نظرات الشفقة والاستخفاف سياط تجلد الأطفال المصابين بالتوحد وأولياء أمورهم

أم يوسف حوَّلت صدمتها بإصابة ابنتها إلى إرادة للتعافي على مدار 20 عاما

الرُّؤية - مُحمَّد قنات

عشرون عاما لم ترحم أم يوسف من الآثار النفسية السيئة لدى استعادة ذكرياتها مع معاناة ابنتها مع التوحد، منذ علمت بإصابتها لأول مرة، خصوصا وقد أبلغوها أن نسبة التعافي منه كليًّا ضئيلة جدًّا.. وتقول إنَّ الدنيا ضاقت عليها بما رحُبت، حتى صار منزلها الصغير سجنا افتراضيا، وكان التوتر عنوانَ التعامل مع المجتمع المحيط، ومع مرور الوقت امتثلت وزوجها لقضاء الله وقدره.

تسلَّحت أم يوسف بقوة الإرادة إلى جانب معاونة زوجها، وبدأتْ المشوار حِرْصَا على تعافي ابنتها ولو جزئيا من أعراض التوحد، وبدأت تعلمها مهارات الاعتماد على نفسها في قضاء الكثير من الأمور، إلى جانب تنمية مهاراتها في الرسم حتى باتت الابنة لا تحتاج إلى آخرين في كثير من أمورها الخاصة، حيث باتت قادرة على إنجاز بعض المهام المنزلية بدقة متناهية، مثل أن تعد الطعام لجدتها المسنة التى تعيش معهم في المنزل نفسه، كما تعتني بأغراضها.

وتعيشُ ابنتهم -التي تبلغ حاليا 25 سنة من عمرها- وسط إخوتها وصديقاتها، حياة عادية، وقد طوَّرت مهاراتها في الرسم حتى أصبحت عضوة في جمعية الفنون التشكيلية، ولها لوحات ومشاركات متعددة، وتجد كلَّ التعاون من قِبَل أعضاء الجمعية الذين يسعون دائما لتطوير مهارة الرسم لديها.

وتقول أم يوسف إنها اكتشفت إصابة ابنتها بعد أن تردَّدت بها كثيراً على المستشفي الجامعي؛ حيث لاحظت أنها لم تكن طبيعية من ناحية التركيز والاهتمامات، وأصبحت تتردَّد بها على مستشفى الجامعة لفترة طويلة، وقرَّر الطبيب قياس اختبار الذكاء، ونزل علينا خبر إصابتها بالتوحد كالصاعقة، وخيم الحزن على بيتنا الصغير لفترة من الزمن ولم يمض وقت طويل حتي قرَّرنا أن ندخلها المدرسة، ولم يكن هنالك مدارس تأهيل أو مراكز خاصة لأطفال التوحد؛ فكانتْ المعاناة كبيرة؛ حيث إنَّ المدارس لم يكن لديها مختصون بأمراض التوحد والإعاقة بصورة عامة، ودرست ابنتي إلى الصف العاشر في إحدى المدارس الخاصة، وكانت تعاني من قلة التركيز والحفظ.

وأضافت أم يوسف بأنها كانت لا تحتمل نظرات الشفقة من البعض في المناطق العامة ولو على سبيل إظهار العطف: في كثير من الأحيان كنت لا أحب اصطحابها معي إلى الأماكن العامة أو لزيارات خاصة، خوفاً من تلك النظرات التي تلاحقها باعتبارها غير طبيعية، كما أنَّ هنالك بعض الأطفال لا يدركون طبيعتها ويضربونها ويستهزئون بها مما يزيد من سوء حالتها، ويقلل من احتمالية تعلمها بعض المهارات، ويجعلها تميل إلى الجلوس بمفردها. كما أنَّ نظرات الشفقة والتعاطف التي تلاحقها قد تساهم بقدر كبير في عرقلة فرص ممارسة حياتها بشكل طبيعي، من حيث عدم تهيئه البيئة المناسبة، وعدم مراعاة الظروف النفسية والجسدية.

وتشير أم يوسف إلى اعتقاد البعض أن طريقة تعاملهم مع المصابين تخفف من آثار التوحد، ولايدركون أنها تسيء إليهم، وتؤلمهم أكثر مما تسعدهم، وليس هنالك ما هو أقسى من هذه النظرات على الشخص المعاق، فهي تتسبب في عدم اتزانه نفسياً وانفعالياً، وكثير من الأمهات الذين لهن أطفال متوحدون يحملن هم نظرة الشفقة التي يطلقها البعض حيث تشير تلك النظرات إلى أن هذا الطفل غير طبيعي، وربما تلك النظرات قد تنعكس بصورة سلبية على الطفل وتسوء حالته أكثر.

وأوضحت أم يوسف أن ابنتها تكتب وتتحدث بصورة جيدة حاليا وتخدم نفسها بنفسها وفي كثير من الأحيان تهتم بأمور جدتها، إلى جانب اهتمامها بمعرفة بكل ما هو جديد عن طريق الإنترنت، ولديها صديقات تتواصل معهن عبر شبكات التواصل الاجتماعي، كما تولي اهتماماً كبيراً بالرسم وهي الآن عضوة في جمعية الفنون التشكيلية بفضل أعضاء الجمعية والمسؤولين الذين يعملون على تشجيعها ومساعدتها.

واختتمتْ أم يوسف بقولها: تعلقت ابنتي بالرسم منذ سن مبكرة وساعدناها بالتدريب في جمعية الفنون التشكيلية، كما أنها تهتم بمظهرها كثيراً كبقية الفتيات الأخريات، وتعاملها مع أخواتها راقٍ جدًّا وطبعها هادئ، لكن لا نتركها تذهب إلى المحال العامة وحدها خوفا عليها.

تعليق عبر الفيس بوك