وادي الحريم.. الخضرة والجمال

عائشة البلوشية

 

كنت في إحدى الجهات الحكومية، أنتظر الدخول إلى موعد لاجتماع، ولافتتاني بالمساحات الخضراء، شدت انتباهي لوحة معلقة على أحد جدران المكان الذي كنت أنتظر فيه، كان منظرًا طبيعيا ﻹحدى المزارع العمانية، فأبحرت مع تباين الدرجات اللونيّة المختلفة في تلك الصورة، وذاكرتي ترحل بي إلى موقع جميل في بلادي الحبيبة، حيث كنا نمر به أنا وشقيقتي علياء، برفقة جدتنا الغالية في طفولتنا ويشدنا منظر أشجار الفواكه في وادي الحريم، وننتظر اللحظة التي سنصل فيها إلى منزل الوالد سعيد العلوي، لنتلذذ بطعم عسل البرم الرائع مع الرخال المحضرة حال وصولنا، حيث تعودنا على تبادل الزيارات معهم ﻷنّه تزوج من إحدى السيدات -رحمها الله وغفر لها- التي كانت تربطها علاقة مودة بجدتي أطال الله في عمرها، فكانت زيارتنا إلى ولاية ينقل - إحدى الولايات الثلاث لمحافظة الظاهرة- بمثابة رحلة إلى عالم ديزني ﻷطفال اليوم، ﻷننا نمر على بيئة غنية بتفاصيل القرى الزاهرة بقوة إرادة الإنسان، من المزارع الغناء والماء العذب الذي يتسلسل في مجرى الوادي، فننغمس في جمال لا متناه، قبل فترة تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الافتراضي والإعلام التقليدي خبر اختراق جسم مضيء سماء ولاية ينقل، وسماع صوت انفجار بعد ذلك، حيث التقط بعض الأهالي صورًا مختلفة لذلك الجسم الملتهب، ويبدو أنّه أحد النيازك التي تسقط على أرض السلطنة بكثرة، حيث تعد السلطنة من أفضل المواقع على الكرة الأرضيّة لدراسة تكوين الأرض، كما تعتبر صحارى السلطنة وفيافيها هي من أفضل الأماكن لدراسة تكوين الكون، بسبب النيازك التي تسقط من القمر والمريخ والحزام الكويكبي بين المشتري والمريخ، فقد قدر عمر أحد هذه النيازك بأربعة ملايين عام ونصف، أي أكبر من عمر الكرة الأرضية بكثير؛ وبعد خبر الكرة النارية أصبحت ولاية ينقل حديث الجميع لعدة أيام؛ ولكن قبل ذلك وتحديدًا في ديسمبر من عام 2013م تفاجأت بخبر في التلفزيون العماني حول نجاح أحد المواطنين في وادي الحريم بولاية ينقل في زراعة فاكهة "تفاح جاوة" أو ما يعرف في اللغة الإنجلزية بـ rose apple ، وهي فاكهة لذيذة جدا، توجد في الشرق الأقصى بلون وردي جميل، وفي بعض البلدان الأوروبية بلون مشرب بحمرة داكنة، وجلست متشوقة لمشاهدة التقرير، وكم كنت مسرورة ومسحورة برؤية الثمار تتدلى من الأشجار في تلك الطبيعة الآسرة، دون الحاجة إلى البيوت الخضراء أو الصوبات الزراعية.. يبعد وادي الحريم عن مركز ولاية ينقل حوالي خمسة وأربعين كلم، ويبعد عن ولايتي صحار وصحم في الباطنة شمال حوالي سبعين كلم، وبحسب الروايات فقد سمي وادي الحريم الذي يصب في وادي عاهن بمحافظة الباطنة شمال بهذا الاسم بسبب تحريم الحرب بين القبائل في تلك البقعة، وهناك من يقول إنّ حربًا دارت فقضت على الكثير من الرجال، وزاد عدد النساء (الحريم)، وبغض النظر عن السبب فإن للاسم عامل جذب يبعث الرغبة في النفس كي تذهب لتفقد جنبات ذلك الوادي الذي تمتد الجبال المتباينة الألوان على جنباته بامتداد النظر، وهو يذكّرني بأسماء الأوديّة والمواقع الغريبة في حكايات ألف ليلة وليلة، ورغم أن هذا المقال ليس صفحة من كتاب كليلة ودمنة، ولست بشهر زاد تلك الأزمنة السحيقة، إلا أنّ وادي الحريم بتفاصيله يوقظ في تلك الذكريات وبخاصة عندما أقترب من حافة "طوي الزبا" الموجودة بقرب واحتي "هامة وباحة" الواقعتين في سفح الجبل، حيث يقال إنّ هذه البئر قديمة جدا، تعود إلى ما قبل مائتي عام، ويقال إنّها كانت منجما لاستخراج النحاس، وهذا سبب تسميتها بذلك الاسم.. في كل شبر من تراب بلادي حكاية، سطورها مجد، وعبقها ورد، وطعمها شهد، طبيعتها وإنسانها مغلفون بالإرادة والكرم والود، ومن هنا تأتي الوجبات الدسمة بأنواعها المتعددة التي يمكن لقناة عمان الثقافية أن تعدها، لتنافس موادها القنوات العالمية التي تنتهج نفس الخط، حيث تمزج ما بين التصوير الفائق الدقة، والكلمة الآسرة بغزارة علمها وعمق معلوماتها.. توقيع: "في كل لحظة عش حياتك بالكامل.. فهذه اللحظة في الغد قد تأتي أو لا تأتي" من فيلم Kal Ho Naa Ho .

تعليق عبر الفيس بوك