المواطن الغيور

خلفان الطوقي

دعاني أحد الأصدقاء الثقات لتناول الغداء في منزله الكائن بمسقط، فقبلتها بكل ترحابٍ، هو يسكن في منزل أرضي جميل وبه مزرعة صغيرة لا تتعدى مساحتها مع المنزل 800 متر مربع، وبعد أن تناولنا الغداء قال لي صديقي: هل تصدق أنّ 80% من طعامي يأتي من هذه المزرعة الصغيرة، كما أن إنتاجها من الفواكه والخضروات يفيض عن حاجتي ويمكن أن يُغطي حاجة جميع سكان هذه القرية الصغيرة.

وفجأة غيّر نغمة صوته فأصبحت أقل حماسًا، حيث قال إنّنا نُعاني من العمالة الوافدة التي تُخرب هذه البيئة والأرض الخصبة بالاستنزاف الجائر والحرق واستخدام كافة الأسمدة الكيمائية المُمنوعة التي لا يقبلها الشرع والقانون وحتى المنطق من أجل جني أرباح سريعة، ونحن من نستهلك هذه الأغذية المشبعة بالسموم والميكروبات الضارة بالصحة والبيئة، ويضيف إنهم حولوا أراضي زراعية إلى مناجر ومستودعات ومساكن للعمال لا تنطبق عليها معايير الأمن والسلامة، مما سيضر بسمعة السلطنة ويؤدي إلى انتشار مشاكل اجتماعية معروفة للجميع، ولا يمكن إهمال الجانب البيئي والذي سيُغير من جغرافية المنطقة والمناطق المتبقية الصالحة للزراعة.

يكمل صديقي حديثه قائلاً إنه تواصل مع الجهات الحكومية المعنية ووثق كل شيء بلغة راقية ووثائق مرتبة وبادر بالحلول الفنية والعملية، ولكن دون جدوى، لدرجة أنّه استشعر أن من تواصل معهم متواطؤون مع أصحاب المزارع أو العمالة الوافدة التي تُدير هذه المزارع، وتحاول في أقصى سرعة أكل الأخضر واليابس وتسعى جاهدة لعرقلة أي تنظيم لهذا القطاع أو ذاك من أجل مصالحها من خلال من يكفلها من المواطنين.

ما يحدث لصديقي المواطن الغيور صاحب المزرعة الصغيرة هو مجرد مثال بسيط تشابهه أمثلة أخرى كثيرة عندما ينقل مواطن غيور آخر شكواه المبنية على شواهد وأدلة كانت للشرطة أو للبلدية أو الوزارات الخدمية اﻷخرى، ولا تلاقي بالمقابل آذاناً صاغية وقرارات وخطوات جادة وذكية وفورية ومنظمة للرد والتفاعل الإيجابي معه، فإنّ ذلك يزيد من اﻹحباط المتراكم لديه، ولدى غيره من المواطنين ممن يستمعون إلى شكواه وقصته.

إنّ بعض مؤسساتنا الخدمية تخسر الكثير من شبابنا الغيورين الذين يسعون بكل قوتهم للمحافظة على نقاء هذه الأرض الطيبة، وذلك بسبب عدم وجود آليات واضحة وسهلة وسريعة وذكية لهذه المؤسسات للتواصل بينها وبين المواطن، وفي آلية التعامل مع الشكاوي والمتابعة والتنفيذ، لكي يكون المواطن من هذا الحراك الإيجابي، وللأسف الشديد تنتقل عدوى الإحباط وتنتشر بسرعة، وما يزيد الطين بلة أنّ هناك مؤسسات تسعى للتفاعل اﻹيجابي مع المواطنين ولكنها توسم بالتقصير.

خلاصة القول أن هناك عدداً من الحلول والتوصيات وأهمها اﻹدراك المبكر "اليوم وليس غدًا" لأهمية المحافظة على هذه الأرض الطيبة النقية، وإشراك المواطن الغيور بل والسعي الجاد لزيادة أعدادهم في المشاركة المجتمعية قبل أن نخسرهم، لكي لا يكونوا غير مفيدين عند الحاجة إليهم، ولا يتأتى تنفيذ هذه التوصيات إلا من خلال العمل المؤسسي المنظم وبحلول ابتكارية علمية وخطوات سهلة وشفافة تستوعبها كل فئات المجتمع مستفيدين من التكنولوجيا الحديثة لتوظيفها لمساعدتنا في إيجاد الحلول السريعة التي تتناسب مع المتغيرات المتسارعة، ولا يُمكننا الوصول إلى العمل المؤسسي من خلال اجتهادات شخصية مشتتة هنا وهناك، بل من خلال قيادات تؤمن إيماناً قوياً بأهمية المحافظة على مكتسبات السلطنة والنهضة الحديثة ومؤسساتها المدنية التي أرسى دعائمها قائدنا ومولانا جلالة السلطان قابوس المعظم -حفظه الله ورعاه- ومواطنيها الغيورين كل من موقعه.

تعليق عبر الفيس بوك