"عِش عمان"

خلفان العاصمي

يحل مهرجان مسقط في مثل هذا الوقت من كل عام على عاصمتنا الجميلة مسقط ليكون عامل جذب سياحي هام يضاف إلى عامل الجو والذي يجتذب السياح القادمين من البلدان المتجمدة وذات الصقيع القارس ليبحثوا عن شمس الشتاء الدافئة ما بين تضاريس جغرافية جاذبة تتشكل من الشواطئ والسهول والجبال والصحراء كمكونات طبيعية تضيف قيمة أخرى لعوامل الجذب السياحي في السلطنة، هذا بالإضافة للقيمة المحلية للمهرجان كونه يأتي مع عطلة منتصف العام الدراسي بالنسبة لطلاب المدارس، كما يتزامن مع عطل الكثير من مؤسسات التعليم العالي ليكون متنفساً لقضاء هذه العطلة والاستمتاع بما يتضمنه من فعاليات متنوعة تصنع البهجة وتريح النفس وتكسر روتين الحياة اليومي.

مهرجان مسقط في نسخة العام الحالي 2016م والذي انطلق منتصف الشهر الماضي تحت شعار (عِشْ عمان)، جاء ليحتفل بالتراث العماني بما يحمله من مفردات يتشكل منها وممارسات يقف عليها وتفاصيل ستظل تحكيه لكل الأجيال، فجاءت القرية التراثية والتي تُعد من مكونات المهرجان الرئيسية أكثر زخماً من حيث أركانها التي تشمل مختلف البيئات السكانية في السلطنة البدوية، الحضرية، الزراعية، الساحلية والجبلية بمرافقها وحاراتها وأسواقها وفنونها التي تقدم بشكل حي للزوار، وإن كانت القرية التراثية حاضرة منذ الدورة الأولى للمهرجان ولكن تبقى زيارتها مهمة في كل مرة لتحقق الكثير من الأهداف، فهي للسائح محطة تعريفية بالحياة العمانية القديمة وهي للباحث مصدر للمعلومة والمعرفة عن تفاصيل هذه الحياة، وللطالب منصة لربطه بما يدرسه في المقررات الدراسية ذات العلاقة سواء في مناهج الدراسات الاجتماعية المختلفة أو من خلال منهج المهارات الحياتية في الشق الذي يعنى بتدريس الفنون والممارسات العمانية التقليدية، كذلك فهي بالنسبة للمصور الضوئي مساحة لالتقاط أجمل الصور بما تتيحه من تجسيد للحياة العمانية القديمة بأدواتها وشخوصها وأزيائها، ومن زوايا مختلفة يتفنن من خلالها المصور في هذه الالتقاطات التي حاز الكثير منها على جوائز عالمية وفي مسابقات كثيرة أبرزها مسابقة نادي التصوير الدولي (الفياب).

كما يتجسد احتفاء مهرجان مسقط هذا العام بالموروث من خلال بعض الفعاليات المتخصصة كمعرض الهوية العمانية والذي نفذته اللجنة الرئيسية للمهرجان بالتعاون مع الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمشاركة مجموعة من صاحبات المؤسسات الصغيرة والأعمال المنزلية حيث كانت الهوية العمانية هي الثيمة الأساسية لهذا المعرض وتجسدت في مختلف المعروضات سواء الملابس أو الإكسسوارات والتي أخذت من مكونات الثقافة العمانية تصاميمها المُبتكرة بالإضافة للعطور والبخور المستخلص من منتجات زهرية ونباتية عمانية، أما الفعالية الثانية والتي يتزامن موعد إقامتها مع نشر هذا المقال والتي تأتي تحت مسمى (أسبوع إحياء التراث العُماني) وتعنى بتصميم وتطوير الزي العماني التقليدي من خلال مجموعة من عروض الأزياء العمانية لعدد من مصممي ومصممات الأزياء العمانيين وكذلك من خلال بيوت الموضة بدول الخليج المهتمة بالزي العُماني وجمعيات المرأة العمانية، حيث يستلهم المصممون تصاميمهم سواء للأزياء أو الإكسسوارت الخاصة بها من الفنون العمانية المتمثلة في نقوش العمارة ونقوش الحلي العمانية التقليدية، ولغرس هذه الثقافة لدى الهواة والمبتدئين من المصممين فتم تنفيذ حلقة عمل على مدى خمسة أيام قدمها متخصصون في مجال الأزياء.

مهرجان هذا العام أيضاً احتفى بالعلم والعلماء المسلمين بأسلوب عصري وحديث من خلال معرض حمل مسمى "ألف اختراع واختراع: لنستكشف ماضينا، ونلهم مستقبلنا" حيث تسلط هذه الفعالية الضوء على ألف عام من الإنجازات العلمية والثقافية للعصر الذهبي للحضارة الإسلامية وقامت بتنفيذه مؤسسة إنجليزية غير ربحية تحمل نفس الاسم وتتبنى فكرة التعريف بالعلماء والمخترعين المسلمين، وتستضيفه السلطنة للمرة الأولى عبر مهرجان مسقط بحديقة العامرات، ويبرز المعرض أهم الإسهامات العلمية والثقافية والتقنية لمفكرين وعلماء من الرجال والنساء من أمثال الرازي وفاطمة الفهرية والزهراوي وابن ماجد عاشوا في حقبة زمنية تقرب الألف عام تعرف بالعصر الذهبي للحضارة الإسلامية، ويشمل المعرض والذي سيتواصل حتى نهاية المهرجان عددًا كبيرًا من الفعاليات الترفيهية والتعلمية، كتقديم وسرد قصص للشخصيات عبر أفلام وعروض حية، وحلقات عمل لإبراز إنجازاتهم التي مازال تأثيرها واضحاً على حياتنا اليومية على الرغم من مرور ألف عام عليها، هذا بالإضافة إلى المعروضات العديدة التي تعكس التطور في تلك الحقبة في مجالات متعددة كالطب وعلم الفلك والرياضيات والهندسة وعلوم البحار وغيرها، ويعد هذا المعرض فرصة أخرى للطلبة بمختلف مراحلهم الدراسية للتعرف على هؤلاء العلماء وإنجازاتهم بأسلوب يرسخ المعلومة في الذاكرة بشكل تفاعلي.

في الجانب الثقافي وبالإضافة للفعاليات الثقافية المختلفة والمتنوعة بين المحاضرات وحلقات العمل والأمسيات الشعرية وغيرها يحسب للمهرجان هذا العام استقطابه للنادي الثقافي كمؤسسة ثقافية تقدم برامج وفعاليات ثقافية منوعة خلال شهر كامل وبشكل متواصل خارج مبنى المؤسسة وفي مكان عام تقترب من خلاله من عامة الناس بعروض مبسطة تخاطب الجميع.

مهرجان مسقط سيظل متجددًا في كل دورة من دوراته وسيشهد نفس الزخم ونفس الحضور الجماهيري لأنّه الواجهة السياحية الأولى لمدينة مسقط عاصمة الحُب والجمال.

تعليق عبر الفيس بوك