كم عُمَر تحتاجه سياحتنا؟

ناصر الجساسي

عندما كان عُمَر الجابري في سن الخامسة عشرة من عمره، كان يصحو متلهِّفاً لرؤية شروق الشمس من بين الجبال الشامخة التي تحيط ببندر الخيران بمسقط "بحر العرب" ليشرق أمام عينيه جمال الطبيعة التي أنعم الله بها على عُمان، مُستمتعاً بأصوات الطيور والأمواج التي تُعانق مركب والده الذي يرسو على الشاطئ، مُحدثًا نفسه: "لا يجدر بك يا عمر أن تستمتع بهذا الجمال لوحدك، لا بد أن تُشرك العالم معك متعة النظر والاستمتاع بجمال وطنك وما يزخر به من جمال رباني فريد".

وفي ذات يوم، التقى عمر وفدًا سياحيًّا فرنسيًّا في منطقة الخيران؛ فطلب منه ذلك الوفد أن يأخذهم بجولة بحرية على المنطقة، وجدها عُمر فرصة سانحة لأن يُشاركه غيره المتعة في بلده، فقام واستأذن من والده بأن يسمح له بأخذ الوفد للرحلة بالمركب.

لم يكن هدف عُمر من اصطحاب ذلك الوفد للتنزه ماديًّا بقدر ما هو ترويج سياحي للمنطقة، وتعريف السائح بأخلاق العُمانيين واحترامهم لشعوب العالم؛ ففي أثناء الرحلة كان عُمر لا يفهم للكثير من حوارهم باللغة الفرنسية، واستفسارتهم عن المواقع والمناظر التي يمرون عليها، ولكنه أعجب باللغة الفرنسية وطريقة نطقهم لها.

وبعد الانتهاء من الرحلة، تقدَّم أحد أفراد الوفد إلى عُمـر، فسأله: كم أجرك على الرحلة؟ ردَّ عليه والسعادة تملأ وجهه: إن الرحلة مجانية سيدي الكريم.. تقدم الرجل وربت على كتف عُمر، وقال له: "سنعود مرة أخرى لزيارة عمان، وسندعو أصدقاءنا وعائلاتنا الفرنسية معنا، وستكون أنت من سيرافقنا في رحلتنا السياحية في عُمان...أنت نموذج مشرف لوطنك".

شعر عُمر أنَّ سعادة غامرة ملأت قلبه بعد تلك الرحلة القصيرة مع عبارات الإطراء والثناء التي انهالت عليه من ذلك الوفد الفرنسي؛ فقطع على نفسه عهداً بتعلم اللغة الفرنسية حتى يستطيع التحدث بها مستقبلاً، وأن يكون عنصراً فاعلاً في وطنه، ومن ذلك اليوم بدأ بتطوير مهاراته وقدراته في الجانب السياحي، وبعد أن أتم دبلوم التعليم العام التحق بكلية عمان للسياحة، وكان لِزاماً عليه أن يختار لغة أخرى يتعلمها بجانب اللغة الإنجليزية، فاختار اللغة الفرنسية التي لطالما حلم بتعلمها منذ الصغر، والتي أتقنها فيما بعد.

بعد أن تخرج عُمر في الكلية، لم يقف مكتوف الأيدي حتى يحصل على وظيفة تتناسب مع تخصصه، إنما عمل طاهياً ونادلاً في أحد الفنادق بمسقط، وكلما سمع عن فعالية أو نشاط يخدم الجانب السياحي عمل متطوعاً مستفيداً من المهارات التي اكتسبها خلال فترة دراسته بالكلية وقبلها.

يعمل الآن عُمر في وزارة السياحة، ولا تكاد تراه يستقر في مكان محدد، تجده كالنحلة يوزِّع هنا ابتسامة وهناك جهداً وفي المكان الآخر إنجازاً.. وفي خارج مبنى الوزارة يُرافق الأفواج السياحية القادمة من شتى أقطار العالم في السهل والجبل والبحر، تجد عُمر بين تلك الأفواج يُوضِّح لهم عاداتنا وتقاليدنا، ويشير إليهم بماضينا وحاضرنا، ويُبهرهم بالمناظر الطبيعية والخلابة التي تتمتع بها السلطنة، يأكل معهم وينام معهم وكأنه فرد منهم، حتى أصبحت تلك الوفود تعرف اسم عُمر أكثر من معرفتهم بأسماء رفاقهم.

يقول عُمـر: "لا يهم أين يكون موقعي ومكاني في العمل، المهم أين يكون موقع عمان السياحي في خارطة العالم، إنني أستمتع بعملي مهما كان، أشعر أنني أمثل السياحة في وطني، ومن الواجب أن أظهر أمام السائحين بالمظهر الذي يليق بوطني أولاً ومن ثم نفسي".

نعم.. نحتاج إلى دراسات وخطط وبرامج ومشاريع سياحية تخدم السياحة في وطننا، ولكننا بحاجة أكبر إلى أن نغرس في قلوب أبنائنا وبناتنا "حُبَّ السياحة" وكيفية استثمار هذا الحب لمستقبل عمان السياحي، نحتاج أن يكون لدى الجميع الحس الوطني للوصول بالقطاع السياحي لأعلى مستويات الرضا الداخلي والخارجي.

--------------------------

ومضة أخيرة: لن تقوم السياحة في عمان إلا بسواعد أبنائها وشبابها المخلصين، فكم عُمر تحتاجه سياحتنا؟ أعتقد جميعنا!

تعليق عبر الفيس بوك