محطات مع بداية الفصل الدراسي الجديد


عيسى بن علي الرواحي

عاد أبناؤنا الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية بعد إجازة سعيدة تفاوتت مدتها بين الأسبوعين إلى الأربعين يومًا؛ ليبدأوا فصلا دراسيا جديدا مليئا بالجد والاجتهاد في طلب العلم وتحصيله، وهذه الاستراحة بين الفصلين لأبنائنا تعتبر طويلة جدًا مقارنة بدول أخرى، وليست القضية في طولها فحسب، وإنما في استغلالها وتثميرها بما يعود عليهم بالنفع والصلاح، أو على الأقل ألا تكون وبالا عليهم وذات آثار سلبية، ولكن القاعدة في التعامل مع النفس واضحة بينة، فما لم تُشغل بالحق شغلت صاحبها بالباطل.
ولست أقصد بالضرورة أن يكون تثمير إجازة أبنائنا في إقامة المراكز التعليمية خلال هذه الفترة في المساجد والمراكز الأخرى وهذا بلا ريب أسمى الأهداف وأنبلها، وقد شهدنا نماذج رائعة من ذلك، وإنما يمكن أن تثمر في أمور محمودة أخرى كاستغلال طاقاتهم وهواياتهم الإيجابية فيما ينفعهم وينفع أهليهم ومجتمعهم.
بل كنت أتمنى على أقل تقدير أن أشاهد الفئة الغالبة من أبنائنا في الملاعب؛ لمزاولة الأنشطة الرياضية، فالرياضة من الضرورات التي يحتاجها الجسم، وفوائدها كثيرة لا مجال لبسطها، وإنّما ما كان طاغياً على كثير من أبنائنا أغلب فترات يومهم هو عكوفهم وانحناء رقابهم وظهورهم على التقنيات الحديثة وأجهزة الآيباد وما شاكلها، وصارت رياضاتهم المفضلة هي الألعاب الإلكترونية التي لا يكاد يخطر على بال ما تسببه من أضرار وآثار على عقل الطفل قبل جسده، وقد أسهبنا الحديث في هذا الموضوع في مقالات سابقة، وعسى أن نستفيق يومًا، بالحد أو التقليل من هذه التقنية للأبناء في هذه المرحلة العمرية.

ومع أول يوم في الفصل الدراسي الثاني استلم طلاب صفوف النقل نتائج دراسة الفصل الدراسي الأول، وهي نتائج بلا ريب تتفاوت من طالب لآخر ومن مدرسة إلى أخرى، والقاعدة التي لا يختلف عليها اثنان هي "لكل مجتهد نصيب"؛ فالمتفوقون جاء تفوقهم نتيجة جدهم واجتهادهم وطموحهم اللامحدود، والناجحون جاء نجاحهم نتيجة اهتمامهم ومثابرتهم، والذين أخفقوا في بعض المواد الدراسية إنما بسبب إهمالهم وعدم مبالاتهم بالعلم والمذاكرة والتحصيل في الغالب؛ ولا ريب أنّ الفصل الدراسي الثاني فرصة لتدارك ما فات، وتصويب الأخطاء، وتعويض الإخفاقات التي وقع فيها الطلاب؛ ولكن لا يتحقق ذلك إلا بشد الهمم والعزائم والجد والاجتهاد من بداية الفصل حتى نهايته؛ حيث بإمكان كل طالب أخفق في نتيجة الفصل الدراسي الأول أن يتحاشى دخول الدور الثاني أو إعادة عام دراسي كامل.
وإذا كان من المؤسف أن ترى أعدادا كبيرة من الطلاب قد أخفقوا في نتيجة الفصل الدراسي الأول؛ فإنّ مما تضيق له ذرعا وتأسف له بشكل أكبر؛ ألا يشعر الراسب بخطئه، ولا يؤنب نفسه على إهماله ورسوبه، فتراه يستلم نتيجته التي أخفق فيها وهو يضحك وكأن شيئاً لا يعنيه، أو أنّ النجاح والرسوب عنده سيان، وحينما لا يندم المخطئ على خطئه، ولا يشعر بتقصيره؛ فلا أظنه سيصحح مساره، ويصوب خطأه، ويجد ويجتهد لأجل تحسين نتيجته، وتعديل مستواه؛ فالندم الذي هو أول مراحل تصحيح الخطأ مفقود لديه.
وفي بداية الفصل الدراسي الثاني تفتقد كثير من مدارس الذكور أبناءها طلبة الثاني عشر أو من يسمون بطلبة الدبلوم العام، حيث يتغيبون غياباً جماعيًا عن مقاعد الدراسة مدة أسبوع كامل، وهي ظاهرة لا تزال تعاني منها كثير من المدارس، ورغم أنّ هذه الظاهرة غير المحمودة قد اختفت في أعوام سابقة، ولا تعرفها مدارس أخرى كثيرة، فإنها قد عادت مجددًا إلى بعض المدارس، وفي حقيقة الأمر لا أجد مسوغاً لهذه الظاهرة سوى تعاون الطلاب فيما لا ينفعهم، فالحصيلة من هذا الغياب خسارة أربعين حصة دراسية ستؤثر عليهم بلا ريب سلباً؛ حيث إنّها حصص محسوبة من ضمن خطة الفصل الدراسي الثاني، وهنا يضطر المعلمون إلى تعويض هذه الحصص بتكثيف الدروس، أو بتعجيل شرحها؛ حتى يتداركوا هذا التأخير.
وحسب وجهة نظري فإنّ أولياء الأمور يتحملون المسؤولية الأكبر في هذه الظاهرة، فلو أنّ كل ولي أمر أصر على ابنه بالذهاب إلى المدرسة، واتفق الآباء في المجتمع الواحد على إلزام أبنائهم بأهمية مُباشرة الدراسة من أول يوم دراسي كما اتفق الأبناء على غيابهم الجماعي مدة أسبوع كامل؛ لاستطعنا أن نقضي على هذه الظاهرة، ونُحقق ما يصلح أبناءنا وينفعهم في آخر وأهم سنة دراسية في حياتهم.
وحول هذا الشأن فإنّه لا ينبغي لإدارات المدارس إرجاع العدد القليل من طلاب الثاني عشر الذين يباشرون الدراسة من أول يوم؛ بحجة أن عددهم قليل وأن أغلب زملائهم غائبون، فالطالب جاء لأخذ حقه من التعليم وإن كان وحيدًا فرداً فإنّه يجب أن يُدرس، ولو أنّ إدارات المدارس ومعلميها طبقوا هذا المبدأ وهذا النظام الواجب اتباعه؛ لاستطاعوا أن يحدوا من هذه الظاهرة بشكل كبير؛ حيث سيضطر حينها كثير من الطلاب إلى مباشرة الدراسة في اليوم التالي، وسيكون حينها الآباء أكثر إلزاماً لأبنائهم بمباشرة الدراسة.
تترقب إدارات المدارس هذا الفصل وضع السلفة المالية المخصصة لكل مدرسة في كل فصل دراسي، وهذا الترقب المشوب بالتكهنات جاء نتيجة تلميحات الوزارة الموقرة بالنظر في أن تشمل السلف المالية المخصصة للمدارس نصيبها من ترشيد الإنفاق العام الذي زادت حدته مطلع العام الحالي.
ومع أننا نؤمن بأنّ المدارس جزء من هذا الوطن، وأن التعاون مطلوب من الجميع للتغلب على الأزمة المالية؛ فإنّنا نأمل بل نطالب أن يُنظر إلى المدارس بوضع خاص في هذه الناحية، وأن تستثنى من هذه الإجراءات؛ حيث مطالب المدارس واحتياجاتها من كافة الجوانب لا تقف عند حد، وعسى أن يكون لنا حديث مستقل حول هذا الشأن ... والله المستعان.
issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك