مختصون: المفاهيم الاجتماعية المغلوطة تحرم المرضى من زيارة الأطباء النفسيين

أبرزوا دور الإعلام في التوعية وتغيير الصورة السلبية لدى بعض الفئات

< الرواحية: المجتمع يتعامل مع المرضى النفسيين باعتبارهم فئة واحدة تعاني خللا عقليا

< الخوالدية: انتشار التعليم بين أفراد الأسر يُسهم في تغيير المفاهيم المغلوطة تدريجيًّا

< الخميسي: المجتمع العُماني بات أكثر إدراكا لأهمية الطب النفسي في تأهيل وعلاج المرضى

< الشكيلية: بعض الأعمال الدرامية صوَّرت الطبيب النفسي على غير الواقع

< الريامية: زيارة الطبيب النفسي قرار شجاع يحتاج لدعم من البيئة المحيطة بالمريض

يُؤكِّد عددٌ من الختصين والمواطنين على أهمية تكثيف البرامج التوعوية لأهالي المرضى النفسيين بضرورة زيارة الطبيب النفسي، والتخلص من الأفكار المغلوطة المتوارثة حول الطب النفسي، والتعامل مع زيارة الطبيب المتخصِّص باعتبارها شيئًا ضروريا لتجاوز الأزمة.. ويقول المختصون إنَّ المجتمع العُماني بات أكثر وعيا فيما يتعلق بالأمراض النفسية، في ظلِّ انتشار التعليم وارتفاع مستوى الوعي العام بين مختلف الأسر في ربوع السلطنة، وهو ما أسهم في تغيُّر بعض المفاهيم المتوارثة على سبيل الخطأ، وإن ظلت هناك ضرورة لمزيد من الجهود الإعلامية لتغيير ثقافة المجتمع بدرجة أكبر، وتبصيرهم بأن إخفاء الأمراض النفسية يُزيد من خطر مضاعفاتها على الفرد والمجتمع، وأنَّ الأمراضَ النفسية كغيرها من الأمراض العضوية التي من المفترض أن يُبادر المريض لعلاجها لدى متخصص دون حرج.

تحقيق - حليمة الخميسيَّة وثريا الشكيليَّة

وتقول ريا بنت ياسر الرواحية -ماجستير توجيه وإرشاد نفسي: للأسف لا يزال الكثير من الناس يرفضون تقبل فكرة زيارة الطبيب النفسي، ويعتبرونه أمرًا مشينًا ومنقصة، وكأنه يرتبط فقط بالأمراض العقلية، كما أنَّ المجتمع يتعامل مع المريض النفسي على أن به عيبا أوخللا عقليا ونقصا؛ مما قد يتسبَّب في سوء الحالة المرضية للبعض وزيادة المضاعفات، في ظل جهلهم بكيفية التعامل مع المرضى النفسيين. ويُمكن تغيير هذه الفكرة لدى الناس عن طريق البرامج التوعوية في وسائل الإعلام.

وتضيف الرواحية بأنَّه من المؤلم الترويج لصورة سلبية عن العلاج النفسي، ومثلما روج البعض للصورة السلبية نستطيع بث الصورة الإيجابية من خلال المحاضرات والندوات ودعم المسرحيات التي لها دور كبير في تغيير الصورة المغلوطة، فضلا عن التشجيع على القراءة في هذا الجانب. ولو أنَّ كلَّ شخص اعتمد في حل مشكلته على صاحب تخصص مُتمكن لقلَّت المشكلات بشكل ملحوظ مقارنة بما هي عليه حاليا.

وتشير نادية بنت سيف بن سعيد الخوالدية -ماجستير توجيه وإرشاد نفسي- إلى أنَّها في السنوات العشر الأخيرة بدأت تلاحظ تقبلا نسبيا للطب النفسي والإرشاد النفسي في المجتمع، وهو ما قد يرجع إلى سببين؛ أولهما: تغيُّر الصورة الذهنية في الإعلام عن الطب النفسي والخدمات النفسية، بما في ذلك من دورات وأنشطة توعوية، وكذلك ارتفاع مستوى التعليم؛ وبالتالي تناول الأسر لمشكلات الأبناء النفسية بصورة أفضل عن السابق، لكن لا يزال مستوى التقبل أقل من المطلوب. لافتة إلى ضرورة تغيير الصورة المغلوطة عن طريق الحملات والأنشطة التوعوية في المجتمع والكف نهائيًّا عن تشويه هذا العلم الإنساني والبحث في سيرة المصطفى عن جوانب الرعاية النفسية وكذلك في كتاب الله؛ فالناس في الوطن العربي يحترمون الدين ومقدساته؛ وبذلك يحترمون ما جاء فيه من تشريعات إنسانية ونفسية، مؤكدة كذلك على ضرورة تضمين المناهج الدراسية دروس في التوعية النفسية منذ الصفوف الدراسية الأولى.

ثقافة متوارثة مغلوطة

أمَّا يوسف بن ناصر الخميسي طبيب عام بمستشفى جامعة السلطان قابوس، فيؤكد أنَّ المجتمع العُماني بات أكثر معرفة بماهية الأمراض النفسية وكيفية حدوثها والتعاطي معها، وهذه المعرفة والفهم مكـنّا من التعاطي بصورة أكثر إيجابية مع الطبيب النفسي الذي هو جزء من منظومة العلاج. فعلى الرغم من أن الأسباب متشابهة في دول العالم وتشكلت نتيجة عدم فهم المرض النفسي وطريقة حدوثه، إلا أنَّ المجتمع العُماني بفطرته عادة ما ينظر للذهاب إلى الطبيب النفسي باعتباره ضعفا ومنقصة، وصارت ثقافة تتوارث بأنه لا يراجع العيادة النفسية إلا المجانين، وهي بلا شك ثقافة تحتاج لتوعية. وهناك أيضـًا أسباب أخرى تمنع الناس من الإقبال على العيادات النفسية كعزل أجنحة الأمراض النفسية وعياداتها وعدم دمجها مع باقي عيادات الأمراض العضوية، وهي مسؤولية صُنَّاع القرار. لافتا إلى أنَّ مستشفى الجامعة يضم عيادة نفسية تُسمَّى عيادة الطب السلوكي.

وترى سارة بنت سيف بن علي الشكيلية -بكالوريس في الكيمياء التطبيقية- أنَّ هناك نظرة سلبية للطب النفسي في المجتمع، وهو أمر مُقتصر على مرضى الأمراض العقلية، وهو انعكاس لثقافة المجتمع التي أثرت فيها عدة مصادر؛ منها الإعلام الذي لطالما صور لنا الطبيب النفسي بمنظور خاطئ وغير واضح، فضلا عن قلة القراءة والاطلاع في هذا المجال؛ مما أسهم في بناء هذه الصورة مما نتج عنه نفور أفراد المجتمع، وتفاقم المشكلات النفسية عند هؤلاء المرضى الذين لم يتلقوا علاجهم المناسب لجهلهم بأهمية هذا العلاج وخوفهم من النظرة السلبية، ولكن لا ننكر أن النظرة بدأت تتغير بسبب ثقافة الإعلام الحالية وإدراكهم لأهمية هذا الجانب العلاجي وتصويرهم له بمنظور أكثر إيجابية؛ لذلك أرى أنَّ الأمرَ مسألة وقت فقط ليكون هنالك تحول إيجابي كبير في هذا المجال.

وتقول مرهية بنت علي الشكيلية -بكالوريوس حاسب آلي- إنه من الضروري تغيير الصورة المغلوطة للمريض النفسي، والتوعية بأهمية زيارة الطبيب النفسي للعلاج؛ فالأمراض النفسية مثل باقي الأمراض التي يمكن أن يصاب بها الإنسان ثم يتعافى ولكن بطريقة علاجية صحيحة، خصوصا ونحن نلاحظ التزايد المستمر في أعداد المرضى النفسيين في هذا العصر بسبب التعقيد الفكري حول طبيعة الأمراض النفسية، وهو ما جعل كل فرد منا معرَّضًا للإصابة بأي نوع من تلك الاضطرابات النفسية.

زيارة الطبيب النفسي

وتشير مريم بنت علي الريامية -إخصائية اجتماعية- إلى أنَّ الإقدام على زيارة الطبيب النفسي قرار شجاع، لكن يجب أن يكون هناك دعم للمريض النفسي من البيئة المحيطة. لافتة إلى أنَّ إخفاء حقيقة المرض النفسي وعدم علاجه بالطريقة الصحيحة يُسهم في تفاقم المشكلة وليس حلها. وعلى مستوى مختلف فئات المجتمع، هناك كثير من الأسباب التي تمنع من زيارة الطبيب النفسي أولها الاعتقادات الخاطئة والثقافة السلبية على أن من يزور الطبيب النفسي مصاب بالجنون، إضافة إلى الخوف والخجل من الفضيحة؛ حيث إنَّ المريض يستحي أن يعرف الناس بتردده على الطبيب النفسي خوفا من النظرة السلبية تجاهه.

تعليق عبر الفيس بوك