دورة الحياة

مدرين المكتوميّة

من يتأمل محطات الحياة المختلفة جيدًا سيعرف أنّ دوام الحال من المحال، فلا يمكن للسعادة أن تستمر طويلا كما لا يمكن للأزمات أن تستمر إلى ما لا نهاية.. هكذا هي سنّة الحياة المتقلبة بشكل سريع من حال إلى مآل آخر، ولربما من جمال الحياة وثرائها هذا التغير المستمر كما دوران الفصول الأربعة على مدار العام.

تتلبد الغيوم ثم تسطع الشمس من جديد، ولكننا لوهلة وتحت وطأة أزمات معينة يخيل إليّنا أنّ هذه الأزمة قد لا تنجلي أبدا، وما إنّ يمضي الوقت وتتقادم الساعات وتمر الأيام حتى تنتهي الأزمة وننسى ضغوطاتها ونتسلح بالأمل لنصنع الفرح من حولنا.

فدوام الحال من المحال ولاشيء يظل ثابتاً على حاله في هذه الحياة المتقلبة من وجه إلى آخر فاللحظات التي أحزنتك تمر وإن طال آمدها والزمن كفيل أن يمحو آثار الحزن ولو طالت أيّامه وكذلك الحال بالنسبة للأفراح نعيش ربيعها مهما طال الشتاء فلابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر.

وقد تتعلق قلوبنا بأشخاص لدرجة أننا لا نتحمل فراقهم للحظات ويشكل هؤلاء المحبوبون لدينا شيئاً مهماً ولكن في لحظة ما يمكن أن يهجروننا لمجرد اختلاف في وجهات النظر أو لأنهم وجدوا من يضاعف لهم الاهتمام والحب، فيبتعدون عنا، حتى يقلل هذا البعد كميّة الاهتمام والحب الذي كنا نمنحهم له، وتزيد مساحات التباعد حتى تدخل تلك العلاقات في دائرة النسيان وربما يصبح ذلك التعلّق في تعداد الذكريات نعيد معايشتها متى ما شعرنا للحاجة لها، ولكن في بدايات كل هذا التباعد قد يتوّهم البعض أنّ الحياة أصبحت بائسة ويتسلل الإحباط إلى نفس الشخص الصادق في تعلقه ومع مرور الأيام يمكن للزمن أن يمارس هوايته المفضله في محو ذلك الإخلاص للذين تنكروا له، وبالمقابل هنالك من لا يتعلم من تلك التجارب الحياتية التي تعطي دروسا بالمجان في كيفية مواجهة "مرها" و"حلوها".

فعلى الإنسان السوي أن يؤمن بقاعدة أنّ الأيام مثلما تبسمت لك يوماً وأضحكتك لديها المقدرة بأن "تُكشر" لك وتبكيك.. فلا فرح ولا حزن يدوم فالأقدار كما تهبنا قادرة على أن تأخذ منا، فلولا كل تلك التقلبات لما كنا أناس قادرين على المواجهة والصمود أمام أي باب يغلق أمام أعيينا، بل نكتشف بأننا نجتازه ونجتاز الآخر تلو الآخر دون توقف، فالحياة لا تترك أحدا، جميعنا معرضون لتقلباتها، فلا سبيل للفرار منها.

ولكن يبقى أن تفتح الآمال لنا أبواب فرحها، حتى نغلق ألف باب للحزن يمكن أن يفتح في لحظة يأس ليبث لنا سعادة لا يمكن أن نصدقها، ونبتسم ابتسامة عريضه مضمونها " أهلا بك أيها الأمل، أهلا بك أيتها السعادة التي أنرتِ لي ظلامي الدامس" ونستقبلها بأيد مفتوحة ونحتضنها، فبالأمل يمكن أن تحلو الحياة ولو تحقق من تلك الآمال العريضة جزء بسيط، وسنفرح يوماً طالما أننا بمقدورنا أن نحاول أن نرسم السعادة على وجوه الآخرين الذين يفوقوننا بؤساً وحتماً سيعود إلى أحضاننا أولئك الذين هجروننا لأنّ ما وجدوه من دفء وحنان يجعلهم يعودون في مواسم الشتاء.

MADREEN@ALROYA.INFO

تعليق عبر الفيس بوك