المرشدات الدينيّات بالمدارس..إيقاف مؤقت أم منع مؤبد؟

عيسى الرواحي

تفاءلنا وسعدنا كثيرًا بالخطوة المباركة التي سعت إليها ونفذتها وزارتا التربية والتعليم والأوقاف والشؤون الدينية والتي تتمثل في عمل المرشدات الدينيات التابعات لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بمدارس الإناث التابعة لوزارة التربية والتعليم؛ وذلك بإطلاق مشروع تعزيز القيم الأخلاقيّة لدى طلاب المدارس؛ والذي يهدف إلى غرس القيم الأخلاقيّة وتصحيح المفاهيم الخاطئة عند الطالبات، والقيام بالتوعية والإرشاد والتعليم في المسائل الدينية والفقهية وسائر شؤون الحياة، حيث يتم عقد المحاضرات والإرشاد واللقاءات داخل المدرس بما لا يتعارض مع الحصص التدريسية ولا يؤثر على سير المنهج الدراسي، وذلك من خلال استغلال حصص الاحتياط والإذاعة المدرسية وإقامة الحصص الصفرية وغيرها من الأوقات التي يمكن تثميرها في صالح الطالبات.
ورغم أنَّ المشروع حديث العهد بالمدارس إذ كانت بداياته في العام الدراسي (2012-2013م) فإنّه قد لاقى نجاحًا كبيرًا في أغلب المدارس التي طبق فيها بعد أن وجد استحسانًا بالغًا من أولياء الأمور ومختلف فئات المجتمع، ورغم أننا كنا نتمنى أن يكون هذا المشروع منذ سنوات عدة في مدارس الذكور والإناث على السواء بذات الكم والكيف؛ فإنّه قد جاء في وقت بالغ الأهميّة وشديد الحساسيّة؛ وذلك لتفشي كثير من السلوكات الخاطئة والأخلاقيّات الذميمة غير المعهودة سلفًا في مدارس الإناث وغيرها من القضايا التي يندى لها الجبين، وقد أشرت إلى ذلك في مقال الأسبوع الماضي تحت عنوان "سلوكات في مدارس البنات".
ولا غرابة في ذلك فضعف الوازع الديني، والطفرة الهائلة التي تشهدها وسائل الاتصالات والتواصل الحديثة، والإفراط في استعمالها وسوء استخدامها من قبل الجنسين، سيؤدي حتمًا إلى تزعزع القيم الأخلاقيّة الأصيلة، وتراجعها رويدًا رويدا بين الطلاب وانتشار السلوكات الذميمة بينهم، وقد تحدثنا مرارًا وتكرارًا في مقالات سابقة عن هذه القضيّة والمواضيع ذات الصلة بها.
وفي الوقت الذي كنا فيه سعداء متفائلين من توسع انتشار المرشدات الدينيّات داخل المدارس، وقيامهنّ بأدوار كبيرة ملموسة، وظهور نتائج إيجابيّة محمودة على أرض الواقع، تفاجأنا كثيرًا وذهلنا لقرار إيقاف عمل المرشدات الدينيات بالمدارس أواخر الفصل الدراسي الأول من العام المنصرم (2014-2015م) حتى بقيت عدة أسابيع أمني النفس على أنّه مجرد إشاعة، وقد جاء القرار من وزارة التربية والتعليم بطريقة اتسمت بالسرية البالغة في تداوله داخل أروقة ومؤسسات الوزارة، وجاء تبرير الإيقاف من أجل إعادة صياغته برؤية جديدة ومعايير يمكن من خلالها تأطير الاستفادة من الواعظين والمرشدين الدينيين خلال المناسبات الدينية.
وهذا يعني أنه سيقتصر زيارة تلك المرشدات الدينيات في المدارس على المناسبات الدينية فقط رغم أن معالي الوزيرة الموقرة قد أكدت لأحد كبار مسؤولي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية من أن هذا المشروع الرائد لا يمكن أن يتوقف، ولا يرضيهم ذلك، فلسنا ندري ما هي الكلمة التي ستثبت وجودها على أرض الواقع! علما بأنه قد انقضى عام كامل على قرار الإيقاف.
وقد برر خطاب قرار إيقاف عمل المرشدات الدينيات بالمدارس من قبل الجهات المعنية في وزارة التربية من أنّه تلاحظ إقامة فعاليات بالمدارس لا تمت إلى الجانب التربوي بصلة، ولا إلى الدور الذي شيدت من أجله المدرسة.
ويحق لنا أن نتساءل هنا عن قرار الإيقاف ومبرراته، أهو قرار مبني عن استفتاء قام به المعنيون بالأمر في وزارة التربية والتعليم عبر البوابة التعليمية شمل جميع الفئات المعنية بهذا الأمر من مديرات مدارس ومعلمات وأولياء أمور، أم هو قرار ارتجالي كحال القرارات الارتجاليّة العشوائية التي ما انفكت وزارتنا الموقرة تتخلى عنها؟! كما نتساءل عن الفعاليات والأنشطة التي أقامتها المرشدات الدينيات وتتعارض مع العمل التربوي أو الجانب الديني، ونتساءل أيضا عن المعايير التي يحكم من خلالها على الفعاليات والأنشطة داخل المدرسة؛ حتى تكون الصورة واضحة للجميع، وإن سلمنا بوجود حالات فردية تتثمل في إقامة فعاليات ليس من المناسب إقامتها داخل المدرسة، فهل يعني ذلك إيقاف هذا المشروع بأكمله، وحرمان جميع مدارس السلطنة من نفعه وفوائده؟! وإن سلمنا كذلك بوجود بعض الإشكالات يكمن بعضها في أهمية إعطاء دورات تربوية للمرشدات الدينيات بالمدارس، وتخصيص أماكن خاصة لهن بالمدرسة، ووضع خطة عمل واضحة لهن وغير ذلك مما ينبغي أن تشترك فيه الوزارتان الموقرتان في التغلب عليه، فإن مما نعلمه أنّ أي مشروع كان، في حال واجه بعض الصعوبات والعوائق أثناء تنفيذه، فإنّ الذي يجب أن يتخذ هو التغلب والقضاء على تلك الصعوبات والعوائق لا الاستسلام لها، فكيف إن كان الأمر أقل بكثير من أن يسمى صعوبات أو تحديات؟! علما بأن إحدى مديرات المدارس من خلال التواصل معها ـ متحدثة بلسان حال زميلاتها ـ قد نفت جملة وتفصيلا أن تكون هناك عوائق أو إشكالات لعمل المرشدات الدينيات داخل المدارس، وأكدت أنّ عمل المرشدات كان رائدًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى حيث إنَّ ما يقمن به من أعمال جليلة داخل المدرسة من توعية وإرشاد ونصح للطالبات وحل مشاكلهن قد ظهرت نتائجه وثماره على أرض الواقع خاصة وأنّهن متخصصات في هذا المجال، وأنّ هذه الأعمال بهذا الكيف والكم لا يمكن أن تقوم بها المعلمات؛ لكثرة أعمالهن، وضيق وقتهنّ، وكونهنّ ملتزمات بالمنهج الدراسي، وأوضحت أنّ هذا الإيقاف الذي جاء بعد تلك النتائج المحمودة التي حققها عمل المرشدات يعتبر صدمة بالغة للمدارس وانتكاسة كبيرة في حق المتسببين فيه مهما كانت الأسباب، حتى وإن سلمنا بوجود حالات لمرشدات لم يقمن بواجبهن المنوط إليهن.
وحديث مديرة المدرسة هذا هو ما أكده لي أحد المعنيين بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، حيث تلقى حالات الاستياء والاستغراب والاستنكار من مديرات المدارس لهذا القرار من قبل وزارتهن الموقرة، وأكد بأنّهم أنفسهم أعربوا عن استغرابهم لهذا الأمر.
إنه قرار غير موفق إطلاقا، ولا ألوم تعبير مديرة المدرسة الذي وصفته بالانتكاسة الكبيرة، فبعد أن كانت تعمل المرشدات الدينيات داخل بيئة خصبة بحاجة ملحة إلى البذل والعطاء وإلى بث الوعي والإرشاد والتوجيه أصبح كثير منهن يترددن في المجالس العامة والمصليات داخل القرى والحارات بحثا عن من يستمع إليهن من العجائز وربات البيوت!

