حصن سلوت ببهلا.. معلم أثري يحكي عظمة التاريخ ويؤكد عمق الحضارة العمانية

بهلاء - العمانية

يعد حصن "سلوت" الذي يقع فوق تلة من الجبل ببلدة بسياء التابعة لولاية بهلا والمنطقة المحيطة به من أقدم الحصون العمانية وأحد الآثار التاريخية الموغلة في القدم، التي تجسد ملامح حقبة زمنية قديمة وتحكي عظمة التاريخ والمكان، وتؤكد عمق الحضارة العمانية العريقة وارتباطها بالفترات التاريخية المبكرة .

وقد مر حصن سلوت بفترات تاريخية أولها فترة المستوطنين الأوائل وثانيها في فترة استخدمه النباهنة واليعاربة ليكون مركزا للحكم، ومنطقة سلوت كما أوردت كتب التاريخ بأنّها هي المنطقة التي اشتبك فيها الأزد بقيادة مالك بن فهم مع الفرس.

وقد مرّت بالحصن والمنطقة المحيطة به عدد من البعثات الاستكشافيّة والمسوحات الأثرية وتعتبر بعثة جامعة هارفرد أول بعثة تقوم بتوثيق عدد من مواقع العصر البرونزي الذي يعود للألفية الثالثة قبل الميلاد في عمان وأوضحت المسوحات إلى أن وادي بهلا غني بمواقع العصر البرونزي، ومن البعثات أيضا البعثة الإيطالية من جامعة بيزا في عام 2004م التي أرجعت مستوطنة "سلوت" إلى العصر الحجري وتم الاكتشاف بدعم وإشراف مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية، والبعثة البريطانية، كما تقوم وزارة التراث والثقافة حاليًا مع البعثة الفرنسية بالبحث والتنقيب حول المنطقة المحيطة بالحصن .

وأوضحت النتائج التي أدلت بها البعثة الايطاليّة إلى أهميّة موقع "سلوت" من الناحية التاريخية حيث إنّ هذا الموقع مرتبط ارتباط وثيق ببداية التاريخ العماني القديم بوصول القبائل العربية إلى عمان من الجزيرة العربية، كما أنّ الموقع أظهر ارتباطه بظهور نظام الأفلاج، وكشفت البعثة عن معالم بارزة للموقع ومنها المدافن على قمة جبل سلوت وكشفت هذه الحفريات التي أجريت بالموقع عن بقايا مستوطنة حقيقية، وبيّنت أنّ فترة استيطان الموقع تعود إلى العصر البرونزي المبكر في بدايات الألفية الثالثة قبل الميلاد.

وكشفت الحفريات في الجهة الشمالية بوجود جدار حجري يحتوي على صخور كبيرة الحجم ويعد جداراً دفاعياً يغلق المستوطنة من الجهة الشمالية بينما في الجهة الغربية تم الكشف عن طبقات أرضية موغلة في القدم مقابل الجهة الجنوبية لمستوطنة سلوت .

والتنقيبات الأثرية التي أجريت في الحصن كشفت عن قطع أثرية قديمة مرتبطة بالمدفن تعود للعصر البرونزي المبكر، وتمثل هذه القطع مجموعة من الأواني الفخارية برزت عليها نقوش لثعابين وثعابين برونزية تم استخدامها كأدوات نذرية ومغارف برونزية ووعاء برونزي.

وتأكيدًا لأهميّة موقع حصن سلوت الأثري فقد صدر مرسوم سلطاني بنزع ملكيّة الممتلكات المتأثرة به، وتعويض أصحابها وفق قانون نزع الملكية للمنفعة العامة، يأتي ذلك ضمن الاهتمام السامي من لدن حضرة صاحب جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بالتراث العماني والمحافظة عليه واستدامته وضمن الجهود الكبيرة التي تبذل من أجل إبراز الأهمية التاريخية والأثرية التي يتميز بها حصن سلوت؛ ليكون بذلك مشروع تأهيل وتطوير موقع حصن سلوت الأثري بولاية بهلا والمنطقة المحيطة به المحددة في المذكرة والرسم التخطيطي الإجمالي من مشروعات المنفعة العامة.

وحول التنقيبات الأثرية الأخيرة وما حققته من نتائج قال أحمد بن محمد التميمي مدير دائرة التراث والثقافة بمحافظة الداخلية: في ديسمبر 2015 م بدأت وزارة التراث والثقافة مع البعثة الأثرية من جامعة السوربون الفرنسية أعمال التنقيبات الأثرية والمسوحات على المنطقة المحيطة بالحصن معتمدة على التقنيات العلمية الحديثة والمتعارف عليها في مجال التنقيب وقد أنجزت البعثة إلى الآن ما يقارب 50% من هذه الأعمال التي كشفت التفاصيل المعمارية والأثرية الهامة . وأشار التميمي إلى أن ما توصلت إليه هذه المسوحات تعد استكمالا لمعطيات المشهد التاريخي والثقافي للموقع، مضيفاً أنه في الموقع نفسه هناك أكبر الأبراج التي تقوم عليها أساسات حجرية ضخمة يصل سمكها إلى أكثر من 3 أمتار، انهارت الأجزاء العلوية منه لاحتمال بنائها بالطوب اللبن.

والحفريات في هذا البرج هي محاولة للكشف عن معطيات جديدة للوصول إلى تفسيرات أعمق لموقع سلوت الأثري والوصول إلى تفسيرات مرتبطة مع مواقع أخرى في حفريات وفي مدافن متوزعة في المستوطنة للوصول إلى تحليل أدق وأعمق لمحاولة الكشف عن الحياة الاجتماعية والاستيطان المتواجد في موقع سلوت في تلك الحقب التاريخية القديمة .

وأوضح أن آخر ما توصلت إليه التنقيبات والمسوحات في الأبراج الأثرية في الموقع عن تاريخها الذي يعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد وارتباطها بحضارة مجان وتجارة النحاس التي اشتهرت بها عمان، وكشفت التنقيبات داخل البرج عن وجود جدران طينية تشكل عدة حجرات صغيرة مملوءة بالكامل بالحجارة والطوب اللبن لدعم جدران البرج وهو النمط الذي كشف عنه سابقاً في برج المطيرية بموقع بات الأثري، كما تمّ العثور على عددِ من المقتنيات وهي عبارة عن فخار من العصر البرونزي المبكر والعصر الحديدي والعصر الإسلامي، ويعد البرج بالمنطقة المحيطة بحصن سلوت أحد المعطيات التي تكشف عن مستوطنات وحصن وأفلاج ومقابر وابراج .

وأضاف مدير دائرة التراث والثقافة بمحافظة الداخلية إنه ولأهمية الموقع يتم توثيق كل مراحل المسوحات والتنقيبات من خلال أعمال التوثيق بالتصوير الجوي باستخدام طائرة التحكم عن بعد لتفاصيل هذا البرج والمباني الملحقة به قبل وبعد التنقيب، وتوثيق الشواهد الأثرية الأخرى الموجودة بالموقع مثل حصن سلوت والامتداد الأثري للموقع في محاولة لمعرفة وكشف وربط الحقائق المحيطة بالموقع كله دون تجزئته أو التعجل في استنتاجات سابقة لأوانها وقبل معرفة طبيعة المجتمع الذي عاش فيه خلال حقبة العصر البرونزي والعصر الحديدي.

والتنقيبات في موقع سلوت والمنطقة المحيطة به أشارت أدلتها إلى وجود نظام الافلاج في سلوت تعود إلى الألفية الأولى قبل الميلاد، وأشارت إلى أن خط سير الأفلاج بواحة سلوت في الاتجاه الشمالي الغربي من الحصن وتوجد بقايا لقناة مفتوحة كانت تستخدم لري المزارع المتناثرة على جوانبها وتشير اللقى الفخارية إلى أنّ وجود المستوطنة تزامن مع فترة وجود الحصن أمّا أم الفلج التي تزود القناة بالمياه فيبلغ عمقها أكثر من 12 متراً وتقع شمال شرق الحصن، ومن خلال نتائج أعمال التنقيب في واحة سلوت يتضح أنّ نظام الأفلاج ظهر في البداية في عمان وذلك قبل قرون عدة من ظهوره في مناطق أخرى .

تعليق عبر الفيس بوك