الذاكرة في خطر!

أسماء القطيبيَّة

هل أنت من الأشخاص الذين يحرصون على الاطلاع -قدر الإمكان- على الجديد في مجالات العلوم المختلفة؟ وهل أنت من الأشخاص الذين يواظبون على قراءة الرسائل والتغريدات لمدة ساعة أو أكثر يوميا؟ هل تستهلك وقتا كبيرا في تقليب قنوات التلفاز دون هدف؟ إذن إليك الخبر السيئ: "أنت الفريسة المناسبة للنسيان". فحسب دراسات أخيرة لخبراء المخ والأعصاب، وتفسيرا لهذه الدراسات، تشرح الدكتورة باسكال أبو سليمان الأمر بقولها: "إنه بسبب التقدم التكنولوجي أصبح الفرد يتلقى كما هائلا من المعلومات؛ مما يجعل قدرته على تخزين هذه المعلومات وربطها ببعضها أقل، وهو ما يتسبب في تراجع مستوى الذكاء لديه". ورغم أن هذه الدراسات مازالت تقدم فرضيات غير مثبتة علميا، لكنها فرضيات جديرة بالالتفات إليها. خاصة وأن ضعف الذاكرة أو النسيان يكاد يكون الآفة التي يشتكي معظم الناس منها، فالواحد منا لم يعد قادرا على تذكر المشتريات التي يحتاجها ما لم يدونها في قائمة. كما أن كثيرا منا قد يتذكر معلومات متفرقة، لكنه لا يتذكر مصادر حصوله على تلك المعلومات بالضبط.

التكنولوجيا -بالطبع- ليست السبب الوحيد للنسيان، ولكنها قد تكون العامل الذي ساهم في انتشار النسيان بين الناس من كافة الفئات العمرية. فخطر التكنولوجيا يكمن في توافرها وسهولتها. على سبيل المثال لا يحتاج الواحد منا إلى أكثر من دقيقة للوصول إلى معلومة معينة في محركات البحث. وعند ظهور نتائج البحث يقوم الشخص باختيار النتيجة المناسبة، ثم يقرأها على عجل، ويتجاهل المعلومات المصاحبة التي لا يحتاجها. في هذه الحالة تصبح احتمالية تركز المعلومة في الذهن ضعيفة لكونها لم تأخذ الوقت الكافي للاستقرار في الذاكرة. وحتى في حالة تمكن العقل من التقاط المعلومة لا يقوم بتصنيفها في ملفاته المعقدة التي تربط المعلومات ببعضها البعض، وبالتالي لا يستطيع استحضارها بسهولة فور حاجته إليها.

التكنولوجيا أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية، وفرت تنوعا عجيبا للمعلومات التي يتلقاها الفرد في مدة قصيرة، فخلال تصفح موقع إخباري أو مشاهدة التلفاز لمدة ساعة يتلقى الشخص معلومات في السياسة والإقتصاد والفن...إلخ، فهل يستطيع العقل البشري تلقي هذا التدفق المعلوماتي اللاتفاعلي بمثل قدرته على تلقي المعلومات القادمة إليه من مصادر التلقي المعتادة والبطيئة مقارنة بالتكنولوجيا؟ وهل يستطيع الفصل بينها بحيث لا يحدث تداخل بين تلك المعلومات ومعلومات مشابهة؟ أم أن التكنولوجيا التي أصبحت تقوم ببعض مهام العقل جعلته يستسلم إلى الخمول والكسل؟ خاصة وأنه من المثبت علميا أن العقل يحتاج إلى التدريب المستمر ليتمكن من توليد الأفكار وحل المشكلات. وهو ما كان يوفره قديما أسلوب التعليم المعتمد على تكرار ذات المعلومة والذي يعد تدريبا ممتازا للعقل، حيث إنه يطور من مهاراته في الحفظ والتذكر لتصبح أكثر سرعة وفاعلية. بينما لا يتيح نظام التعليم المعتمد على نقل كم كبير من المعلومات للمتعلم هذه الفرصة في إلصاق المعلومات في جدران الذاكرة لاستخدامها واسترجاعها على المدى الطويل.

إلى حين مزيد من الدراسات حول التكنولوجيا وتأثيرها على الذاكرة، أعتقد أن النسيان مؤشر خطير لخلل في حياتنا، سواء سببه نمط الحياة السريع أم التكنولوجيا أم أسباب أخرى متشعبة. ولحسن الحظ، فإنَّ تدارك الأمر بتدريب الذاكرة عن طريق التركيز، والتعامل مع كل معلومة بشكل مستقل، وعن طريق تمارين التذكر المختلفة، قد يحفز العقل على استعادة حيويته وتنشيط قدراته الخاملة. وإن كان النسيان هو ضريبة الرفاهية المعلوماتية فإن انتشاره بين الناس -حتى صغار السن منهم- يجعله قابلا للتطور إلى مراحل خطرة، أقصاها الزهايمر. وحينها يكون قد انقلب السحر على الساحر وهو ما لا نأمل حدوثه.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك