سيف.. مدير الدائرة

زينب بنت محمد الغريبية

سيف مدير إحدى الدوائر في الوزارة، دائرة من أنشط الدوائر، يعود نشاطها لنشاط سيف، فهو المُحرِّك لها، ومركز نشاطها، لا تجده يجلس في مكتبه يتحرّك من مكانٍ إلى آخر، يدخل في كل المكاتب، يُدير الأمور عن قرب، يعلم كل صغيرة وكبيرة، ويهتم بها؛ لذا فالكل يعلم كيف يعمل، فهناك رقيب قريب يتابع عمله.

باب مكتبه مفتوح، يدخله أي من موظفيه في أي لحظة مثلما يدخلون مكاتبهم، هو معهم وبينهم، في مكتبه ومكاتبهم، يبدو الموضوع وكأنني أتكلم عن مدير لا يوجد بيننا، بل هو موجود وأمام عيني، تراه في آخر اليوم مثل بدايته، يعمل بلا كلل ولا ملل، كل العمل في دائرته يمر بسلاسة ويُسر، فهم يقومون به لأنّه عملهم الذي يستمتعون به، لم أرَ تجانساً بين موظفين في دائرة كما رأيته في دائرة سيف، فانعكس تآلف المدير مع موظفيه على تآلفهم مع بعضهم البعض.

وما زاد موظفي سيف تفاعلاً معه، واستمرارية في العطاء، أنّهم يجدون العدالة منه، فالكل يشعر بالرضا، فقد حصل كل منهم على ما يُناسبه، وما يطمح له، فقد ترّقى كل منهم للمسمّى الوظيفي الذي يصبو إليه، وحصل من يطمح لفرصة دراسية عليها؛ ليغطي البقية أدوارهم في الدائرة تعاوناً بينهم دون الحاجة للبديل، وبتعاون ومُباركة من سيف، شعر الموظفون مع كل تلك الإجراءات بالرضا، فمقابل إخلاصهم في العمل وتفانيهم يجدون ما يطمحون له وما يكافئ حجم العمل والنَّشاط الذي يقومون به.

ترى موظفي سيف كفريق واحد مع أنّهم أقسام مختلفة، كل قسم من المفترض أن يقوم بعمل مُعين، إلا أنّه من الطبيعي أن تجد أحدهم على مكتب الآخر يقوم بقضاء معاملة لشخص مُراجِع، كون الموظف المسؤول غير موجود فلا يتعطل العمل، دون أن يُطلب ذلك من أحدهم، فهم يعملون بشكل متكامل، لا تسمع من دائرتهم سوى النكت والضحكات والهدوء، وأنا على ثقة بأنّ الإدارة هي السبب الأول والرئيسي لتحويل بيئة العمل إلى بيئة بمناخ جيد للعمل، والرضا والعطاء، أو العكس..

لم تكن تهيئة تلك البيئة للعمل بالعصا والصوت العالي المُتزمت، والأمر والنهي، واتخاذ الإجراءات الصارمة تجاه الموظف، بقدر ما هي على العكس من ذلك، فخلق بيئة العمل الهادئة والجادة النشطة كانت بالسعي لتحقيق الرضا لدى الموظفين بإعطاء كل ذي حق حقه، وتقديم الفرصة المرضية لكل واحدٍ منهم لما يحب أن يرتقي إليه، ويطور نفسه من خلاله، حاول سيف أن يكسب موظيفه بتحقيق العدالة بينهم، ووضع كل واحدٍ منهم في المكان الذي يستحق ويرضيه ويرضي من معه من الموظفين، وبذلك حقق حبهم في البقاء والاستمرار، بل والعطاء والتفاني فيه.

حركة سيف ونشاطه طوال اليوم، تجعل من لديه أيضًا يمارسون تلك الحركة والنشاط، فتجد تلك الدائرة في حركة مستمرة طوال اليوم، حتى أصغرهم وهو المراسل، يعمل بكل طاقته، وفي آخر النهار يبدو وكأنّه في أوله بنفس النشاط والحركة، ويقول أنا المراسل الوحيد الذي يستطيع التحدث إلى مديره والضحك معه بأريحية، فلا يستقل به كونه لا يحدد إنتاجًا في الدائرة يبنى عليه مُخرج العمل، بل أعطاه حقه الذي يرى فيه نفسه، ويريح قلبه، فلا يشعر أنه أدنى السلم وأن ما يربطه بمديره هو الأمر والنهي بأسلوب جاف من صاحب أعلى موقع في السلم تجاه من هو في أسفل سُلّمة.

اهتمّ سيف بالعمل الذي يُؤديه، وعليه عرف كيف يسعى لتقديمه بالصورة التي ينوي تقديمه بها، فأدرك منذ البداية أنّ الطريق هو الموظفين الذين يعملون معه، هم من سيقومون بالعمل، وهنا تتحقق الإدارة السليمة وهي معرفة ماذا يُريد المدير أن يحقق وكيف سيحققه، وكيف يُدير الأمور أثناء تحقيقه ليمضي بالطريق السليم، ومن ثم تأتي الإرادة وهي تنفيذ كل ما يستدعي تحقيق تلك الأهداف التي تراها الإدارة وتوفير كل المتطلبات لها، وقبل كل ذلك توفرت الرؤية الإدارية لتحقيق دائرة بمثل تلك الكفاءة. كل تلك الميزات قد توافرت في سيف ليشكل بيئة عمل مُتكاملة تعمل كخلية نحل طيلة ساعات الدوام الرسمي.

قد يستغرب البعض لهذا الطرح، فهل بالفعل توجد مثل بيئة العمل هذه في وسط مؤسساتنا التي نرى فيها الترهل، والبروقراطية؟ وهل تعمل هذه الدائرة بمثل هذه المثالية المطروحة؟ أقول إنني أعيش وسط هذه الدائرة، وأراهم كل يوم، وألاحظ عملهم وسلوكهم، وألمس رضا من يخرج من المراجعين لديهم، ولكن حين تكون خلية واحدة بمثل هذه الكفاءة ولا تشبهها بقية الخلايا هذا ما يجعلنا نستشعر الأعم وهو الترهل والبيروقراطية والبيئات الطاردة للعمل والموظفين.

ومن جانب آخر حين لا يجد الموظف حقه والمكانة التي تليق بما لديه، بل يُحاك ضده ظلم ويتمادى فيه ضده، ماذا عليه أن يفعل؟ هل عليه أن يتفانى في عمله؟ أم يُخلص فيه؟ أم يلتزم بالمداومة على حضور عمله؟ أم يعلن الصلح لمن ظلموه؟ وحرموا العمل من إمكانات شخص كان باستطاعته أن يُقدم مثل سيف وربما أكثر في جانب أكاديمي فني، فنجاح سيف كان مقروناً بنظرته لحقوق موظفيه وتحقيق الرضا الوظيفي لهم، مما يجعلهم يسعون هم في المقابل لتحقيق الرضا له.

عمل سيف بإخلاص، وأحب عمله، وامتلك الرؤية والإرادة وأدارها بحنكة، فحقق النجاح، نجاح له ونجاح لموظفيه، وبالتالي تحقق النجاح للدائرة، فالإدارة علم يدرس في الجامعات، ولكني أقول لو كان سيف هو المعلم لهم لكفاهم ليديروا مؤسسات بنجاح..

zainab_algharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك