تكريم المتفوّقين دراسيًا

عيسى الرواحي

انطلاقًا من أهميّة التعزيز ودوره في العملية التعليميّة تدأب أغلب المدارس إن لم يكن أجمعها على تكريم طلابها المتفوقين دراسيًا أو ما يطلق عليهم "الطلاب المجيدون" وذلك بعد ظهور نتائج كل فصل دراسي، وخاصة نتائج الفصل الدراسي الأول، أمّا نتائج الفصل الدراسي الثاني أو نتائج الدور الأول فكثير من المدارس لا تكرم طلابها حيث إنّ الطلاب بعدها سيقضون إجازة العام الدراسي، فيما تقوم مدارس أخرى بهذا التكريم مطلع العام الدراسي الجديد.

وتختلف طرق ومعايير تكريم المتفوقين من مدرسة إلى أخرى، فهناك من المدارس من تكرم أوائل الطلبة أو أصحاب المراكز الثلاثة الأولى من كل فصل دراسي أو صف دراسي دون النظر إلى نتائج بقية الطلاب من غير المراكز الثلاثة، ودون النظر إلى النتائج التي حققها أصحاب هذه المراكز، فهم يكرمون بناءً على تفوقهم على أقرانهم في الشعبة الدراسية أو الصف الدراسي، وليس بالضرورة أن يكون بناءً على تفوقهم الدراسي وارتفاع معدلاتهم الدراسية، وهذه الطريقة رغم اتباعها في كثير من المدارس فإنّ بها ـ حسب وجهة نظري ـ كثيرًا من التحفظ وبحاجة إلى إعادة نظر؛ فهي ليست الطريقة المثالية في التعزيز، ولا تحقق العدالة بين الطلاب في تكريمهم، كما أنها قد تثير جوا من التشاحن بين الأقران داخل الفصل الواحد.

ففي الفصل الذي يكثر فيه المتفوقون ويزيد التنافس فيما بينهم، فإنه لن يكرم سوى ثلاثة منهم فقط مهما كانت درجات بقية المتفوقين مرتفعة، وفي فصول أخرى قد يكرم طلاب ليسوا في حقيقتهم متفوقين من حيث النتائج، وإنما جاء تكريمهم بناء على كون درجاتهم أفضل من درجات أقرانهم الآخرين فهم أفضل الضعاف أو متوسطي المستوى الدراسي، وهذا يعني أنّ المدرسة قد تكرّم طلابا ربما تكون نسبتهم العامة 70% أو أقل من ذلك في بعض الفصول، وقد تحرم طلابًا من التكريم في فصول أخرى قد تصل نسبتهم 85% أو أكثر من ذلك، وهذا ما عايشته بنفسي في أكثر من مدرسة، وقد أبلغني به أحد الأساتذة الزملاء بأنّه تفاجأ بوجوه تكرم في حفل تكريم المتفوقين رغم علمه بأنّهم لا يرقون إلى مستوى التكريم، وإنّما كرموا كونهم في فصل كله ضعاف المستوى، وهذا ما أصاب أحد أولياء الأمور بالصدمة حينما تفاجأ برسوب ابنه في فصل دراسي وكان في الفصل الذي سبقه من بين المكرمين.

إنّ هذه الطريقة التي تقصر التكريم على العدد بتحديد ثلاثة طلاب في أغلب الأحيان من كل فصل دون النظر إلى معدلاتهم يعني أنّها تكرم بطريقة الكم دون الكيف، كما أنّها لا تعطي قراءة حقيقية عن مستويات المتفوقين بالمدرسة، وعليه فإنني كما أشرت آنفا بحاجة إلى إعادة النظر من قبل المدارس التي تتبناها؛ للأسباب التي أوردتها.

أمّا الطريقة الأنسب والأحق بالاتباع حسب وجهة نظري وما يتفق معها كثير ممن استطلعنا آراءهم بأن يكون التكريم حسب الدرجات والمعدلات العامة دون النظر إلى ترتيب الطالب على الفصل، ففي حال كانت درجاته مرتفعة فترتيبه على الفصل سيأتي نتيجة طبيعية لمستواه الدراسي.

وهذه الطريقة على سبيل المثال تحدد أن يكون التكريم لجميع الصفوف الدراسية بدءًا من حصول الطالب على معدل 85% فأعلى أو 90 % فأعلى وعلى ضوء هذه النسبة المحددة يقسم الطلاب إلى مستويات كالمستوى الأول والمستوى الثاني والمستوى الثالث، وكل مستوى يتفاوت بين معدلين محددين، فلو افترضنا أن تكرم مدرسة ما طلابها بدءًا من نسبة 85% فأعلى، وأرادت تقسيمهم إلى ثلاثة مستويات فهذا يعني أنّ المستوى الأول بين (95-100%) والمستوى الثاني بين ( 90-94%) والمستوى الثالث بين (85-89%) ويمكن تحديد المراكز داخل المستوى الواحد.

وربما تقصر المدرسة التكريم على نسبة 90% فأعلى وعلى ضوء هذه النسبة يتم تحديد مراكز الطلاب.

إنّ التكريم بهذه الطريقة يعني أنّه سيقصر على المتفوقين فقط مهما قل أو كثر عددهم، فهو تكريم حسب الكيف لا الكم، إذ ليس محكومًا بعدد محدد، فقد تكرم المدرسة عددًا كبيرًا من الطلاب، كونهم يستحقون التكريم، وقد تكرّم عددًا قليلا فقط كون هذا العدد القليل هو المستحق فقط للتكريم، وهذا يعني أيضا أنّ عدد المكرمين يتفاوت من صف لآخر ومن فصل إلى فصل، فقد تجد في صف مثلا سبعة طلاب، وقد لا تجد في صف آخر أي طالب من المكرّمين، وهذا بدوره يقلل كثيرا من التشاحن أو التنافس غير المحمود بين الطلاب داخل الفصل الواحد، لأنّ التكريم مرهون بنتيجة الطالب فقط ولا علاقة له بنتيجة زميله، بينما في الطريقة الأولى فإنّ نتيجة زميله تعنيه كثيرا في شأن تكريمه من عدمه، كما أنّ الطريقة التي تكرم الطلاب حسب المستويات تعطي إدارة المدرسة ومعلميهما قراءات دقيقة عن مستويات الطلاب والمستويات العامة للفصول الدراسية.

وسواء كان التكريم بالطريقة الأولى أم الطريقة الثانية فإنني أرى أن يقصر على المواد الأساسيّة دون مواد المهارات الفردية؛ لأنّ الطالب يعلم أنّ مواد المهارات الفردية من الخامس إلى العاشر لا تؤثر على انتقاله إلى الصف الآخر، وهذا بدوره يؤثر على اهتمام الطالب بها، كما يؤثر على دقة وضعها للطالب عند كثير من معلمي هذه المواد.

وفيما يتعلّق بالمخصصات المالية في هذا الجانب فإنه ترصد مائة ريال فقط لتكريم المجيدين من مجمل السلفة المالية المخصصة لكل مدرسة في كل فصل دراسي، وهذا المبلغ وحده ـ حسب وجهة نظري ـ غير كافٍ، لاحتفالية وتكريم يليق بطلبة العلم المتفوقين دراسيا، الذين يعتبرون صفوة الطلاب وثروة المستقبل أكثر من أقرانهم، ولذا فإنّ من الأهميّة أن ترفع نسبة التخصيص المالي لتكريم المجيدين من السلفة المالية، أو تعزيز هذا المبلغ من أرباح الجمعية التعاونيّة من بند الأنشطة التربوية أو بطرق أخرى مناسبة، وأيا كانت قيمة الجائزة التي ينالها المتفوق فإنّ من الأهمية بمكان أن تكون هناك جائزة معنوية كشهادة تقدير تكون ذكرى طيبة في سجل هذا الطالب... وللحديث بقيّة في مقالنا القادم بإذن الله تعالى.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك