قدسية الفكر لا جهل النجوم

راشد حمد الجنيبي

 

الإنسان خليفة رب السماء على الأرض، والقائم فيها، كونه المتجدّد المتنوّر المتحرّر، على نقيض باقي الخلق يقف الإنسان متطوّرا مع تغيرات الحياة، والجوهر في اختلاف حياته عن حياة النمل والنحل والطير المنظّمة الدقيقة أنّ الإنسان يسخّر نور الفكر لتطوير حياته من كل الجوانب على مدى كل أجياله، فحياة سرب الطيور وجحافل النمل وجوانح النحل عظيمة قوية ومدروسة لكنها ليست متغيرة و لا متجددة، ولهذا هو مطبّق حكومة رب الأكوان على الأرض.

لبنة الفكر إذن، هـي سرّ تقديس وجود البشر، وهي المتنفّس لهم وهي السبيل، والذنب الجليل إذا زنزن الفكر بقفص الجهل، وقيّد بحبال الجبر، وفتّت بحجة طمس الاختلاف، المجددون عبر العصور وفي قصص كان يا ما كان وعبر الأنبياء والأولياء كانوا دوما أمام فوّهة الهجوم والتنكيل، لكن يركع كل ذلك أمامهم ويسدل الستار وتكسر الرماح بحجة الفكر وبرهانه، ويرجع الإنسان للسيادة بفكره، أي إن لدخول بوابة الفكر والتحرّر والتجدّد خطورة وضريبة وتضحيات وقد تكون دماء.

وبسبب هذه المأساة قد يضعف الإنسان ويهون، خوفا من تلك العواقب، وأيضا شبح الكسل والركود يجول في نفسه كي لا يطرق باب الفكر، ويخدّر الحماس، بل قد يكتفي بتلقين موروث لدهور و يمضي به، ويؤمن به ويرسم عقيدة حياته به حتى دون أبسط تساؤلات الفكر، ولا يسعى أبدا لفك أحاجي تطورات الحياة وتغيراتها وقدها، بل يتّكل على هذا التلقين ويجعله راحة له من كل تساؤلات ماذا وكيف ولماذا.. وإن فاح فيه وباء الجهل سيسخّر روحه قربانا للدفاع عن هذا التلقين أو الإرث الفكري المزروع فيه بدون أن ينفث الغبار عن باب الفكر والتساؤلات في روحه، فيصبح حبيس الجهل ولا يرقى للحرية إلا بالفكر.

فقدان الفكر حينها وقمعه سيكون سبيلا للجانب الموحش من البشر، فمؤامرات الشر تجدّ من اختطاف الفكر منفذا لتبرير سوادها، بل تحبس عقول الرعية من البشر للإيمان بهم والخضوع لهم، بل بالجهل وموت الفكر يجعل من الظلمة أبطالا، والرعية بفقدانها لفكرها وأسرها لتساؤلاتها المتعطّشة للحريّة ستسمح للطّغيان البائس أن يخلد في الأرض التى جعلها ربها اختبارا وميدانا للسيادة البشر بالفكر أصلا ولإبعاد ظلام الجهالية الموحش، وسيكتفي حينها المظلوم بفقر الفكر باللجوء للخرافات والترهات والخزعبلات لسد فراغ الفكر في نفسه، ويرسم بالحوت والأسد والحمل والدلو من أبراج النجوم الزائفة وقراءة فناجين القهوة والكفوف خططا خادعة وتوقعات زائفة لحياته.

الفكر ذاك المحراب السماوي الذي يسموا بصاحبه لأعالي النجاح والتحرر ويجيب ما في جعبه من غيبيّات الحياة، الفكر سيّد الحواس وموّجهها وسرّ وجود الحياة، الفكر أساس الحريّة فجريمة لو اعتقل، الفكر أقوى القوى وأكثرها نظاما وأعظمها، وللفكر وبحق الفكر ومن أجل الفكر فلنمحّصه من شوائب الجهل وننقّيه بالتدبّر والتأمّل والتخطيط وعلى سيّد الأكوان التوكّل، ولننتقي ما نتابع ونقرأ ونتعلم ونتبع بقدسيّة تليق بعظم التفكّر، وبالتخطيط يؤخذ بالأسباب ويرسم المستقبل لا بالتنجيم؛ حينها تكون للفكر قدسيّة.

 

Rashidhj1139@hotmail.com

 

تعليق عبر الفيس بوك