إنّ مثل هذ القرار من قبل وزارة التربية والتعليم ليس هو الأول من نوعه ولا أحسبه أن يكون الأخير، ومما يؤسف له حقا أن تستمر وزارتنا الموقرة في مسلسل القرارات الارتجاليّة العشوائية التي تؤثر سلبًا على سير العملية التربوية والتعليمية داخل البيئة المدرسية، والحقيقة المرة التي يجب أن نصرح بها، وعلى معالي الوزيرة الموقرة أن تنتبه إليها أن هناك من المسؤولين بالوزارة من لا يحبون الإصلاح، ولا يريدون أحدا أن يقوم به، وشواهدنا في ذلك كثيرة لو طُلب منا إثباتها بالأدلة والبراهين؛ لما ترددنا، ولعل قرار منع عمل المرشدات شاهد من شواهد كثيرة.

إننا اليوم بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز القيم الأخلاقية لدى أبنائنا داخل المدرسة وخارجها، وما لم تتضافر الجهود في هذا الشأن من قبل الأسرة والمدرسة والمسجد وجميع فئات المجتمع؛ فإننا سنواجه أزمة أخلاقية كبرى مع أبنائنا في قادم الأيام وهذا ما أشرت إليه تفصيلا في كتاب "الوتر الحساس" ص 18، بل هو ما بدأنا نلمسه ونراه على أرض الواقع في مواقع مختلفة داخل المدارس وخارجها.
وإذا كانت وزارة التربية والتعليم ممثلة في مدارسها المنتشرة في ربوع الوطن العزيز معنية بتربية الأبناء قبل تعليمهم، وزرع قيم الأخلاق فيهم قبل أصول العلم؛ فإن منطق العقل وصوت الحكمة يعني أنها ترحب وتبارك كل مبادرة تأتي إليها من أي جهة كانت تود أن تشاركها هذا الجهد الكبير، وتقاسمها هذه الأمانة العظيمة، فالأبناء أمانة في أعناق الجميع، ولا يُحرم أحدٌ من فعل الخير... والله المستعان.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك