الاستثمار الوطني أولى بالرعاية

علي بن مسعود المعشني

ونحن على بُعد أيام من قانون الاستثمار الجديد والذي يُشاع بأنه سيفتح الباب على مصراعيه لرأس المال الأجنبي والمستثمر الأجنبي دون شريك عُماني أو سقف مالي مُحدد، لابد لنا أن نشعر بالخوف والقلق من هكذا قانون وهكذا انفتاح غير مدروس، ومرد خوفنا وقلقنا بالنظر إلى تجارب سابقة ونماذج شاخصة على الأرض اليوم يجدر بنا مراجعتها والاتعاظ منها قبل التمادي في المزيد من الخطوات التي ستشكل مستنقعات لنا لا نستطيع الانفكاك منها أو السيطرة عليها مستقبلًا بحكم مظاهر وأعراض العولمة وحمى التجارة الدولية وسطوة الشركات العملاقة العابرة للقارات والرساميل الضخمة المنظمة في الاختراق واللوبيات والتي لم يصمد أمامها أي اقتصاد وطني ولم يسلم من سطوتها مهما تعاظم وتعدد، فما بالنا نحن كاقتصاد ريعي فتي يتلمس لنفسه هوية وهوى على الأرض وتحت الشمس.

تعودنا في كل منحنى وأزمة، على حلول ارتجالية غير مدروسة، نكتشف بعد حين أنّها أغلال في أيدينا وضعناها ونحن بكامل قوانا العقلية وإرادتنا دون وعي منّا بآثارها وأبعادها، لعل أقربها للذاكرة هي الحلول التي واجهت بها الحكومة مطالب المعتصمين في عام 2011م، من التزامات مالية ضخمة ومُكلفة هي السبب الأساس اليوم في تحويل موارد الدولة لتصبح موارد في بند المصروفات المتكررة (الرواتب والعلاوات) ولتأتي على نصيب الوفورات المستقبلية وقطاعات الاستثمار الوطني والتنمية الشاملة.

فالتعيينات الهائلة غير المدروسة في القطاع العام جعلته قطاعًا مترهلًا بكل المعايير ويُعاني من كل مظاهر البطالة المقنعة والبيروقراطية، حيث وظفت المليارات من الريالات كرواتب وعلاوات مقابل إنتاجية متواضعة للغاية ومردود اقتصادي خجول جراء ذلك، وألزمت الحكومة نفسها بإعادة جدولة الرواتب ومنظومة التقاعد ومنح مالية شهرية لطلاب الجامعات والكليات والباحثين عن العمل، وهذا الالتزام ولد بالنتيجة إنفاقًا هائلًا يُكبد خزينة الدولة الشيء الكثير بلاعائد، وبلا وجود بدائل أو وفورات من مصادر أخرى تجبر ضرر هذا الهدر وتجعلنا نواجه الأزمات الاقتصادية كالتي نعيشها اليوم دون إخلال أو مساس بمكاسب المواطنين، أو التفريط في سيادة دولتنا أو تعريض اقتصادها ومكتسباتها للخطر أو المنافسات غير المتكافئة والحلول الارتجالية .

تجاربنا مع بعض الاستثمارات الأجنبية تجارب غير مريحة ولا مجدية، ولا تحقق أدنى قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، فهي في غالبيتها مجرد خدمات على شكل شركات اتصال أو مجمعات سكنية أو تجارية تُمنح بسخاء شديد للمستثمر الأجنبي ولا ينوبنا منها سوى الفتات والقشور، فأغلب تلك الاستثمارات - إن جازت التسمية - هي عبارة عن منافذ تجارية لتسويق بضائع ومنتجات لبلدان بعينها ومصدر من مصادر العملة الصعبة لاقتصاداتها، وهي تأتي بأسماء أشخاص ولكنها محمية من بلدانها وبتشجيع وضخ أموال وتسهيلات منها، وبالتالي فنصيبنا في السلطنة وعوائدنا كأفراد أو حكومة لابد أن يكون شحيحًا ومتواضعًا من تلك الاستثمارات.

يكفي أنّ هجوم موضة المجمعات التجارية وانتشارها كالفطر في بلادنا قضى على جميع الأنشطة التجارية وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تدريجيًا، بدءًا من المواد الغذائية وصولًا إلى الأجهزة الكهربائية ووسائط التقنية والمفروشات والملابس والكماليات والضروريات جميعها، حيث حوت تلك المجمعات جميع الأنشطة وجذبت الرساميل الكبيرة وطردت الرساميل الصغيرة والمتوسطة بارتفاع إيجاراتها وعروضها التجارية وطرق تسويقها وإغراءاتها.

علينا أن نُفكر بعقل ونحتكم إلى مصالحنا كأفراد وجماعات، وأن نتعامل مع هكذا قوانين بمعايير اقتصادية وسيادية بحتة، قانون الجذب والطرد وقانون المصلحة العامة، قبل فوات الأوان، فنحن من ناحية نتحدث عن أهمية وضرورة توطين سوق العمل وغرس ثقافة العمل الحر لدى مواطنينا، وننشئ المؤسسات التمويلية لتحفيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وخلق ثقافة العمل الحُر لمجتمع أدمن الوظيفة الحكومية والكسب المريح، وفي المقابل نشرع الأبواب بكرم حاتمي للأجنبي ليأتي على الأخضر واليابس ويُعيق خططنا وطموحاتنا وآمالنا ثم نتساءل عن أسباب ضعف اقتصادنا وهجر أبنائنا للعمل الحر؟ .

أزمة النفط الحادة اليوم وأعراضها وآثارها وسقفها الزمني المفتوح تفرض علينا أن نتحلى بشيء من الحكمة وأن نحول هذه المحنة إلى منحة ونستغلها في فسح المجال للمواطنين بطرق أبواب العمل الحر كبديل عن طوابير ترقب الوظيفة، وهذا لن يتأتى إلا عبر هبة مالية وتشريعية وإجرائية، تجعلنا نجمع كافة أدوات التمويل الحالية بمافيها حواضن المصارف التجارية(بنك الإسكان، صندوق الرفد، بنك التنمية، صندوق تنمية مشروعات الشباب، مورد رزق .... إلخ) تحت مظلة قانونية وهيئة واحدة حتى نعزز من رأس المال العام لها وتتوحد الإجراءات والشروط وتتنوع المناشط وتُبسط الإجراءات لتصبح تلك القروض التمويلية بمثابة سلعة جاذبة للمواطن تحت سقف ثقافة الاقتصاد الاجتماعي وبمعزل عن ثقافة الربحية وأجواء المصارف وماتوارثناه وتعارفنا عليه من قبل وتصبح تلك الهيئة المرتقبة شريكًا حقيقيًا للمواطن في المشروع بدءًا من دراسة الجدوى إلى الرعاية والنصح والإرشاد إلى التسويق وتحسين الجودة والمنافسة وتتحمل ألم التجربة ومراحل مراراتها في الخسائر والتعثر في سبيل تحقيق هدف أسمى وهو غرس ثقافة العمل الحر بكل رسوخ وثبات وفق مخطط زمني مرجو ومعلوم.

قبل اللقاء: كثيرًا ما نتحدث عن الخصخصة على أنّها حل من حلول ترقية الاقتصاد والنهوض بالقطاعات والموارد الحيوية للدولة، بزعم أن القطاع العام أيّ الحكومة لم تحقق النجاح المطلوب في إدارة هذه القطاعات لتمرير الخصخصة ووضع مقدرات الدولة بيد أفراد بعينهم، خاصة وأنّ هذه القطاعات تكاد تكون من التي تُدير نفسها تلقائيًا وتدر أرباحًا خيالية على خزينة الدولة كالماء والكهرباء والاتصالات ومافي حكمهما.. يجب أن نعترف بأنّ الخصخصة وصفة قاتلة للشعوب والأوطان بكل ما تحمله الكلمة من معان ومضامين وأنّها هروب لأيّ حكومة من استحقاقات الوطن والمواطن وتكريس للطبقية في زمن التحرر والشفافية.

وبالشكر تدوم النعم

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك