هل نحن متسامحون؟

أسماء القطيبية

مع انتشار الفتن الطائفية في بلدان عديدة في الوطن العربي، وما أدّت إليه من مآس ودمار، كثُر الحديثُ حولَ قيمِ التسامح التي يتمتع بها الشعب العُماني، خاصة بين أبناء المذاهب المختلفة في السلطنة، وللتأكيد على ذلك انتشرت صور العمانيين بتنوع مذاهبهم يصلون في مسجد واحد، وصف واحد، وأخبار عن علاقات مُصاهرة نشأت بين أبناء المذاهب المختلفة، وقد تداول العمانيون هذه الأخبار والصور باعتزاز وفخر كبيرين. فالتسامح بلا شك قيمة عظيمة تدل على التحضر والوعي وتُبشر بمستقبلٍ جيد للأمن الداخلي في البلد. ولكن بعيدًا عن الكلام المُعاد عن التسامح في عُمان، وبعيدًا عن كاميرات التصوير والحوارات التلفزيونية والمجالس المفتوحة، أتساءل هل نحن متسامحون حقاً؟ ولكي لا يبدو السؤال مستفزاً للبعض - مما يخلق لديهم موقفًا دفاعياً ضد كل ما سيُقال لاحقاً- ففيما يلي أطرح عدة تساؤلات متشعبة من سؤالي أعلاه.

في الحقيقة أنّ انتشار النصوص والصور والمقاطع التي تدلل على تسامح العمانيين، خاصة تلك المدعومة بشهادة المشاهير من خارج البلد، انتشارًا واسعاً أمر يدعو للتساؤل، فإن كنّا قد تعودنا على التسامح والتعايش مع بعضنا البعض بحيث أصبح التسامح أحد الطباع التي تربينا عليها منذ نعومة أظافرنا، فلماذا نحتاج إلى تضخيم كل صورة مُعبرة عن الأمر، والتعامل معها كأحداث استثنائية؟ وإن كنّا متسامحين في قرارة أنفسنا، مدركين تمام الإدراك أنّ التسامح هو الشكل الطبيعي المألوف لأيّ تجمع بشري، وأنّ الفتنة هي الفعل الشاذ المستهجن لماذا نُركز على المظاهر بهذه الصورة؟ بينما مثلاً لا نتحدث عن صفات أخرى يتحلى بها غالب الشعب بكثرة. هل هي قيمة جديدة نحاول تبنيها؟ أم أنّ التأكيد على الأمر بمثابة تذكير دائم حتى لا نفقد الخصلة الحميدة المنجية؟.

انتشار الصور التي يصطف فيها العمانيون من أبناء المذاهب المختلفة للصلاة في مكان آخر (كمثال لا يعلى عليه ولا يضاهيه فعل) يجعلني أتساءل عن مفهوم التسامح في أذهان العمانيين، سواء البسطاء منهم أم أولئك المتعلمين، هل يعني التسامح لديهم أن نقوم بإحداث تقارب - ربما لا يمكن تحقيقه- أكثر من أن يكون معناه احترام خصوصية الآخر، والدفاع عن حقه في ممارسة شعائره دون مضايقة؟. هل نحن هنا - وعبر هذه الرمزيات- نسعى لإلغاء الفروق، مما يتحتم عليه إقصاء الأطراف الأضعف؟ أم أننا نحترم وجودها وهو ما يجدر بنا فعله؟

حيث نتحدث عن التسامح في عُمان، فإننا غالباً نتحدث عن التسامح الديني بين الشعب المسلم وغير المسلمين في عمان، وبين أبناء المذاهب في البلد. لكن ماذا عن التسامح مع أصحاب المذاهب الفكرية الأخرى أو الأشخاص الذين يحملون فكرًا مجددًا، لماذا لا ينالون نصيبهم من الاحترام والتقبل في المجتمع العماني؟ بل وتكال لهم الاتهامات والسباب -كما نشاهد في وسائل التواصل الاجتماعي- إلا من رحم ربي؟ أليس تقبل الآخر هو تقبل فكره أياً كان؟ ولماذا يفترض كثيرون سوء النية في أيّ شخص يُفكر بطريقة مختلفة عن الجموع؟.

إنّ التسامح لا يظهر في حقيقته إلا في الجلسات المُغلقة والحوارات الجانبية، أما دون ذلك فكلنا متسامحون، محبون وودودون. وإني لأخشى أن يكون التسامح هو نتيجة للاستقرار السياسي في البلد وأن أيّ اضطراب سيكشف الوجوه على حقيقتها. لذا فإنّ هدفي من هذا السؤال أن نُعيد مراجعة أنفسنا وتقييم ذواتنا ليكون التسامح هو سلاحنا في أوقات الأزمات لا شعارا نزين به أنفسنا. وأن نسعى للتسامح بالفعل لا بالحديث، أن نُربي أبناءنا على أن يتبنوه موقفًا في كل حياتهم، وأن نخلي مكتباتنا من كتب تحمل عناوين إقصائية كـ "الرد على فلان، في المسألة الفلانية"، وتلك الكتب التي تصور الحقيقة وكأنها حكر على جماعة من النّاس دون غيرهم، وأن نكف عن الهجوم على كل من يحمل فكرًا جديدًا فقط لأننا لا نتفق مع ما يقول، وأن نرفض وجود القنوات التلفزيونية المؤججة للفتن في منازلنا، لنكون في الطريق الصحيح نحو التسامح الحقيقي.

asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك