الجيش السوري يطرد "داعش" من تدمر بدعم جوي روسي مكثف

بوتين يهنئ الأسد ويتعهد بمواصلة دعم دمشق في مواجهة الإرهاب

بيروت - رويترز

طردتْ القوات الحكومية السورية مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة تدمر، أمس، بدعم جوي روسي مكثف، فيما وصفها الجيش بأنها "ضربة قاصمة" للمتشددين الذين سيطروا على المدينة الأثرية العام الماضي ونسفوا معابدها القديمة. ويمثل فقدان السيطرة على تدمر إحدى أكبر الانتكاسات للتنظيم منذ أن أعلن الخلافة عام 2014 في مساحات واسعة من سوريا والعراق.

وقالت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية -في بيان- إنَّ قواتها سيطرت على المدينة بدعم من ضربات جوية روسية وسورية؛ مما يفتح الطريق أمام جزء كبير من الصحراء المؤدية شرقا إلى محافظتي الرقة ودير الزور معقلي التنظيم المتشدد. وأضافت أن تدمر ستكون "قاعدة ارتكاز لتوسيع العمليات العسكرية" ضد التنظيم في المحافظتين متعهدة "بتضييق الخناق على إرهابيي التنظيم وقطع خطوط إمدادهم.. وصولا إلى استعادتها بالكامل وإنهاء الوجود الإرهابي فيها".

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنَّ الاشتباكات ما زالت مستمرة على الطرف الشرقي لتدمر وحول السجن وداخل المطار، لكن معظم مقاتلي التنظيم انسحبوا باتجاه الشرق تاركين تدمر تحت سيطرة القوات السورية. وقالت وكالة أعماق للأنباء المقربة من الدولة الإسلامية دون أن تقدم تفاصيل إن مقاتلي التنظيم نفذوا تفجيرين انتحاريين ضد القوات الحكومية في غرب تدمر.

وبث التليفزيون السوري لقطات صورت من داخل المدينة أمس وظهرت فيها شوارع مهجورة إلى حد بعيد وعدة مبان متضررة بشدة. ونقل التليفزيون عن مصدر عسكري قوله إن طائرات سورية وروسية كانت تستهدف مقاتلي التنظيم المتشدد لدى فرارهم وأصابت عشرات السيارات على الطرق المتجهة شرقا من المدينة.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أمس، إنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هنأ الرئيس السوري بشار الأسد باستعادة مدينة تدمر. ونقلت وكالة تاس للأنباء عن بيسكوف قوله "ثمّن الأسد غاليا المساعدة التي قدمتها القوات الجوية الروسية وأوضح أن مثل هذا النجاح في استعادة تدمر كان مستحيلا دون مساعدة روسيا."

ونقلت وكالة تاس عن بيسكوف قوله إن بوتين أخبر الأسد بأن روسيا ستواصل دعم دمشق في محاربة الإرهابيين. وأضاف أن بوتين تحدث أيضا مع إيرينا بوكوفا مديرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) أمس وقال إن روسيا ستساعد في إزالة الألغام في تدمر.

ونقل التليفزيون السوري عن الأسد قوله لبوتين إن الدعم الجوي الروسي وتصميم القوات المسلحة السورية كانا وراء النجاح في استعادة تدمر. ونقل التليفزيون عنه قوله "تدمر تهدمت أكثر من مرة عبر القرون ومثلما تم ترميمها سابقا سنعيد ترميمها من جديد كي تبقى كنزا وإرثا حضاريا للعالم". وأمر بوتين في وقت سابق هذا الشهر بسحب معظم القوة الروسية المنتشرة في سوريا بعد خمسة أشهر من الضربات الجوية التي قال الكرملين إنها حققت معظم أهدافها. لكن بوتين قال فيما بعد إن روسيا قد تزيد وجودها العسكري في سوريا من جديد في غضون ساعات وإنها ستواصل قصف الجماعات الإرهابية هناك رغم السحب الجزئي لقوتها.

وقلب التدخل الروسي في مجريات الحرب السورية الموازين لصالح الرئيس السوري بشار الأسد. وبرغم إعلان موسكو سحب معظم قواتها العسكرية قبل أسبوعين، فإن المقاتلات وطائرات الهليكوبتر الروسية واصلت شن عشرات الغارات الجوية يوميا على تدمر مع بدء حملة الجيش. وجاء في بيان الجيش السوري "إحكام السيطرة على مدينة تدمر يشكل ضربة قاصمة لتنظيم داعش الإرهابي ويؤسس لانهيار كبير في معنويات مرتزقته ولبداية اندحاره وتقهقره".

وفي إشارة إلى الولايات المتحدة التي تشن حملة قصف منفصلة مع دول غربية وعربية ضد الدولة الإسلامية في سوريا والعراق منذ 2014، قال بيان الجيش إن مكاسبه تظهر أن الجيش السوري "والأصدقاء" هم القوة الوحيدة القادرة على مكافحة الإرهاب واجتثاثه.

وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري إن 400 من مقاتلي الدولة الإسلامية قتلوا في معركة تدمر التي وصفها بأنها أكبر هزيمة تلحق بالتنظيم منذ أن أعلن الخلافة قبل عامين. وتأتي خسارة تدمر بعد ثلاثة أشهر من طرد مقاتلي التنظيم من مدينة الرمادي العراقية في أول انتصار كبير للجيش العراقي منذ انهياره أمام هجوم المتشددين في يونيو 2014.

وخسر تنظيم الدولة الإسلامية بعض الأراضي أيضا في أماكن أخرى منها مدينة تكريت العراقية العام الماضي وبلدة الشدادي السورية في فبراير. وقالت الولايات المتحدة إن سقوط الشدادي جاء ضمن جهود لقطع صلات التنظيم بمركزي القوة الرئيسيين له وهما مدينة الموصل العراقية ومدينة الرقة السورية. وقالت الولايات المتحدة يوم الجمعة إنها تعتقد أنها قتلت عددا من كبار مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية منهم عبد الرحمن القادولي الذي يوصف بأنه أكبر مسؤول مالي في التنظيم ومساعد لقائده أبو بكر البغدادي.

وتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة جناح تنظيم القاعدة في سوريا مستبعدان من اتفاق لوقف العمليات القتالية بدأ سريانه منذ شهر في سوريا وأحدث هدوءا نسبيا في القتال بين قوات الحكومة والمعارضة في غرب البلاد.

وأتاحت الهدنة المحدودة الفرصة لاستئناف محادثات السلام في الأمم المتحدة في جنيف برعاية واشنطن وموسكو. لكن التقدم في المحادثات بطيء بسبب خلافات عميقة بين الحكومة والمعارضة بشأن التحول السياسي المحتمل وخاصة بشأن ما إذا كان الأسد سيترك السلطة. وسيعود وفد الحكومة التي تعتبر محاربة الإرهاب هي أولويتها الأولى إلى المحادثات الشهر المقبل مدعومة بمكاسبها على أرض المعركة.

ونقل التليفزيون السوري عن الرئيس بشار الأسد قوله لوفد فرنسي زائر يضم برلمانيين "تحرير مدينة تدمر دليل جديد على نجاعة الإستراتيجية التي ينتهجها الجيش السوري وحلفاؤه في الحرب على الإرهاب". وقال المرصد إن نحو 180 من جنود الحكومة والمقاتلين الحلفاء لها قتلوا كذلك في الحملة لاستعادة تدمر. وتضم تدمر بعضا من أهم آثار الإمبراطورية الرومانية. ونسف مقاتلو التنظيم العديد من آثار تدمر العام الماضي وبث التليفزيون السوري لقطات من داخل متحف تدمر يوم الأحد وظهرت فيها تماثيل مقلوبة ومتضررة وكذلك صناديق عرض مهشمة. لكن مأمون عبد الكريم مدير عام الآثار والمتاحف في سوريا قال إن مواقع أثرية أخرى ما زالت قائمة وتعهد بإعادة الآثار المتضررة إلى سابق عهدها فضلا عن استعادة ما نهب منها. وأضاف لرويترز أمس "تدمر أصبحت محررة. هذا نهاية التدمير في مدينة تدمر. كم مرة بكينا على تدمر وكم مرة شعرنا باليأس. ولكن لم نفقد الأمل".

تعليق عبر الفيس بوك