ماذا يُضيركم إذا اختارت عُمان السلام والمحبة طريقاً؟!

حمد بن سالم العلوي

عجباً نَرى هذه الأيام، أكلما تفاهم العمانيون والإيرانيون على أمر ثنائي بينهما، تَرى الإخوة العرب تثور ثائرتهم عليهم سلباً، وخاصة الإخوة الخليجيين وهم الأقربون، يا تُرى هل جرّب العرب على عُمان خيانة، أو غدرًا، وليس توهّمات من نسج الخيال؟ وهل عرفُ عبر التاريخ البعيد أو القريب، أي شيء عن عُمان من هذا القبيل؟ أليس عُمان هي من بادر في العهود الماضية إلى إرسال أسطولها البحري لنجدة سقطرى والبصرة من غزو خارجي؟! ألا تفعل عُمان اليوم الشيء نفسه، ولكن بقوة السياسة لا بقوة الحرب؟ إنّ الذي تنكرونه على عُمان من جنوح إلى إعمال العقل في جلب السلام، إنّما أنتم تأتون عكسه في التأزيم والانكسار، ثم إنّ بعضكم قد عقد تفاهمات مع العدو الصهيوني للأمة، سواء بالسر أو بالعلن - وهذا هو الأخطر - ولكن عُمان لم تقم الدنيا ولا تقعدها كما تفعلون، رغم العلم بذلك .. وقد تُركتم وشأنكم وما تفعلون.

لقد قيل في الأثر، إن لم يُصبك خير من جارك، وكفَّ شره عنك، ففي ذلك خير ومغنم على كل حالٍ، ونحن إذ مددنا جسوراً للسلام والمودة مع دولة جارة، لا نُعرِّفُها إلا أنّها مُسلمة، وفي اتفاق ثنائي بيننا لا يشمل الجيران والعرب في شيء، إلا بالمودة في القربى والأخوة، وأننا نأمل أن يكون في ذلك كفاً للأذى عنَّا وعنهم، فلماذا يا تُرى فتحتم علينا أبواقكم الإعلامية بسهامٍ مسمومة؟! ونحنُ على يقين ومعرفة بأنّ تلك الأبواق موجهة وليست عفوية، نظراً لعلمنا أن ليس من حرية رأي لأحد لديكم، وإن أيّ مواطن لا يجرؤ على وضع علامة "إعجاب" على منشور مُغاير، ولو كان بالخطأ دون أن يتعرض للمساءلة والعقاب.

إنّ سياسة سلطنة عُمان واضحة وضوح الشَّمس، إذن فلماذا التأويل والتحوير، وهي تؤمن عميق الإيمان، بأن السياسة - كما يقال فنُّ الممكن - وإن ميَّزها الوضوح والثبات، فهي تختلف عن فنُّ التَّخييم والترحال، بحيث إن لم يعجبك المكان، بسبب جدب أو تغيُّر مناخ أو انتفاء مصلحة، قمت باقتلاع خيمتك وأزمعت الرحيل، دون التفكير في أضرار قد تُصيب الناس نتيجة عدم الثبات، وأنا لا أتكلم عن السياسة العُمانية كأحد صُنَّاعها، وإنما كمُراقب ومُتابع لمنهجها ببعد كبير عن كواليسها، ولكن وضوحها يجعلها مفهومة لمن يُريد فهمها، ولها مرجعية مُسجلة في تاريخ عُمان العميق، والعالم يُجمع على لذلك، وعُمان لم يثبت التاريخ أنّها دخلت أحلافاً مع أحد ضد أحد، وإنما كانت تعتمد على ذاتها في طرد الغزاة، ورد العدوان، وهكذا كان ديدنُها عبر التاريخ، إذن ليس هناك من مسوّغ لما يُقال، أو يُشاع عن تآمر وانفراد برأي.

لذلك نقول، رويدكم علينا أيُّها الإخوة، فنحن لا نراكم غير كذلك، ومازلنا نقول كما قال الشاعر العربي "إن أكلتم لحومنا وفَّرنا لحومكم، وإن هدمتم لنا مجداً بنينا لكم أمجاداً" ومرة أخرى نقول لكم، ماذا يُضيركم إذا عُمان بنت جسوراً للتواصل مع الشقيقة إيران، وهي الجارة القديمة في الدين والتاريخ والجغرافيا، ونحنُ نعرفُها وهي تعرفُنا، ونثق فيها وهي تثق بنا، وقد ساهمنا في حلِّ بعض مشكلاتها مع العالم، ولا ندّعي فضلاً عليها منّا فيما فعلنا، وإنما في ذلك خدمة لأمننا واستقرارنا جميعاً، وإننا نظنُّ أنّ فيه خيراً لكم أيضاً، وإن كان مستشاروكم وناصحوكم يرونه غير ذلك، ولكن ستثبت الأيام صحة نهج عُمان ولو بعد حين.

إنّ عُمان تستشف مستقبلها من تاريخها، وتقرأ واقع الحال لكي تبني ذاتها بذاتها، ولا تقبل مِنةً من أحد، ولا تستجدي صدقة، ولا تقبل أن تصور على أنّها عالة على أي كان، وقد أسمعنا البعض بملياراته .. ولكننا لم نطلبها، ولا نظن أن حكومتنا قبلت بها حسب ما علمنا، وإننا نعي أساليب البعض في الدّس والتشويه، ومع ذلك لا نقبل النزول إلى مقام ليس في مقامنا، وليس صمت عُمان عجزاً يُحسب عليها، وإنما ترفعاً يليق بالكبار، فيزيدها ذلك إكباراً في نفوس شعبها، وهو صاحب الإباءة والفضل والاعتزاز والعنفوان، ويكفي للمراقب أن يعود بالذاكرة إلى سنوات قريبة خلت، حتى يعرف كنه هذا الشعب العظيم، ويعرف من هو قدوته ورمز عزته وعزوته. إذن عُمان تثبت اليوم، أنّها في عهد قابوسها العظيم، تُعيد مجداً هو مجدُها، وتبني قصراً هو من قصورها الكثيرة، فلا تُألِّف جديداً، ولا تُزيف ما ليس بحق لها فيه، وظلال أمجادُ عُمان ستظل وارفة الظل بطول عُمقها في التاريخ، وليس لها شأن بما يعلو صعوداً في الهواء، بلا طمأنينة ولا أمان ولا استقرار، فهي إذًا تُحافظ على نحل جسدها، لكي تخفُّ الوزن عند الوثب للإمام، وسيظل جسدها نحيلاً كعنوان لصحة العقل واللسان، والبعد عن أمراض التخمة في التهويل الذي قد يتبعه هوان، وكل جسم نحيل هو ليس بسقيم، ولكن ليسعه خندق القتال إذا فرض النزال، ويسعه الرمس إذا استشهد في الدفاع عن الوطن، إذاً أجسادنا النحيلة لن تخور إذا نضب النفط، ولن تهول إذا ذهب الترف والرفاهية، فنحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع، وإذا نمنا برهة في وقت مضى، ذلك لكي نصحى اليوم لنُباشر العمل بجدٍ واجتهاد، ونُعيد بناء الوطن لا نستحدث وطناً جديداً من عدم، فنحن شعب يرقى ويتقدّم، ولا يطغ إلى خارج الإطار، وسلطانه المُبجّل قدوته في حسن الخلق ومحبة السلام.

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك