من وحي انتخابات جمعيّة الكتّاب والأدباء

د. محمد العريمي

أيّام قليلة ويحل موعد استحقاق ثقافيّ محلي مهم ألا وهو انتخابات الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء واختيار مجلس إدارة جديد يخلف المجلس السابق ويكمل أعماله وإنجازاته، ومع كلّ تقديري وامتناني للجهود السابقة من قبل مجالس الإدارة المتواليّة، وتقديري كذلك للقائمتين المتنافستين حالياً، واعتزازي برموزها الفكريّة العالية إلا أنني أجدها مناسبة لإعادة طرح تساؤلاتي السابقة المتعلّقة بآليّة عمل الجمعيّة وغيرها من الجمعيّات الفكريّة المشابهة، فهل ينبغي أن يقتصر عمل هذه الجمعيّات على تقديم الجرعات الفكريّة المتعلّقة باختصاصها المعرفيّ أم أنّها كيان أوسع وأشمل من ذلك! بمعنى هل يقتصر دور جمعيّة الكتّاب والأدباء مثلاً على إقامة الندوات والمؤتمرات وأوراق العمل وطباعة بعض الإصدارات، وجمعيّة المسرح على تنظيم الفعاليات المسرحيّة، والورش التدريبيّة، وجلسات النقد المسرحي وغيرها من الأنشطة ذات الصلة، أم أنّ لها أدوارا اجتماعيّة متعدّدة تتجاوز الأعمال السابقة وحدها؟!

أوليست الجمعيّات بشكل عام سواء كانت فكريّة أم مهنيّة عبارة عن كيانات تضم مجموعة من الأفراد يتوافقون فكريّاً أو وظيفيّاً أو عمريّاً، أو اجتماعيّاً، أو أيّاً كان مصدر التوافق، تسعى لتحقيق أغراض معيّنة، وتوفير خدمات مختلفة قد لا توفّرها لهم تجمّعات أو كيانات أخرى، وبالتالي تكون بمثابة الحاضن لهم، المدافع عن حقوقهم، المقرّب لأفكارهم، المحقّق لجزء من طموحاتهم؟!

أوليست هناك مطالب اجتماعيّة، وقانونيّة، وترفيهيّة، ومهنيّة ينبغي أن تقدّمها هذه الكيانات لأعضائها؟ فهل لديها مثلاً مستشارون قانونيّون يقومون بمتابعة الأوضاع القانونيّة لأنشطتها، والترافع عنها أو عن أعضائها في حالة الحاجة إلى ذلك خاصّة وأن بعضها يكون أعضاؤها معرّضين للمساءلة القانونيّة في حالة ما لو شطح قلمهم أو فكرهم أو أدواتهم يميناً أو يساراً بحكم تعاملهم مع قضايا فكريّة محلّيّة أم عالميّة حسّاسة؟ وهل تقدّم هذه الكيانات كذلك الجرعات التدريبيّة والإنمائيّة التي تعزّز من قدرات وخبرات ومهارات وإمكانات العضو في مجال إبداعه؟ أو السعي لحصوله على منح تدريبيّة أو تقنيّة أسوة بشرائح مجتمعيّة أخرى كالحصول مثلاً على تخفيضات معيّنة عند الرغبة في صقل مهاراته اللغويّة، وتعلم لغات أخرى، أو الحصول على أجهزة أو أدوات تكنولوجيّة قد تعينه على أداء رسالته! وهل تسعى إلى إيجاد بيئة اجتماعيّة وترفيهيّة مناسبة من خلال توافر الإمكانات الترفيهيّة التي تجعل العضو يحرص على ارتياد مبنى الجمعيّة أو النادي بشكل مستمر، والاقتراب أكثر وأكثر من بقيّة الأعضاء، وهل تحرص هذه الكيانات على توفير الأنشطة الاجتماعيّة كالمطعم والكافتيريا والحديقة وصالة الألعاب وغيرها، إضافة إلى الأنشطة الاجتماعيّة الموسميّة كرحلات الصيف، وحفلات الغداء والعشاء والإفطار الجماعي، والرحلات الخارجيّة المدعومة، ناهيك عن بعض التسهيلات التي يمكن للجمعيّة أنّ تحصل عليها لأعضائها كخدمات الشراء بالتقسيط من بعض المحلات، وخدمات العلاج المخفّض في بعض المؤسسات الصحيّة الخاصّة، بل والتفكير في خدمات اجتماعيّة أكثر ديمومة واستمراريّة كالحصول على قطع سكنيّة أو شقق إسكانيّة بأسعار تشجيعيّة!

وهل يمكن أن تتطوّر هذه الخدمات الاجتماعية أكثر وأكثر لتصل إلى مرحلة توفير الأمان الاجتماعي للعضو في بعض الحالات الاستثنائيّة كالانقطاع عن العمل، أو العجز عن مزاولته، أو التقاعد، أو الوفاة، ومطلب كهذا هو أساس مهم في عمل كثير من النقابات والجمعيّات على مستوى العالم.

ومع أنني مؤمن تماماً بأنّ مثل هذه الجمعيات أو التجمّعات المرخّص لها هي كيانات اجتماعيّة أكثر من كونها كيانات فكريّة أو مهنيّة متخصّصة، إلا أنّ واقع الحال يختلف عن ذلك كثيراً، فعند اطلاعي مثلاً على أهداف الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء لم أجد ما يشير إلى البعد الاجتماعي في أهدافها أو آليّة عملها، وجلّها يتركّز حول الإسهام في الحركة الأدبية والفكرية في سلطنة عمان، ودعم حرية الفكر وتشجيع لغة الحوار، وتشجيع الناشئة، وإقامة الندوات والمحاضرات والأمسيات والمسابقات والمناسبات الثقافية، وإصدار المطبوعات والمجلات متخصصة والنشرات الدورية، وتبادل المعلومات والمؤلفات مع الجمعيات المتخصصة في شؤون الثقافة والأدب والمعرفة، وإقامة البرامج التدريبية وحلقات العمل، وتنظيم الفعاليات في المجالات الأدبيّة المختلفة، والمشاركة في المؤتمرات والندوات الفكرية والأدبية داخل السلطنة وخارجها، وغيرها من الأهداف المشابهة، وقد أجد ذات الأهداف مع تغيير المسمّيات التخصّصيّة لو اطّلعت على أهداف الجمعيّات الفكريّة الأخرى! وهي أهداف قد تسعى لتحقيقها جهات حكوميّة أنشئت لذات الغرض، فوزارة التراث والثقافة مثلاً أو المنتدى الأدبي تقوم بذات الأنشطة الفكريّة فأين الخصوصيّة في عمل الكيانات الفكريّة المجتمعيّة هنا!

وهنا أعيد طرح ذات السؤال الخالد: لماذا يقوم العضو بدفع رسم الاشتراك السنوي لتجديد عضويته؟ وما الخدمات التي يحصل عليها مقابل دفعه لتلك الرسوم؟! أوليس الأصل أن تكون هناك خدمة مقابل رسم؟! فالعضو لا ينضم لهذه الجمعيّة أو تلك من أجل حضور فعالية أيّاً كانت قامة من سيقدّمها، ولم يشترك فيها لأجل الاستماع إلى محاضرة أيّا كان عنوانها، أو حضور عرض مسرحيّ أو فنّيّ أيّاً كان أبطاله. كل هذه الأشياء يمكن له أن يحصل عليها بضغطة زر على أقرب جهاز معلوماتي حديث، أو أن يحضرها كما يفعل الآخرون من غير الأعضاء. الأصل في الانضمام هو البحث عن كيان يضمّه ويشعر بذاته فيه، ويحقّق له خدمات تسهم في تغيير حياته إلى الأفضل وقد لا تتحقق لآخرين لا يشاركونه نفس العضوية.

كشخص أجد نفسي قريباً فكريّاً من الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء أتمنّى صادقاً من الراغبين في تحمّل أعباء إدارة كيان فكريّ مهمّ كهذا أن يسعوا جاهدين إلى إعادة النظر في النّشاط الاجتماعي أكثر من مجرّد التركيز في أهداف ثقافيّة فضفاضة من قبيل حرّيّة الرأي والتعبير، والانطلاق نحو آفاق واسعة من العمل الثقافي، وفتح النوافذ على الآخر، وغيرها، لأنّ النشاط الاجتماعي كفيل بعودة الكثيرين إلى أحضان الجمعيّة بحيث لا تقتصر علاقتهم بالمبنى على حضور الفعاليّات فقط، بل تتعداها للحضور اليومي للجلوس مع هذا، أو ممارسة ذلك النشاط، أو ارتياد ذلك المرفق، وبالتالي مزيدًا من التقارب والتآلف، والحوار، والنقاش الذي يقرّب الأفكار، ويصنع المستقبل بالنسبة للكيان. أتمنّى كذلك التركيز عند الرغبة في دخول معمعة الانتخابات على اختيار الأعضاء ذوي العلاقات المجتمعيّة الواسعة أكثر من التركيز على القامات الفكريّة الكبيرة، فعمل الإدارات هو إداري بحت يتركّز في تقديم الخدمات وتوفيرها لا مجرّد صنع الأنشطة الفكريّة التي قد يقوم بها آخرون في سياق برامج معد لها سلفاً. أتمنّى كذلك مراجعة آليّة ضمّ الأعضاء وانتسابهم للجمعيّة، فهل لدينا تعريف دقيق ومناسب للكاتب أو الأديب! وهل كل من كتب مقالاً هنا أو هناك أو حضر فعاليّة معيّنة يصبح في يوم وليلة أديباً وكاتباً! أتمنّى كذلك مراجعة الإطار القانوني الخاص بتنظيم عمل الجمعيّة، بحيث لا يتم تجاوز بند قانونيّ ما لمجرّد حسن النيّة، فلا يعقل طباعة عمل ما لشخص هو ليس عضواً في الجمعيّة، أو لا تنطبق عليه شروط عضويّتها، أو أن أطبع لذات الشخص في كلّ عام، أو أن أطبع أعمالاً لأشخاص تجاوزوا مرحلة التشجيع والمساندة وأصبحوا يمتلكون قنوات ومنافذ يمكن لهم من خلالها إخراج أعمالهم إلى النور، ويمكن تجاوز ذلك من خلال تنظيم مسابقة فكريّة سنوية في المجالات المختلفة يشرف عليها مختصون في كلّ جانب على أن تتم طباعة الأعمال الفائزة وحدها.

وهنا أسجّل إعجابي وتقديري ببعض الأهداف والأفكار التي اطّلعت عليها في سياق متابعتي لاستعدادات القائمتين المتنافستين على إدارة الجمعيّة، كـ"تنظيم عضوية الجمعية، ومراجعتها بما يعزز مكانة عضو الجمعية في المجتمع، والتواصل مع الجهات الحكومية والخاصة لإعطاء مزايا أوسع لعضو الجمعية، أو تقديم خدمات أو تخفيض رسوم وما إلى ذلك حسب الممكن والمستطاع".

 

 

تعليق عبر الفيس بوك