المياه العربية على طاولة منتدى التنمية الخليجي 36

عبيدلي العبيدلي

تميز اللقاء السادس والثلاثون لمنتدى التنمية الخليجي السادس والثلاثين الذي عُقد في البحرين يومي 20 و21 عن اللقاءات الأخرى التي سبقته بالموضوع الذي اختاره أولاً، والأوراق المقدمة له ثانياً.

فعلى مستوى الموضوع، تحاشى المنتدى تلك القضايا التقليدية ذات البريق السياسي والتنموي المُباشر، القصيرة المدى، وفضل عليها تلك ذات الطابع الإستراتيجي البعيدة المدى، وهي "واقع المياه العربية والمخاطر التي تتربص بها"، أما على مستوى الأوراق، فرغم حرص إدارة المُنتدى على أن يكون مقدمو الأوراق من ذوي الاختصاص، لكنها هذه المرة أضافت لتلك المواصفة واحدة أخرى هي انتماء مقدمي الأوراق إلى فئة الشباب.

من الصعوبة بمكان تغطية مواد جميع الأوراق في هذا الحيز الضيق المتاح لأسباب كثيرة، لعل الأهم بينها هو غزارة المادة العلمية التي اكتنفتها جميع الأوراق من جانب، وطبيعتها العلمية المُتخصصة، من جانب آخر. ولذلك سأكتفي في التوقف بعض الشيء عند ورقة الباحث وليد زباري، كونها تحاول أن ترسم معالم مجموعة من السيناريوهات المحتملة لمستقبل المياه في الخليج.

يحصر زباري تلك السيناريوهات في الأربع الأكثر أهمية واحتمالاً، يطلق على الأول منها "سيناريو السوق أولاً، ويتصور عالماً تكون فيه التنمية خاضعة لقوى السوق.. وتترك المشاكل الاجتماعية والضغوط على البيئة والموارد الطبيعية لمنطق الإصلاح الذاتي لقوى السوق وتنافسها. والسيناريو الثاني هو سيناريو إصلاح السياسات أولاً، وفيه تتدخل الحكومات بشكل قوي وفعّال، وبتنسيق عالمي لتحقيق عدالة اجتماعية وحماية بيئية. أما الثالث، فهو سيناريو الأمن أولاً، ويتصور عالماً مليئاً بالتناقضات يسوده عدم المساواة والصراعات، تتدهور فيه القيم والأخلاق الاجتماعية والاقتصادية، ويسود فيه التصدي الدكتاتوري لتهديدات الانهيار. أما السيناريو الرابع فسمي بسيناريو الاستدامة أولا، وفيه يتم توفير الحلول لتحديات الاستدامة (التوازن بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية، ويتم الوصول إليه عن طريق تغيير جذري في القيم والمؤسسات وانتشار اللامركزية والشفافية، ومبني على وضع أهداف بعيدة المدى، واعتماد التخطيط الاستراتيجي الشامل لتحقيقها".

وتمضي الورقة في شرح كل واحد من تلك السيناريوهات بشيء من التفصيل العلمي المشوق، الذي يشد القارئ العادي غير المتخصص، دون التضحية بالمقاييس العلمية التي تتمسك بها الورقة. حيث تتوزع على أقسام الورقة المُختلفة العديد من الرسومات البيانية، والأرقام الإحصائية التي تُعزز النتائج التي تتوصل لها، والسيناريوهات التي ترسم معالمها.

ومشكلة شح المياه وندرتها في المنطقة العربية ليست قضية جديدة طارئة، فقد أشبعها الباحثون العرب، بمن فيهم زباري معالجة بشكل تفصيلي من النواحي كافة: العلمية، والاقتصادية، بل وحتى العسكرية. بل حتى مدخل السيناريوهات ليس زباري هو أول عربي طرحه، فقد سبقه إليه الباحثان سامر مخيمر وخالد حجازي، في كتابهما "أزمة المياه في المنطقة العربية"، الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب -الكويت. لكن السيناريوهات التي يطرحها الباحثان تنطلق من خلفيات سياسية/جغرافية، مصدرها: "المشروع العربي، والمشروع التُّركي، والمشروع الإسرائيلي"، في حين يتّسع نطاق معالجة زباري إلى ما هو أبعد من ذلك.

ثم هناك التقرير المكثف الصادر عن المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول "حوكمة المياه في المنطقة العربية إدارة النُّدرة وتأمين المستقبل"، وكان وليد زباري من بين الخبراء المشاركين في إعداده، والذي شكل كما تقول عنه بعض الكتابات محاولة لتجاوز "النهج التقليدي الذي يقتصر على مجرد حصر للموارد المائية المتاحة وأوجوه استعمالها ومدى توافرها والاعتماد عليها وما إلى ذلك من المسائل". ورأيناه عوضًا عن ذلك "يهدف إلى وضع أزمة المياه في سياق اجتماعي اقتصادي وبيئي. كما يبرز من خلال تحديده للتدابير الأساسية من أجل إدارة فاعلة وكفؤة للموارد المائية، الدور المتكامل الذي تؤديه حوكمة المياه في التنمية البشرية المستدامة على مستوى المنطقة العربية".

ولا يختلف اثنان على أن مُستقبل المياه في المنطقة العربية مظلم ويُهدد بأخطار تمس جوهر الوجود العربي وتهدد كيانه كمجتمع يطمح للاستقرار قبل الحديث عن التنمية. هذا ما حذر منه مدير ديوان الوزيرة المغربية المُكلفة بالماء عزوز صنهاجي، حين قال "إنّ الدول العربية تعرف ما يصطلح عليه بـتدبير ندرة المياه وليس تدبير الفائض، وأن الدراسات الأخيرة فيما يخص مستقبل موارد المائية في العالم تتوقع أن يكون ثلثا مناطق العالم من دون مياه ابتداءً من سنة 2030".

وليس العرب وحدهم من يعانون من واقع مخيف ومستقبل ينذر بالدمار، عندما يتعلق الأمر بالمياه. فالأمر لا ينحصر فقط في شح المياه في البلدان النامية، ومن بينها الدول العربية، بل يتجاوز ذلك كي يصل إلى الاحتكار الذي تمارسه الشركات العالمية، عندما يتعلق الأمر بالسيطرة على مصادر المياه وتصنيعها، إذ تشير تقارير البنك الدولي إلى أن هناك "10 شركات خاصة، تُصنف ضمن أقوى 500 شركة عالمياً، تتولى احتكار معظم المشروعات التي تقام في البلدان الفقيرة، بدعم من البنك الدولي. وتأتي على رأسها الشركة الفرنسية (فيولا أنفورنمو) والألمانية (آر دبليو إي ـ إيه جي). وتقدم هاتان الشركتان خدمات التزويد بالمياه ومعالجة المجاري لنحو 300 مليون شخص في 100 دولة. وتتنافس معها شركات عملاقة مثل (بويغ سو) و(تايمز ووتر) و(يتشل يونايتد يوتلتيز) البريطانية و(أميركان إنترناشيونال غروب)".

حمل اللقاء 36 لمنتدى التنمية الخليجي نكهة خاصة مميزة، زود المشاركين فيه بجرعة تنموية مختلفة عن تلك اعتادوا على تلقيها في لقاءاتهم السابقة، وربما يكون مثل الاختلاف الذي يتوسط مجموعة من اللقاءات الأخرى نموذجا يحافظ عليه المنتدى في لقاءاته القادمة التي تنكب على مناقشة قضايا ساخنة وملحة، لكنها بعيدة بعض الشيء عما لمسه المشاركون في اللقاء 36.

ولربما تشكل موضوعات مثل: حوكمة اقتصاد العرفة، والأبعاد التعليمية (الأكاديمية) لثورة الاتصالات والمعلومات من الموضوعات التي تشهدها أروقة جلسات لقاءات منتدى التنمية المقبلة.

تعليق عبر الفيس بوك