رسالة إلى صُنّاع القرار

فايزة سويلم الكلبانية

faiza@alroya.info

لا نريد أن نأخذ منحى السلبيّة في هذه المرحلة بالذات، والتي تستدعي منّا جميعًا حكومة وشعبة ومستثمرين وأصحاب أعمال أن نكون أكثر تفاؤلا وسط زحام تداعيات أزمة تراجع أسعار النفط وغيرها من التحديات الأمنيّة والسياسية التي يمر بها العالم كافة، ولكن ما لمسناه من نقاشات أعضاء مجلس الشورى لمعالي أحمد بن ناصر المحرزي وزير السياحة على مدار اليومين الماضيين لم يبعث في نفوس البعض من المترقبين لكل ما هو جديد حول واقع السياحة والاستثمار في هذا المجال؛ الطمأنينة أو المزيد من التفاؤل بأنّ الفرج قادم لتغير واقع السياحة في السلطنة، ولو عن الشيء القليل للآليات والخطط التنفيذية التي تعمل عليها الوزارة لمواجهة التحديات والتي هي الأخرى مضت على مناشدات المستثمرين والمهتمين بالاستثمار سنوات عدة ليتم تسهيلها وتذليلها لجذب المزيد من الاستثمارات سواء المحلية أو الدولية "ولا حياة لمن تنادي"، فواقعنا اليوم يتطلب المزيد من الجهود التنفيذية للخطط والإستراتيجيات المتراكمة والتي طالت مراحل دراستها بين الجهات المعنية، ولا تزال حبيسة الأدراج أو قيد الدراسات "ويا ليل ما أطولك".

كثيرًا ما يتبادر إلى ذهني حلم جميل أعيش تفاصيله في مخيلتي كلما حضرت حديثا أو حوارات تدور حول واقع الاستثمار بالسلطنة والتحديات والعوائق التي تقف أمام التقدم وتذليل كل هذه العراقيل، "شر البلية ما يضحك" فعلا عندما نتيقّن بأن جميع الأطراف "صانع القرار، والمسؤول، والمستثمر، والموظف، والمواطن العادي" كل هؤلاء على إطلاع ودراية بنقاط ضعف وتراجع الاستثمار، والغريب أنّ البعض منهم أيضا يوجد لديه عدد من الأفكار والحلول التي يطرحها على الملأ، أو يناقشها بينه وبين البعض على استحياء وخفاء، بمختصر العبارة، الجميع يعلم بالتحديات والحلول المطلوبة، وغالبا ما توجد هناك دراسات وتجارب كنماذج لحل هذه الأزمات، ولكن قليل من هؤلاء من لديه الرغبة في الأخذ بزمام المبادرة، ويقود عملية الإصلاح لتغيير واقع الاستثمار في السلطنة مما هو عليه اليوم من ركود إلى خطوات تنفيذية حقيقية ملموسة، لنحوّل الدراسة من حبر على ورق إلى واقع نكافح من خلاله بتكاتف الجهود، ليعمل البعض منهم كحلقة وصل بين الجهات المعنيّة التي بحت أصوات المستثمرين والراغبين في الاستثمار بمناداتهم ومناشدتهم لتذليل التحديات، وتبسيط الإجراءات، وتوحيد الهويّة التسويقية، وإيجاد منافذ تسويقية، والعمل على تنفيذ المشروع الذي سئمنا من سماع اسمه، والذي يتردد على ألسنة الصغير قبل الكبير والذي يدعى "المحطة الواحدة" ولكن لا أثر لهذا المشروع يذكر بالرغم من أنّ له دورا حيويا وملموسا في حل دائرة "اللف والدوران" التي يعاني منها كل من جاء راغبا في بدء مشروعه الجديد؛ ليعيش بين دوامة الوزارات والتصاريح والتراخيص والقوى العاملة والتمويل، وإيجاد الموقع المناسب لأرض المشروع، وحتى من توافرت لديه الأرض تقف الأمور الأخرى عائقا آخر أمامه، فكيف سيتحرك اقتصادنا؟ وكيف سنجذب استثمارات أجنبية لأرض السلطنة ونحن عاجزون عن حل تحديات ومعوقات استثماراتنا الداخلية لنرقى للخارج؟ وهذا هو حال واقع الاستثمار في السلطنة؟

ما زلنا نتعجب عندما نطرح السؤال على صانعي القرار وأصحاب الكلمة سواء في جلسات الشورى المعتادة أو في مختلف المؤتمرات التي تعقد على مدار العام، وغالبا ما تتكرر نفس المحاور والأفكار والشخصيّات والأطروحات مع القليل من التجديد حول أمر ما، ويأتي رد المسؤول بكل أريحيّة وشفافيّة - طالما تيقّن بأنّ هذا السؤال ليس من إطار منظومة أعماله وصلاحيّاته المعهودة، والتي هي الأخرى لا يمكن لنا أن نحددها بإطار معين-: "هذا الموضوع ليس من اختصاصنا، فهو من اختصاص الجهة الفلانية" ليتبع تلك الإجابة صمت مريب يحمل في طيّاته الكثير من علامات الاستفهام أمام الجمهور، معتبرا بذلك أنّه قد برّأ ذمته، وأن الطرح بعيد عن مسؤولياته ولا يليق بكم أيّها الحاضرون طرحه علينا اليوم، أو مناقشتنا فيه.

وحقيقة الأمر لو تعمقنا أكثر لوجدنا أنّ جميع القضايا والتحديات والعوائق التي أضعفت من إنتاجية اقتصادنا العماني في السنوات الأخيرة سببها عدم المتابعة الفورية من المسؤول الأعلى، أو انشغاله بأعمال وتكاليف ومهام جهات عدة، ومن الصعب عليه متابعة كل هذه الجهات بحذافيرها؛ ليتمكّن من اتخاذ قرارات عاجلة في المكان المناسب والتوقيت المناسب، وهناك أيضا تلك التحديات المتعلقة بثقافة الموظف الحكومي، فلطالما صدرت قوانين ومستجدات يعلم بها المسؤول وغير واع بها الموظف الآخر؛ مع العلم أنه هو من يستقبل المراجع، وغالبًا ما يكون غياب الوعي بواقع الاستثمار ومستجداته لدى الموظف الحكومي بالجهات المعنية أحد أهم أسباب عرقلة إجراءات المراجع، والتي تؤدي إلى أن يقف المشروع مُعلّقا ومتعثرا بين مختلف الدوائر الحكومية وبلا فائدة تذكر حتى يصيب ذاك الشخص نوع من اليأس والإحباط نتيجة كل هذه التحديات؛ فيتخذ قراره إمّا بالتراجع عن المشروع وشتراء راحة باله أو التوجّه لأي فرص استثمارية أخرى بدول الجوار طالما أنها تقدر فكره وعمله وتختصر له الوقت وتعقيدات الإجراءات وبطء التنفيذ.

لابد أن يعي صانع القرار، بأنّه صاحب المسؤولية الأكبر في حل هذه التحديات بفكره وقيادته وإدارته وعمله على ربط كل ما يتعلق بمؤسسته بالجهات المعنية الأخرى ذات العلاقة بتعثر المشاريع التي يعنى بها قطاعه لزيادة مساهمته في الدخل القومي، ولا يمكن أن يقف موقف المتفرج وكأنّه "صفر اليدين" ولديه حلول ومخارج أخرى للخروج من هذا النفق المظلم الذي طال الصمت عليه وطفح الكيل.

اليوم أنت كــ "صانع قرار" سواء كنت بجهة حكوميّة أو خاصة؛ قادر على أن تكون حلقة وصل بين جهتك والجهات المعنية الأخرى التي لها علاقة بحل التحديات أمام كل مستثمر من المستثمرين سواء العمانيين أو الأجانب؛ فقط بادر بالجلوس على "طاولة حوار بشفافية" تطرح فيها مختلف التحديات والعوائق التي تقف أمام جذب المزيد من المستثمرين.. لابد أن نضع "الوطن والمواطن" نصب أعيننا؛ ضاربين بالخلافات الشخصية أو العملية الأخرى عُرض الحائط.. فعمان وقائدها ينتظر منّا ومنكم المزيد في ظل أمواج الأوضاع الاقتصادية المتلاطمة.

تعليق عبر الفيس بوك