هل تخلت الولايات المتحدة عن حلفائها في الخليج؟

صالح البلوشي

هل تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن حلفاءها في الخليج؟.. سؤالٌ مهم بات يُطرح بقوة في وسائل الإعلام الخليجية والعربية، بعد المقابلة الشهيرة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي أجرتها مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية، وأثارت تساؤلات مهمة جدًّا في المنطقة حول مستقبل العلاقات الأمريكية الخليجية، خاصة بعد الاتفاق النووي التاريخي بين إيران من جهة والدول الكبرى ومن ضمنها الولايات المتحدة من جانب آخر.

وبعيدا عن القراءات غير الموضوعية التي بدأت تنتشر في بعض وسائل الإعلام الخليجية والعربية؛ مثل: الحديث عن "تعاطف أوباما مع إيران" بسبب "أنه نشأ في بيئة شيعية بكينيا"، بزعمها حتى تطرف بعضهم الآخر في الزعم أن أوباما هو "شيعي المذهب وربما يؤمن بولاية الفقيه أيضا"! فإن المتابع لمسار الأحداث في المنطقة، خاصة بعد وصول الإدارة الأمريكية الجديدة إلى السلطة، يُلاحظ أن الولايات المتحدة تحاول دائما -قدر الإمكان- تصحيح الأخطاء الفادحة التي اُرتكبت في عهد الإدارات السابقة، خاصة فترة رئاسة الرئيس السابق جورج بوش، ومن ضمنها: التدخلات العسكرية، خاصة بعد الآثار السلبية التي تركها الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان، والتي كبدت الولايات المتحدة خسائر كبيرة جدا ماديا وبشريا؛ وبالتالي فإنها غير مستعدة لدخول مغامرات عسكرية جديدة، حتى إنها تجاهلت العديد من الدعوات الخليجية والإسرائيلية بضرب إيران عسكريا بعد قضية الأزمة النووية بين إيران من جهة والدول الكبرى؛ ومن ضمنها: الولايات المتحدة من جهة أخرى، وتركت المجال للتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي يرضي جميع الأطراف؛ مما أتاح المجال لسلطنة عمان للتدخل بين أطراف الأزمة من أجل التفاوض مباشرة؛ مما نتج عنه الاتفاق النووي الشهير في 14 يوليو من العام الماضي.

أمَّا في الأزمة السورية، فنحن نتذكر جميعا ماذا حدث بعد الاتهامات الأمريكية للحكومة السورية باستخدام السلاح الكيماوي عام 2013 في الغوطه ضد قوات "المعارضة"، فقد تحدث السفير السعودي في واشنطن في تلك الفترة عادل الجبير -وزير الخارجية الحالي- للصحافة أنَّ الولايات المتحدة جاهزة لضرب سوريا، وشعر الجميع أن مسألة بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة باتت مسألة وقت فقط، وأذكر أنَّ بعض القنوات الفضائية العربية كـ"الجزيرة" و"العربية" كانت تفرد مساحات واسعة في برامجها الإخبارية لهذا الموضوع، ودق طبول الحرب، ولكن الرئيس الأمريكي أوباما فاجأ الجميع بالإعلان أن الشعب الأمريكي يرفض التدخل في سوريا، ثم جاء رفض البرلمان البريطاني السماح لكاميرون -رئيس الوزراء- بالهجوم على سوريا؛ مما قدَّم رسالة واضحة إلى دول الخليج أنها غير مستعدة للتضحية بمصالحها وجنودها من أجل رغبتها في الإطاحة بالرئيس السوري، وأن ما حدث في العراق سنة 2003 لن يتكرر مرة أخرى، وعليها أن تعي ذلك.

المثير في تصريحات أوباما الأخيرة أنه حَمَّلَ السعودية وإيران معا مسؤولية عدم الاستقرار في المنطقة؛ فالولايات المتحدة تعلم جيدا أن المنطقة دخلت مرحلة خطيرة جدا بعد الحرب السعودية بالتحالف مع بعض الدول الخليجية والعربية على اليمن، بحجة دعم الشرعية والقضاء على النفوذ الإيراني المتمثل في حركة أنصار الله (الحوثيين)؛ مما يعني أنَّ الصراع على النفوذ في المنطقة بين السعودية وإيران انتقل من الصراع السياسي والمذهبي إلى العسكري خاصة بعد التهديدات التي صدرت لاحقا من السعودية بالتدخل العسكري في سوريا وإعلانها تشكيل "التحالف الإسلامي" الذي يتشكل من 35 دولة -بعضها أعلنت عدم علمها به- ثم المناورات العسكرية الضخمة التي اختتمت قبل أيام فقط تحت عنوان: (رعد الشمال) والدعاية الإعلامية الضخمة التي رافقتها.. والدخول إلى سوريا يعني حتما الاصطدام مع الجيش العربي السوري والحركات المسلحة التي تقاتل مع الحكومة السورية هناك وتحظى بالدعم الإيراني؛ مما يعني تحويل المنطقة إلى ساحة لحرب مسلحة بغطاء ديني ومذهبي، لا تهدد المنطقة فحسب وإنما تمتد نيرانها إلى العالم أيضا؛ لذلك تدعم الولايات المتحدة الجهود الدولية التي تُبذل لإيجاد حل سلمي للأزمة السورية بعد أن تراجعت عن شرطها السابق: بضرورة خروج الرئيس بشار الأسد من السلطة قبل البدء في أية مفاوضات مع الحكومة السورية، وقد جاء الموقف الأمريكي متزامنا مع مواقف العديد من الدول الأوروبية التي تخلت عن مسألة إسقاط الرئيس السوري بعد أن أدركت أن البديل هو الإرهاب الذي أصبح يهدد العالم بأجمع، وليس سوريا والعراق فقط.

وأما في قضية الإرهاب: فالولايات المتحدة تعلم جيدا أن من قام بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر الدموية سنة 2001 كان أغلبهم سعوديين يؤمنون بالفكر السلفي المتطرف الذي يرى أن قتل المخالف سواء في الدين أو المذهب من أعظم القربات إلى الله ويؤدي إلى دخول الجنة، وقد أشار أوباما في تصريحات أخرى إلى دور الأموال الخليجية في تحول إندونيسيا، تدريجياً، من دولة مسلمة متسامحة إلى دولة أكثر تطرفاً وغير متسامحة نتيجة تمويل المدارس المتطرفة التي تنشر الأفكار المتطرفة في المجتمع.

... من خلال المواقف الأمريكية الجديدة في المنطقة، خاصة بعد تصريحات الرئيس أوباما، يتضح أنَّ الإدارة الأمريكية ليست مستعدة لخوض حروب بالإنابة عن بعض دول المنطقة، وأنها تدافع عن مصالحها فقط، ولا تضع اعتبارا للحسابات الطائفية لهذه الدولة أو تلك؛ لأنها تعلم جيدا أن الحروب الحديثة لا تنتهي بانتصار أحد، وإنما تتسبب في إلحاق الدمار بالجميع؛ مما يهدد السلام العالمي الذي أصبح يعاني من خطر التطرف الديني والإرهاب الذي يأتي غالبا من بعض دول المنطقة، كما أنها تدرك أن نجاحها في التفاوض مع الخصم العنيد إيران أثبتت أكذوبة الخطر النووي الإيراني الذي كانت ترفعه إسرائيل وبعض دول المنطقة؛ لذلك فإنه لا يمكن الادعاء أن الولايات المتحدة تخلت عن حلفائها في الخليج، وإنما يمكن القول بأنها وجهت إليهم رسالة مضمونها: أننا لن نقف مع رغباتكم التي تتصادم مع مصالحنا.

تعليق عبر الفيس بوك