وبات الجار بعيد كل البعد عن جاره.

وأضاف الحارثي أنّ من أسباب التباعد وفتور العلاقات بين الجيران هموم ومشاغل الحياة التي تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم فهي تلهي الجيران عن جيرانهم إلى جانب انتشار وسائل الاتصال الحديثة التي قضت على القرابات، وأثّرث على حياة الجيران والعلاقات التي بينهم وصارت كل أسرة تشعر أنّها مؤسسة اجتماعيّة مستقلة وبالتالي ليست بحاجة إلى الجار، وفي بعض القرى ما تزال تحافظ على روح التواصل بين الجيران بالرغم من اختلاف ملامح السكان في هذه الأحياء والتحولات الكثيرة التي حدثت ككثرة السيّارات وشبكات التلفاز والهاتف والأنترنت.

تعليق عبر الفيس بوك