معرض الكتاب على أطراف معرض "البوبكورن"...!

د. رضا بن عيسى اللواتي

يُراودني هذا التعجب الذي طرحته في العنوان كلما زُرت معرض مسقط الدولي للكتاب، ولعلني أجد نفسي مضطرا لعدم البحث عن إجابة له في أغلب الأوقات؛ لأنه أمر لا يعنيني أبدا. فأنا أذهب إلى معرض الكتاب في كل مرة لشراء الكتب والتعرف على جديد الساحة الثقافية والأدبية، ولا أهتم للبوبكورن الذي يشتت انتباه الكثيرين من زوار المعرض. بالمناسبة، أثبتت بعض الدراسات أن للبوبكورن -أو الفشار باللغة العربية- فوائد عديدة.

أعودُ إلى الموضوع الأصلي للمقالة، وربما أبتعد قليلا عنه في فترات لاحقة، ولكن لا تؤاخذوني إن فعلت ذلك. إن الكثير من زوار معرض مسقط الدولي للكتاب لا يهتمون بالكتاب بل بأشياء أخرى تتواجد في المعرض، ولعلنا نجد ذلك في دول عربية أخرى، حيث قرأت مقالًا عن معرض القاهرة الدولي للكتاب، طالب صاحب المقال بإغلاق المعرض لسنوات عديدة بسبب عدم وجود الاهتمام الكافي بالثقافة والأدب. وطبعا هنا في السلطنة، نجد الجمهور مهتمًّا بالبوبكورن، فالبعض يطلبه مالحا والآخر يطلبه بالكاراميل، ولا أدري عن الأنواع الأخرى الموجودة في المعرض. يأتي هؤلاء بعزيمة لشراء البوبكورن من معرض الكتاب وكأنه معرض البوبكورن، ولا وجود للبوبكورن إلا في هذا المعرض والذي يُعقد مرة واحدة في كل عام.

الكتاب في الوطن العربي الكبير أصبح كالتمثال في المكتبات، لا يقتنيه إلا القلة القليلة منهم، وكأن فرعونًا يُذبح أبناء ويستحي نساء كل من يقتني كتابا!. هذا الكتاب كان رمزا لكل قوة في زمان ولَّى وذهب وراح. أما في يومنا هذا، فقد أصبح الكتاب رمزا لطبقة دون أخرى، ليس لعدم توافره -بل هو موجود- وليس لغلاء سعره -فهو رخيص- وإنما لأن الناس تتجه إلى البوبكورن أكثر من اتجاهها إلى الكتاب.

نعودُ إلى البوبكورن.. هذا الشيء الجميل المنظر، اللذيذ الطعم، الزكي الراحة، والذي يتقافز بخفة عند تحضيره -كان يستهويني هذا المنظر عندما كنت صغيرا- ذكرت الدراسات أنه مُلين للبطن، وفيه كمية كبيرة من الحديد، وأشياء أخرى. ولكن سؤالي هو، كيف عرف الناس الذين يتهافتون على أكله هذه الفوائد الجمة إن كانوا لا يقرؤون؟! وكيف علم بائعو البوبكورن هذه الفوائد إن كانوا مشغولين بترويجه وبيعه فقط؟! وبالتأكيد لا وقت لدى الجميع لقراءة كتاب أو تصفح جريدة حتى!

لا أحب الحديث عن إحصائيات القراءة في العالم العربي، فمن لا يهتم بالقراءة، لن يقرأ حتى كلمة واحدة من هذا المقال، وأصلا لن يهتم كثيرا للإحصائيات إن أوردتها، فهو لديه اهتمامات أخرى غير القراءة والتثقف وزيادة المعلومات، طبعا البعض منهم يقول إن لديهم مصادر تثقيف أخرى.. ما هي؟ أعتقد أنها وسائل التواصل الاجتماعي، ولأكون دقيقا "الواتس آب".

يبدو أنني ابتعدت عن الموضوع مرة أخرى، ولأعود إليه، معرض الكتاب الذي يُقام مرة كل سنة، فرصة مهمة للتثقف والقراءة وتطوير الذات أيضا، وهي فرصة أيضا للقاء الكُتاب والمفكرين في الملتقيات والندوات التي تُقام على هامش هذه المعرض، وليست مناسبة لشراء البوبكورن والحديث حوله وعن أنواعه وأشكاله وطريقة تحضيره.

أنا لا أقول، إنَّ المقاهي والمطاعم في فترة معرض الكتاب منطقة محظورة وخط أحمر ممنوع الاقتراب منه أبدا؛ لأن الكثير يحصلون على رزقهم من هذه المقاهي والأكشاك الصغيرة حول معرض الكتاب، ولكن هناك مُهمَّ وهناك أهم، وبطبيعة الحال الأهم يُقدم على المهم كما درسنا ذلك جميعا في المدارس الابتدائية. اقتناء الكُتب بأنواعها المختلفة تجارة لن تبور، فإن قرأت الكتاب طوَّرت قدراتك ومهارتك، وازدت علما على علمك فلا تفوت هذه الفرصة الذهبية، واجعل لنفسك وقفة صغيرة أمام أكشاك البوبكورن!

Allawati_143@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك