مرضى الفشل الكلوي .. معاناة مزدوجة مع آلام الغسيل وصعوبة العلاج

"م.ع" تناشد المسؤولين السفر للخارج لزراعة كلية وتخفيف الأعباء عن سكان القرى البعيدة

رصدت التجربة - مدرين المكتومية

م.ع زوجة وأم لـ6 من الأطفال، أصابها المرض اللعين الذي بات ينهش في كليتها يوماً بعد الآخر، لاسيما وأنّها مصابة أيضاً بالسكري، الذي تُعاني منه منذ إنجابها لطفليها الأخيرين..الآلام تفاقمت معها إلى حدٍ لم تستطع التحمل، فتوجهت لزيارة الطبيب الذي أخبرها بإصابتها بالمرض، ومنذ ذلك الحين وهي تذهب للمستشفى وتعود منه مرتين كل أسبوع، على أمل أن يشفيها العلاج أو على أقل تقدير يُخفف من وطأة آلامها..

وبدأت م.ع رحلة العلاج رغم ظروفها الصعبة، فهي تسكن خارج حدود الحضر، في منطقة بعيدة عن المدينة، ومع كل لحظة تزيد معاناتها لاسيما وأن أبناءها يدرسون خارج المنطقة، وهو الأمر الذي دفع الزوج إلى التفرغ لخدمة زوجته ومساعدتها في العلاج، فكانت الزوجة تتحمل عناء السفر وتتكبد مشقة ساعة ونصف الساعة بالسيارة للوصول إلى المستشفى لإجراء جلسة غسيل الكلى مرتين كل أسبوع.

رويداً رويدًا، بدأت المشكلات تتفاقم وتتحول إلى معاناة، فالزوج محدود الحيلة كان يعاني من ضعف في النظر، وهو ما هدده أكثر من مرة بحادث مروري، لكن ذلك لم يكن ذورة الألم، إذ كانت الآلام تتجمع في فترة الانتظار بالمستشفى لتلقي جلسة الغسيل، فبحسب الزوج المغلوب على أمره: "الألم لا يتوقف على متاعب الكلية، بل إن الانتظار القاتل هو الألم الحقيقي في هذه المسألة، فكل مرة نحضر فيها إلى المستشفى نسمع خبر وفاة مريض كان يتلقى العلاج معنا، ولا يمكن تخيل ألم أقسى وأعنف من ذلك، فيتحول المريض إلى معاناة أشد مع فقدان رفقاء لازموه في رحلة العلاج، فيصاب بألم نفسي يضاعف الألم العضوي، وما يلبث إلا أن يفكر في مسألة متى يأتي الدور عليه؟".

وحدة الغسيل

وفي وحدة الغسيل حيث يجلس المرضى متجاورين، تبوح أعينهم بما لا ينطق به لسانهم، فعلامات الألم والترقب والإجهاد بل والحزن تعلوهم، وفي خضم هذا المشهد تجلس "م.ع" تنتظر دورها حتى تحصل على جلسة العلاج، ومن ثم تبدأ رحلة الغسيل التي تستغرق 4 إلى 5 ساعات، ويديها معلق بها أنابيب نقل الدم، فلا حيلة لها لقضاء الوقت دون تفكير أو ملل، إلا أنّ تتبادل أطراف الحديث مع من يشاركها ساعات الغسيل من المرضى؟.

هنا في هذه البُقعة المليئة بالآلام الجميع يئن ولا تجد من لا يشعر بأخيه المريض، لكن الألم كل الألم في نظرات بعض من لا يكترثون لأمر المرضى، سواء من الزوار أو الطواقم الطبية.. ربما يكونون معذورين لاعتيادهم المشهد الأليم، ولأنهم يأتون إلى هذا المكان فقط لممارسة عملهم.

ومع مرور الوقت، حيث تواصل "م.ع" تلقي العلاج منذ عام ونصف العام، ما دفعها لأنّ تناشد الجهات المعنية مساعدتها في السفر إلى الخارج لزراعة كلى أو اتخاذ أي أجراء يخمد آلامها.

يأس؟!

وتقول م.ع إنها تعيش في حالة من اليأس والحزن، إذ إنّها تعاني من الشعور بالذنب في تسببها في شعور الآخرين المحيطين بها بالألم وانزعاج الكثيرين من حولها لمرضها، وتأمل الحصول على الراحة بزراعة كلى، ولكن رغم ذلك دبّت في نفسها مشاعر سلبية أخرى بأن أجلها يقترب وأن هذا هو الملاذ الأخير لها. وتعبر "م.ع" عن شعورها بالألم لما تواجهه من مصاعب، كما تشكو عدم جاهزية وحدات غسيل الكلى.

الزوج من جهته، بلغ مرحلة من الإرهاق يخشى ألا يتحمل تبعاتها، فالزوجة المريضة تعاني يوماً بعد الآخر وتتدهور صحتها تدريجيا، فقد باتت غير قادرة على تناول الطعام كما أنها لم تعد تتحمل الأدوية، فيما يتألم الزوج لعدم قدرته على تخفيف محنتها، لاسيما وأنّه هو الآخر مريض بالسكري، وكثيرا ما يصاب بنوبات ارتفاع وهبوط في السكر، ويعاني من ضعف النظر، لكنه لا يملك خياراً آخر.

نوبات الألم

وتقول م.ع: "حياتي بأكملها مزيج من الألم ولدي أبناء أثقلت كاهلهم بالهموم، فإن أصابتني نوبة ألم كلهم يأتون من مسقط ويقطعون المسافات للوصول إليّ، في حين أنه يتعين عليهم البقاء في مسقط لتوفير احتياجات المنزل، كما لدي أبناء بالمدرسة؛ اثنان ليس لهم حيلة في غيابي ليومين في الأسبوع، إذ لا يجدون من يطهو لهم، بل يعتمدون على أنفسهم بعد العودة من المدرسة، فالأمر ليس بالسهل، فالمرض حالة من اليأس، كما أن تعود المريض على التواجد في المستشفى أمر مزعج ومؤلم، علاوة على أن زوجي لا يقوى على هذه الحياة التي أجبر على أن يعيشها، إذ إنّه هو الآخر يحتاج إلى الرعاية والعناية، فيما هو يفكر في كيفية إزاحة الآلام عني وعن أسرتي".

وتضيف "م.ع" أنّها تأمل من الجهات المعنية أن توفر لها سُبل الراحة في صالة غسيل الكلى، وأن يتم فصلها عن الرجال، ففي كثير من الأحيان لا تجد حرية الحركة في الجلسة، أو الملابس التي ترتديها، إذ تمكث لساعات انتظار لدورها، كما أنّها تُعاني من الشعور بالخجل في وجود الرجال من المرضى أو مرافقيهم، وتأمل توفير صالة للنساء تخفيفًا عليهن من الآلام التي تنهش في أجسادهن.

كما تدعو "م.ع" المسؤولين إلى البحث في إمكانية توفير مراكز لغسيل الكلى في المراكز الصحية في القرى البعيدة، حتى لا تتكبد عناء السفر ومشقة المسافة، أو على أقل تقدير أن تُراعي هذه المراكز المرضى القادمين من قرى بعيدة.

تعليق عبر الفيس بوك