ما أكثر (الأعياد) حين تعدّها..

مسعود الحمداني

(1)

ما أكثر (الأعياد) التي نحتفل بها، ببلاهة أحياناً، وسوء نيةٍ أحياناً، وحُسن ظنٍ أحياناً أخرى..عيد المعلم..عيد الأم..عيد الحب..عيد الشجرة..عيد (الفسيخ)..وغيرها..

(أعيادٌ) كثيرة، أو (لنؤسلمها) قليلاً ونقول (أياماً)، حتى لا ندخل في المحظور اللفظي الديني، وضع لها الواضعون تواريخ مُحددة في أيام معلوماتٍ، ليحتفي بها العالم من مشرقه إلى مغربه، ليتذكروا بها بعض ما نسوه، ويتذاكروا من خلالها فضائل ما تركوه، وليحاولوا أن يستعيدوا معه ذكرياتٍ بَدَت ذابلة، وأمورا بدأت في الاندثار..

(2)

فالمُعلِّم الذي يحتفلون به، هو نفسه المُعلِّم الذي ينتقدون أداءه ليل نهار، ويكيلون له أنواع الصفات التي تحملّه وحده مسؤولية نتائج الطلاب المُتدنيّة، وهو المسؤول ـ في نظر البعض ـ عن انحدار سلوكيات أبنائهم في المدارس، وهو نفسه الذي يدينون بعض تصرفاته، وسلوكياته في الفصول، وخارج دور الدراسة، ويتهمونه بضعف الشخصية، وعدم أدائه لمسؤوليته التعليمية في التدريس..وهو نفسه الذي يبجّلونه في يوم، ويسيئون له بقية أيام العام..

(3)

وأرى أن يتم ـ في المقابل ـ الاحتفال بـ (يوم الطالب) لأنّه هو من مُورست عليه تجارب مختبرات مسؤولي التربية والتعليم، وهو وحده من دفع ثمن مُغامرات النظريات التعليمية التي طُبّقت عليه مرة بعد مرة، حتى غدا التلميذ كفأر التجارب الذي عليه أن يتحمّل نتيجة الاختبارات الوزارية، فإن نجحت نجح المسؤول ونفش ريشه متباهياً، وإن فشلت كان الطالب هو الضحية!!.

(4)

والأم التي يحتفلون بيومها أو عيدها، هي نفسها الأم التي ترَكت وراءها أعظم مُهمة، لتتفرّغ للعمل، وأوكلت أمور بيتها للشغالة، أو عاملة المنزل، وهي التي اهتمت بملابسها، ومكياجها، أكثر من اهتمامها بتربية أبنائها، والذي يحتفل بيومها هو نفسه الابن المُقصّر في واجبها، والمُهمل لحقوقها، والعاق لها، الذي تركها في ملاجئ العجزة، وفضّل زوجته وعياله عليها..وهو يوم مؤلم لكل من فقد والدته، ونظر حوله فوجد أطفالاً يشترون الهدايا لأمهاتهم، بينما هذا اليتيم ينظر في الفراغ، ويبكي حنينه لأمه..

(5)

و(يوم الحب)..هو نفسه اليوم الذي تجده مكتظاً بالورود الحمراء، والأمور المُلوّنة بكل ألوان النفاق والكذب، وهو اليوم الذي تجد فيه احتفالات خاصة غريبة، في أماكن مشبوهة، وبطرق عجيبة، لا تخطر على بال.. ورغم أننا بحاجة للحب، والوئام، والسلام، ولكن صورة العالم في هذا اليوم صورة سلبية، حيث أخذ الكثيرون الجانب السيئ من هذا المعنى، وتركوا الوجه الطيب الذي نحتاجه في هذا العالم المضطرب، والمليء بالكراهية والحقد..

(6)

و(يوم الشجرة) الذي يحتفلون به، هو نفسه اليوم الذي يجوع فيه نصف العالم، ورغم الشعارات التي ترفعها الدول (ازرع، ولا تقطع) وغيرها، إلا أنّ من يمارس قطع الأشجار هي الحكومات نفسها، ومن يشاهد بأم عينيه سواحل الباطنة، ومزارعها التي كانت خضراء ذات يوم، يرى فداحة ما تمّ ارتكابه باسم التعمير على حساب الشجر، ومن يمد بصره إلى غابات العالم يرى ذلك القطع الجائر للمساحات الخضراء التي تتناقص كل عام..وقد نحتفل مستقبلاً بذكرى الشجرة التي كانت هنا ذات يوم..

(7)

لعل ما يفعله العالم هو أنّه يحتفل بمتناقضاته، وما ينقصه، ويحتاج إليه، فكم نحن بحاجة إلى تغيير سلوكياتنا: في التعليم، والتربية، والحفاظ على البيئة، والحفاظ على السلام في نفوسنا، والحب في ما بيننا، حينها نستطيع فعلا أن نحتفل بما يجب الاحتفال به..

وكل (عيد) وأنتم أجمل وأكثر بهاء..

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك