مدرسة الدبلوماسية العُمانية

حاتم الطائي

يُؤرخ دخول الاتِّفاق النووي الإيراني حيِّز التنفيذ الفعلي برفع العقوبات المفروضة على طهران، لمرحلةٍ جديدةٍ تسود فيها الدبلوماسية، وتعلُو فيها لغة الحوار على قرقعة السلاح.

فالاتِّفاق ورغم أنّه نتاج مفاوضات صعبة، استغرقت وقتاً غير يسير، إلا أنّ العِبرةَ -كما يقولون- بالنِّهايات والتي جاءت مُلبيةً لتطلعاتِ الأطرافِ المشاركةِ فيه إيران من جهة والقوى الدولية"5+1" من الجهة الأخرى..

ولسنا بصدد التناول التفصيلي لبنود الاتفاق، وإنّما سنُحاول مُقاربة النتائج المتوخاة لهذا الاتفاق على المنطقة والسلم العالمي ككل..

وقبل ذلك يتوجب علينا أن نتوقف عند الدور العُماني في إنجاز هذا الاتّفاق.. وهو دور محوري وليس بخافٍ على أحد، حيث إنّ الدبلوماسيةَ العُمانيةَ ظلّت ولقرابة عقدٍ من الزمان، تبذل جهوداً جبارةً في سبيلِ تقريبِ وجهات النَّظر بين الطرفين اللذين انخرطا في مفاوضات ماراثونية لا يخلو طريقها من المطبّات والتَّحديات، إلا أنّه كان للتدخل العُماني وفي مختلف مراحل التفاوض، دور حاسم في حث الطرفين على تجاوز العقبات بُغية التَّوصل إلى اتِّفاق يُرضِي الجميع.. وليس هذا بمُستغرب على عُمان وثوابت سياستها الخارجيةِ التي اختطّها جلالة السُّلطان قابوس، والساعية دوماً لأن يسُود المنطقةَ السلمُ والاستقرارُ، وأن تنعم شُعوبها بالأمانِ والرَّخاءِ.. ومن هذا المُنطلق الخيِّر، عمل جلالته على إيلاءِ هذا الملفِ اهتماماً كبيراً من خلال التواصل مع القيادتين الإيرانية والأمريكية لتقريب المسافات وردم الفجوات في المسار التفاوضي الطويل.. ولقد كان هذا الجهد السامي محلَ ترحيب طرفي التفاوض في ترجمةٍ لما يحظى به جلالته من تقديرٍ دولي مرموقٍ، وتجسيداً لمتانة العلاقات الطيبة التي تربط السلطنة بكل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المُتّحدة الأمريكية..

وعودة إلى النتائج المأمولة من هذا الاتّفاق، نقول إنّ أهم المترتبات عليه، هو إبعاد شبح الحروب عن المنطقة، هذا الشبح الذي كان يُخيِّم على أجواءِ المنطقةِ ويعصِف باستقرارها ويجعلها نهباً لهواجس عدم الاستقرار.. ولا يختلف اثنان على أنّه فيما لو قُدِّر للخلاف حول الملف النووي الإيراني الوصول إلى مرحلة الصدام، فإنّ المنطقة كانت ستشهد دماراً غير مسبوق، كما أنّ السلم الدولي كان سيعرف هزاتٍ عنيفةٍ قد لا يتعافى منها في المدى المنظور..

وكما صرّح معالي يوسف بن علوي قبل أيام، فإنّ الاتفاق قد أسهم بالفعل في وأد المخاوف المتعلقة بنشوب حرب في المنطقة، وجنَّبها ويلات المواجهة العسكرية..

ومن النتائج الإيجابية المرجوة من الاتّفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران، الإسهام في رأب أية تصدعات في علاقات بعض الدول العربية والخليجية بإيران، من خلال مبادرات لتنقية الأجواء وإزالة الشوائب التي قد تُكدِّر صفو هذه العلاقات، بما يكفل التعاون البناء لتطور وتقدم المنطقة بعيداً عن أجواء التوتر والاستقطاب وتحت مظلة المصالح المشتركة التي تجمع بين دول المنطقة.

ويُنتظر أن يُشكِّل رفع العقوبات عن إيران، حافزاً لبدء مرحلة جديدة من الوفاق بين طهران ومحيطها الإقليمي العربي والخليجي، على قاعدة راسخة، ودعائم متينة بهدف التعاون لما فيه خير شعوب المنطقة، بعيداً عن التوترات والمشاحنات التي لا تخدم إلا أعداء الطرفين.

ويبقى القول: إنّ التاريخ يُعلمنا ألا منتصر في الحروب، وأنّ الجميع خاسر عندما يشتعل أوراها ليحرق الأخضر واليابس، لذا فإنّ أيّ جهد يهدف إلى النأي بالمنطقة عن ويلات الحروب، هو - بدون شك- جدير بالتقدير..

إنّ منطقتنا العربية، وجوارها الإقليمي بحاجة ماسة إلى تكريس مبدأ السلام، والعمل على اعتماد نهج الحلول الدبلوماسية لكافة صراعاتها، خاصة بعد أن انهكتها الحروب الأهلية والطائفية، ونالت من استقرارها واستنزفت مواردها..

وختاماً نقول: إنّ المدرسة الدبلوماسية العُمانية جديرة بأن تكون نموذجاً يُحتذى ونبراساً يهدي خطى الباحثين عن الحلول السلمية للصراعات على مبدأ الحوار البناء.