دلال درويش: العمل التطوعي من أهم مظاهر تحضر المجتمعات.. واللاجئون في حاجة لكل مساعدة

فضلت مساعدة المهاجرين في مخيمات اليونان على طموحها الوظيفي

فضّلت دلال محمد حسن حيدر درويش، 35 سنة، المشاركة بوقتها ومجهودها في الأعمال التطوعية على الاكتفاء بطموحها المهني فقط، حتى بلغ حبها لمساعدة الآخرين وتقديم الاستشارات الاجتماعية لكل من يحتاجها إلى حد طلبها إجازة دون مرتب من وظيفتها حتى تتفرغ كليا للعمل التطوعي وخدمة اللاجئين والمهاجرين في المخيّمات باليونان على الرغم من عدم وجود رباط مباشر بين تخصصها الجامعي والمجال الذي وجدت نفسها فيه، فقد درست دلال علم الأحياء بالجامعة اللبنانية الأمريكية وعملت بعد التخرج في شركة أدوية عالمية كمندوبة أدوية وتركت العمل بعد عام، كما عملت في مجال استشارات الهندسة البيئية بشركة عمانيّة، قبل أن تتجه بكل أفكارها وحواسها لخدمة المهاجرين الذين حرمتهم الصراعات السياسية والعسكرية من الشعور بالأمان في بلدانهم.

الرؤية - محمد قنات

تصوير/ راشد الكندي

وتقول دلال درويش عن الأشهر الثلاثة الأولى من عملها كمستشارة للهندسة البيئية بإحدى الشركات العمانية إنّها وجدت في نفسها ميلا لمجال استشارات التنمية الاجتماعية، وتضيف: اكتشفت أن لديّ حب التعامل مع الآخرين والتحاور معهم، وساهم عملي لأربع سنوات في زيادة خبرتي وانتقلت بعدها إلى شركة عالمية اخرى منذ العام 2008 وحتى الآن كمستشارة تنمية اجتماعية وعملت على مشاريع معروفة في السلطنة منها مشروع ميناء السلطان قابوس.

وحول موقفها من هذا المجال الاجتماعي بعد سنوات من العمل فيه، تقول دلال: أشعر بالارتياح لأنّ هذا المجال أتاح لي فرصة التعامل مع المجتمع بصورة مباشرة في شكل استشارات وتقديم حلول لأصحاب المشاريع، لكن من بينهم من لا يحرص على اتباع خطوات تلك الحلول بدقة مما يشعرني أحيانًا أنّ عملي لم يكتمل، ومعظم الاستشارات تكون على شكل خطط مقدمة لأصحاب الفنادق والمحلات التجاريّة التي ستكون بالقرب من المشروع الرئيسي. وقد أكسبني عملي في هذا المجال لأكثر من 12 سنة مهارت التعامل بصورة جيدة وجعلني قريبة من المجتمع وقادرة على تفهم قضاياه والمساهمة بطرح الحلول.

وتضيف دلال: تقدمت لطلب إجازة دون راتب من الشركة أواخر العام الماضي، وخلال هذه الفترة زارتني صديقتي من اليونان، وكانت تقيم في عمان وتعمل في شركة أخرى، وأخبرتني أنّها تعمل كمتطوعة في إحدى جزر اليونان وتقدم المساعدات للاجئين الذين يعبرون البحر ويصلون شواطئ اليونان وهم في حالة إنسانيّة صعبة ودون مأوى وحكت لي قصصاً مأساوية، وفكرت أن أقدم مساعداتي من باب الإنسانيّة في فترة إجازتي وذهبت إلى اليونان ولم أعرف كم سأظل بها وعندما وصلت زاد حبي للعمل التطوعي خاصة وأنّ المساعدات تقدم فعلاً للأشخاص الذين يستحقونها.

ظروف لجوء صعبة

وأوضحت دلال أنّ اللاجئين على شواطئ اليونان معظمهم من السوريين والعراقيين والأفغان إلى جانب مهاجرين من دول شمال إفريقيا إضافة إلى باكستان وإيران، وهم إمّا أن يأخذوا حق اللجوء في اليونان أو أن يعودوا إلى بلدانهم لأنّ أوروبا لا تعترف بجميع الجنسيات في حق اللجوء حاليًا سوى للسوريين والعراقيين والأفغان الذين يعبرون بهدف الوصول إلى ألمانيا التي أبدت استعدادها لاستقبالهم في ظروف أفضل، ومن بين هولاء اللاجئين توجد شريحة ليست على قدر كافِ من التعليم ولا يعرفون أي دولة أخرى سوى ألمانيا في أوروبا، وخلال آخر شهرين قررت عدد من الدول الأروربية عدم السماح للأفغان بحق اللجوء إليها، فبات الاختيار أمامهم، إمّا أن ينالوا اللجوء في اليونان التي تعاني ظروفا اقتصادية أو يعودون إلى بلادهم.

وأضافت دلال أنّ اليونان تطلب من باقي الدول الأوربية تقديم الدعم لها في ظل تلك الظروف الضاغطة، خصوصا وأن الكثير من الدول الأوربية تميل حاليا إلى إغلاق الحدود لمنع تسرب اللاجئين والمهاجرين إليها إلا من خلال برامج التنقيل والتي تعني تقديم طلبات الانتقال إلى دول عبر حدود دول الأخرى، ولا يحق للاجئين أو المهاجرين اختيار البلد الذي يمكن أن يرحلوا إليه، وإنّما عليهم فقط كتابة 4 دول مفضلة والقرار في النهاية ليس بيد اللاجئين حيث يجري ترحيل اللاجئ على حسب الدولة التى يمكن أن توفر المأوى والاستقرار له، فإذا كان للاجئ أسرة في أي دولة أوربية يمكن أن يلم الشمل عن طريق هذا البرنامج، واستدركت أنّ هذه البرامج جميعها تستغرق وقتاً طويلاً يتراوح بين 6 إلى 8 أشهر.

الأوضاع في المخيمات

وعن طبيعة الأوضاع في المخيّمات، تقول دلال إنّها غير جيّدة في الغالب وعبارة عن خيام من القماش وغير دافئة وتفتقر إلى مقوّمات العيش وغير مجهزة بكافة الخدمات ولا تقي اللاجئين من الأمطار خاصة الأطفال الذين يصابون بالالتهاب من جراء تلك الأجواء وأكثرها أمراض البرد فضلا عن عدم النظافة ونقص التغذية، ولا توجد بالمخيّمات سوى حمامات مؤقتة، ويحتاج اللاجئون على الدوام إلى البطاطين والأدوية والشعور بالأمان في مخيّمات لا يمكن إغلاقها على الأفراد حتى وإن كان من بينهم نساء وأطفال في انتظار الوصول إلى الأزواج والآباء، كما توجد حوادث سرقة تعبر عن غريزة الصراع من أجل البقاء حتى في تلك الظروف السيئة على الجميع، لافتة إلى أنّ شخصية الإنسان معرضة للتغير في ظل الظروف الضاغطة التي قد تجبره على ارتكاب أفعال لم يفكر فيها يوما، حتى ولو اضطرت الأم إلى أن تخطف لقمة العيش من آخرين لأجل إطعام أطفالها، وهي مواقف نشعر أمامها بالعجز ولا نملك إلا التعاطف الإنساني.

وأضافت دلال أنّ السوريين والعراقيين قد يضطرون إلى المشي على مدار 7 أيام من أجل الوصول إلى تركيا، أو يركبون سيارات التهريب للوصول إلى المناطق الجبلية الحدودية ويغامرون بسلامة أطفالهم ونسائهم حتي يصلوا إلى الساحل الغربي من تركيا عن طريق التعامل مع مهربين وغالباً ما يكونون أتراكا أو سوريين ومن بينهم من هو صادق في وعده وبعضهم مجرد نصابين لا يهمهم إلا جمع الأموال من المضطرين للهروب، حيث يدفع كل لاجئ 1500 دولار حتى يعبر بحر إيجه، وقبل ذلك عليه الانتظار في منازل مخصصة لهذا الغرض، أو ينتظرون في غابة على الساحل التركي لليلة أو ليلتين حتى يعود المهرب ويأمرهم بالتحرك ليلاً ويركبون قارب "البلم" المطاطي المصمم لحمل 15 أو 17 شخصًا على الأكثر، لكن المهرّبين يجبرون أضعاف هذا العدد على الركوب والمغامرة بحياتهم، وهو ما حدث بالفعل أكثر من مرة بغرق الكثير من اللاجئين، ويواجهون الموت الذي فروا منه في بلدانهم. وانتقدت دلال غياب دور حكومات الدول التي جاء منها اللاجئون وعدم توفير الحماية لهم في بلدانهم مما يضطرهم إلى البحث عن طوق نجاة في عرض البحر.

ثقافة العمل التطوعي

وتقول دلال درويش إنّ العمل التطوعي بمثابة عتبة الدخول إلى عوالم الفضيلة والإحسان، لكن البشر بطبيعتهم يحبون الراحة، لكنني أنفق من راحتي من أجل راحة غيري، ورغم ذلك لا أقدم إلا مساعدة بسيطة لخدمة هؤلاء المعذبين، مشيرة إلى أنّ العمل التطوعي ثقافة تعكس مدى حب الإنسان لمجتمعه ووطنه والشعور بآلام الآخرين. والأعمال التطوعيّة فيها من معاني التكاتف والمودة والرحمة ما يكفي لسعادة النفس، وانتشار ثقافة التطوع أحد مظاهر حضارة الأمم، لذلك ينبغي على كل إنسان أن يخصص ولو جزءا بسيطا من وقته للعمل التطوعي في خدمة إخوته الذين يحتاجونه في كل مكان حتى ولو كان التطوّع بكلمة يمكن أن ترفع معنوياتهم وتعيد لهم الأمل.

تعليق عبر الفيس بوك