الزراعة ورفد الاقتصاد

 حمود الطوقي

 

في ظل تداعيات هبوط أسعار النفط، يلجأ البعض إلى التباكي على الماضي، في وقت لا يجدي فيه البكاء على ما مضى، فكلنا ندرك أنّ النفط نعمة من نعم الله علينا، وقد ساهم كموردٍ اقتصادي في تعزيز القيمة المُضافة لاقتصاد البلاد، كما ساهم في بناء العديد من المشاريع الاقتصادية وشهدت البلاد بفضله حركة تنموية هائلة غطّت كل ميادين الحياة، وقطعنا أشواطاً كبيرة في طريق التنمية وتطوير البنى التحية التي يمكننا الانطلاق من خلالها إلى آفاق اقتصادية رحبة بعيداً عن التأثر بأسعار النفط.

 

لكن ذلك يتطلب منّا التركيز على الموارد الاقتصادية الأخرى التي ربما نكون قد أغفلنا جانبها في وقت الرخاء وفترة ارتفاع أسعار النفط، رغم قناعتنا التامة بأن النفط  مورد ناضب ولا ينبغي التعويل عليه إجمالاً. وأعني هنا الموارد الدائمة التي تتمثل في السياحة والزراعة والثروة السمكية، وقبل كل هذا الثروة البشرية التي تتمثل في الشباب والذين ينبغي التعويل عليهم وتنمية مواهبهم والأخذ بيدهم في كافة  المجالات، حتى نتخطى هذه الأزمة التي تعصف بالعالم. فعمان تملك كل المقومات التي يمكنها أن تنهض بالزراعة وهي مهنة الأجداد وتعد من أفضل البدائل لرفد الاقتصاد الوطني.فالزراعة والصيد بالنسبة للعمانيين مهنة مُقدسة وهي مهنة توارثها العمانيون أباً عن جد، وقد سجل التاريخ تفوق العمانيين في هذه المهنة على بقية دول المنطقة.  ولا يخفى على أحد الجهود التي تبذلها الجهات المعنية بالزراعة لرفد هذا القطاع بما يحتاجه من مقومات حتى يؤدي دوره على الوجه الأكمل، ويكفي المواطن أن يزور الأسواق ليرى المنتجات الزراعية المختلفة التي هي من خيرات هذه الأرض الطيبة التي لا تنبت إلا طيبًا، وخلال متابعتي للجهود التي تبذل من قبل الحكومة ممثلة بوزارة الزراعة والثروة السمكية، أرى أنه يمكن للاقتصاد العماني أن يراهن على الزراعة كواحدة من الموارد الهامة لرفد الاقتصاد الوطني حيث اتخذت مجموعة من المبادرات في مجال الاستثمار الغذائي ليكون استثمارا جديرًا بأن يوصف بأنه استثمار ذا عائد اقتصادي في ظل كساد السوق النفطية. ومن هذا المنطلق قامت الحكومة بتأسيس الشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة كذراع استثماري حكومي، كواحدة من المشروعات المزمع إقامتها لتقود قاطرة التنمية الاقتصادية مثل مشروع الألبان في محافظة ظفار وهو من المشاريع المهمة والحيوية باستثمار يتجاوز رأسماله 30 مليون ريال عماني، كما أنّ هناك مشروعاً آخر للألبان بقيمة 100 مليون ريال عماني ومشروع للدواجن وآخر لبيض المائدة بتكلفة تزيد عن 100 مليون ريال كما ستنفذ الشركة مشروعاً للحوم الحمراء لتغطية العجز في السوق وذلك نظرًا للإقبال الكبير من قبل المواطنين على اللحوم العمانية، التي تعتبر أكثر جودة،  كما تشارك الشركة وزارة الزراعة والثروة السمكية في دراسة الجدوى الاقتصادية لإقامة مشروع للتمور وهو مشروع يتوجب إعطاؤه الأولوية لأهميته خاصة في ظل وجود ما يقرب من ثمانية ملايين نخلة بمختلف الأصناف.

 

ومن هنا يتوجب على الجهات المسؤولة أن تعيد النظر في إنشاء شركة لتسويق المنتجات الزراعية، تأخذ على عاتقها عبء إقامة منافذ تسويقية جاذبة، حتى يضمن المنتجون تسويقاً جيداً لمنتجاتهم مما يشجعهم على الإقبال على مهنة الأجداد وزيادة إنتاجهم من المحاصيل الزراعية والخضروات، كما يسهم ذلك أيضاً في الحد من العمالة الوافدة التي لا تتمتع بالخبرة في مجال الزراعة.  وقد قامت الحكومة من خلال استراتيجياتها لرفد قطاع الزراعة بإعطاء موافقات للصندوق العُماني للاستثمار وهو أحد الصناديق الحكومية التي تقوم بإنشاء مشاريع كبيرة في مجال الاستزراع السمكي، ونجح الصندوق في إقامة مشروع زراعي مشترك مع حكومة دولة قطر لإنتاج أجود أنواع المنتجات الزراعية وبمواصفات عالية وقد بدأ بالفعل الإنتاج ويصدر إلى الأسواق العالمية، ويستثمر الصندوق كذلك مع إحدى الشركات اليابانية في إقامة منطقة للصناعات والأنشطة الغذائية بولاية شناص باستثمارات تصل إلى نحو 400 مليون دولار بالإضافة للاستثمارات الحكومية الأخرى فهناك شركة النجد التي بدأت المرحلة الأولى في إنتاج الحشائش، ولدى الحكومة خطة طموحة وبرنامج يهدف إلى توسعة الشركات القائمة مثل شركة المطاحن العُمانية والشركة العمانية للتنمية الحيوانية والشركة العمانية الهندية للسماد وشركة الأسماك العمانية وشركة الوسطى للأسماك ولا شك أن هذه الجهود ستُعزز من قيمة الاستثمارات الحكومية في هذا القطاع الحيوي الهام . كما أن هناك مُبادرات عديدة من مستثمرين من داخل وخارج السلطنة للمساهمة في هذه المشروعات إضافة الى الجهود الحكومية فإنّ هناك مشروعات ومبادرات من قبل القطاع الخاص وهي كثيرة وعلى مستويات عديدة. وما يهما أن نرى القطاع الخاص ينجح في تنفيذ مشاريع زراعية ونرجو ألا تتوانى الحكومة في توفير الأراضي الزراعية التي تتوفر فيها المياه والخدمات ليتسنى لنا أن نرى مساهمات القطاع الخاص في هذا الجانب، لأنّ بلادنا وبما وهبها الله من أرض ومناخ زراعي تجعلنا نتفاءل بمستقبل واعد وزاهر  للزراعة يجعلها رفداً للاقتصاد الوطني ومساهمة في الناتج المحلي.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك