واقع طلابنا مع ورقة الاختبار (1)

عيسى الرواحي
يعتبر التقويم أحد أركان العملية التعليمية، وتأتي هذه المرحلة المهمة ذات الأهداف العديدة في المرحلة الأخيرة من العملية التعليمية، التي من خلالها يتم معرفة النتائج، وإصدار الأحكام، ودراسة الواقع، والبحث في مواطن القوة وتعزيزها، ومواطن الضعف وتلافيها، والخروج بالتوصيات ووضع الحلول والمقترحات.
وللتقويم وسائل عديدة في الميدان التعليمي أو غيرها من الميادين، ولعل الاختبارات بمختلف أنواعها أهم وسائل التقويم في العملية التعليمية بمختلف مراحلها، وأكثرها دقة لقياس مستويات الطلاب.
وللاختبارات أهداف كثيرة تضاف إلى أهداف عملية التقويم بشكل عام، وقد أفاض التربويون الحديث عنها في مؤلفاتهم العديدة، ومن أبرز تلك الأهداف معرفة مستويات الطلاب، وبيان فروقاتهم الفردية، وتحديد مواطن القوة والضعف لديهم، وتزويد المعنيين بالطالب بواقعه التعليمي سواء أكان ولي أمر أم جهات رسمية مسؤولة عنه، وقياس تحقق أهداف المناهج الدراسية، ورفع دافعية التعلم وقياس أداء المعلم، وتقييم أركان العملية التعليمية وغيرها كثير.
وحتى تحقق هذه الاختبارات أهدافها المرسومة لابد من تحقق شروطها وضوابطها التي من أبرزها الصدق والثبات والموضوعية والشمولية وفقا لما جاء في كتاب "مرشد المعلم في بناء الاختبارات التحصيلية" من إعداد مجموعة من التربويين بالمملكة الأردنية الهاشمية، كما أنّ الاختبارات تنقسم إلى أنواع مختلفة، وكل قسم له أنواعه المحددة من الأسئلة.
وكما هو معلوم لدى الجميع فإنّ واقع التقويم في العملية التعليميّة، وأهم وسائله وهي الاختبارات قد مرّ بتغييرات كثيرة خلال الأعوام الماضية في الميدان التعليمي في مدارس السلطنة، وهذه قضية لا يكاد يوجد تربوي إلا وتطرق إليها، وأشبعها حديثًا وبحثًا ودراسة، وما يهمني بعد هذه المقدمة هو التطرّق إلى واقع طلابنا في تعاملهم مع ورقة الاختبارات، وأخص ورقة الاختبار النهائي.
إنّ المطالع لأوراق اختبارات أبنائنا الطلاب في مختلف المواد الدراسية بمختلف المراحل الدراسية في جميع المحافظات التعليمية يدرك حجم الواقع التعليمي الذي تعيشه الأجيال الحالية، ولعل وسائل التواصل الاجتماعي قد أبرزت جانبًا من الواقع المرير الذي يتعامل فيه كثير من أبنائنا الطلاب مع ورقة الاختبار من خلال ما تم تداوله من صور لبعض أوراق اختبارات الطلاب.
ويرى أحد التربويين من خلال الحديث معه أنّ ورقة الاختبار في واقعنا وفي كل مرحلة تعتبر المعيار أو المرصد الكاشف للواقع التعليمي للبلد، ومن خلالها ومن خلال جميع ما يتعلق بها نستطيع التوصل إلى قيمة العلم في نفوس المتعلمين ورغبتهم فيه، ومدى اهتمامهم وحرصهم على طلبه، وتحقيق أعلى المستويات في تحصيله، كما يمكننا التوصل إلى القدرات والمهارات التعليمية لديهم كالفهم والاستيعاب والتركيز والقراءة والكتابة وحسن الخط وتنظيم الأفكار وغيرها كثير.
إنني أسمع كثيرًا عن واقع تعامل طلابنا بشكل عام مع ورقة الاختبار، واطلعت مؤخرا على نماذج مختلفة من إجابات مجموعة من الطلاب في مراحل تعليمية متفاوتة لمواد متعددة مما استوقفني الأمر كثيرًا، فاستدعاني بعدها إلى استطلاع آراء مجموعة من المعلمين في تخصصات مختلفة ومراحل تعليميّة متباينة بمختلف المحافظات التعليميّة من أجل معرفة الواقع عن قرب، والبحث في أسبابه والسعي إلى إيجاد الحلول والمقترحات لتعديل الوضع نحو الأفضل.
وسأعرض هنا النقاط التي أجمع عليها الأساتذة أو اتفق عليها أكثرهم، والتي تشكل ظاهرة عامة في تعاطي الطلاب مع ورقة الاختبار، ويأتي في مقدمتها عدم إعطاء ورقة الاختبار قيمتها ومكانتها الحقيقية التي تستحقها، فالإهمال وعدم المبالاة يلاحق الطلاب حتى في قاعة الاختبارات من خلال تعاملهم مع ورقة الاختبار، ولعلّ أبرز أسباب ذلك هو ضمان الطالب النجاح حتى لو ترك ورقة الاختبار النهائي بغير إجابة، وذلك بتحقيقه درجة مرتفعة في التقويم المستمر، وقد يكون في بعض الأحيان بحاجة إلى درجات قليلة جدا حتى ينجح إن لم يكن قد نجح أصلا خاصة في الصفوف الدنيا، ولعل هذا ما يجعل كثيرا من الطلاب لا يعني لهم الاختبار النهائي شيئا، وتراهم على نفس الوتيرة من الإهمال واللعب والتسكع في الحارات حتى فترة الاختبارات، وربما ينتج عن ضمانه للنجاح قبل دخوله قاعة الاختبار عدم احترام هذه الورقة والاستهتار بها إلى حد أن يقوم برسم الرسومات وتجربة التوقيعات على ورقة الاختبار، ووضع كل ما ليس له صلة بالاختبار.
وإذا كان الأمر كذلك فإننا لسنا أمام قضية نجاح طالب أو رسوبه أو أمام قضية حسن تعامل الطالب مع ورقة الاختبار من عدمه، وإنما أمام واقع أبعد من ذلك بكثير، حيث ما قيمة العلم في نفس الطالب إذا كان تفكيره أوصله إلى هذا المستوى وهو الحصول على درجة النجاح؟ وهل أصبح طلب العلم مقتصرا في نظره على تحقيق درجة النجاح فقط؟ وما مكانة التفوق لديه؟
وحسب ما تراه مجموعة من الأساتذة وما تطرّقتُ إليه في أكثر من مقال سابق هو أننا بحاجة إلى إعادة النظر في صياغة درجات التقويم المستمر وتقسيماتها، والنظر في أحقية الطالب بمعرفة درجاته في التقويم المستمر من عدم ذلك...

وللحديث بقيّة في مقالنا القادم بإذن الله تعالى.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك