هل هكذا هي المرأة يا خطيب الجمعة؟

زينب بنت محمد الغريبية

جاءني ابني الصغير البالغ من العُمر ثمان سنوات، بعد صلاة الجمعة في الجامع القريب من منزلنا، وقال لي: أمي أنتن النساء في هذا الزمن "ما منكن فايدة، فلا تعتنين بالمنزل ولا الزوج ولا الأولاد، أنتن لستن كزوجة النبي أيوب عليه السلام"، انصدمت من كلامه وسألته: لما تقول ذلك؟ هل ترى أنّ أمك في المنزل بهذه الصورة؟ هل ترى خالاتك وعماتك ومن تعرف هكذا؟ في كل مرة يقول لي: لا يا أمي، ولكن الإمام الذي خطب اليوم قال هذا، ودائمًا هو ينصحنا وكلامه صحيح.

تساءلت حينها: ما هي صورة المرأة في مجتمعنا؟ كيف يراها أئمة المساجد ومن يكتبون الخُطب والمتلقين من عامة الناس لهذه الخطب؟ كل ما ذكرت المرأة ووظائفها ومظهرها في خطب الجمعة أو في تجمعات الرجال نزلوا عليها ونعتوها بالمقصرة والمُهملة والأنانية والمتبرجة، هل المرأة في مجتمعنا بهذا القبح والسوء؟ الحقيقة والنماذج تعطينا عكس ما توصف به المرأة العمانية سواء المُتعلمة أم غير المتعلمة، التي تعيش في المدينة أم تلك التي تعيش في القرية، عايشت كثيرًا من النساء من محيطي القريب والبعيد ولم أر الصورة التي ينعت بها إمام المسجد المرأة في خطبته.

ابني عندما سألته هل رأيت هذا الوصف الذي سمعته في النساء من حولنا، أجاب بأنّه لم ير، إذن عمّا يتكلم الخطيب في الجامع؟ ما الصورة التي يحاول إيصالها للمجتمع؟ فعندما ترى المجمعات التجارية تجد المرأة هي من تشتري للأب والأولاد، وعندما ترى السوبر ماركت، تجد المرأة هي من تمسك قائمة متطلبات المنزل التي أعدتها بنفسها، وهي من تشتري لأنها هي من تضع ميزانية المنزل وتديرها، وعندما ترى مواقف السيارات أمام المدرسة تجد أكثرها سيارات لأمهات الطلبة أتين ليصطحبن أبناءهن للمنزل، عندما ترى انتظار المستشفيات تجد الأكثرية هن النساء ممن أحضرن الأبناء للمستشفى، هذه الصورة ليست للمرأة في المدينة فحسب أو المدينة الكبيرة.

فالمرأة في القرية أو المناطق البعيدة والتي يعمل زوجها في المدينة الرئيسية أو في العاصمة هي من تتولى دور الأم والأب في المنزل، تربي الأبناء وتُدير المنزل وتقوم بالواجبات المجتمعية وتلبي احتياجات المنزل والأبناء وتقود السيارة لتقضي حاجتها وحاجة أبنائها، وتصون بيتها ونفسها وأبنائها في غياب الزوج، ليأتي في الإجازة الأسبوعية كالضيف المُرحب به، يأتي ليُريح نفسه من عناء العمل طيلة الأسبوع، يُريد الراحة والاستجمام فلا يُعكر أحد عليه إجازته الأسبوعية التي جاء ليستريح فيها، تستقبله بشوق ورعاية، لتودعه بعد قضاء يومين لتحمل من ورائه مسؤوليات المنزل كاملة.

عندما نرى الرجل الكبير في السن والمريض ولديه زوجة تصغره قليلاً وأقل منه في المرض، فإنّها تقوم بالعناية به، تقطع نفسها عن العالم والمجتمع والواجبات المجتمعية، فتكون أمام المجتمع معذورة فلديها مريض تعتني به، تقضي معه فترة مرضه آخر عمره كاملة في عزلة عن العالم، هذا ليس نموذجاً نادرًا من النساء في مجتمعنا، هذا ما ألفته منذ صغري وما زلت أراه في كل جهة من معارف وأصحاب وأهل، ولو كان العام هو ما ذكره خطيب الجمعة لكان هو الشيء الذي نراه أينما ولينا وجوهنا، إنما على العكس من ذلك عندما نرى أن المرأة في كبر سنها هي المريضة، فإنّ مُهمة العناية بها تكون على بناتها، فلديها بنات يقمن بذلك، وهذا واجب عليهن، أما الزوج فيعيش حياته كيفما ألفها، يخرج ويذهب لواجباته وإن كان لديه عمل يذهب لعمله، لا تقف حياته وروتينه بسبب أنّ الزوجة الكبيرة في السن والمريضة تحتاج للعناية، فإن كان باراً بها أخذها لموعدها في المستشفى إن لم يوكل ذلك لأحد أبنائها فهذا واجب عليهم، ويأتي لتناول وجبة الغداء معها إن كان مخلصاً لها.

هذه صورة واقعية مما نشاهده ونعيش فيه، وهي السائدة في مجتمعنا، فعن أيّ مجتمع يتكلّم الخطيب؟ عندما نتكلم عن حشمة المرأة في مجتمعنا، ننظر إلى العام أولاً، المجتمع في تطور -هذا مما لاشك فيه- ولبس النساء بدأ في التغير مواكبة للموضة هذا أيضًا أمر واضح، ولكن هل هذه المشاهد عامة عندما نرى النساء على وجه العموم؟ هل نرى كل النساء العُمانيات في الأسواق متبرجات ويتبعن الموضة المفرطة؟ وإن وجدت هذه النماذج التي لا يمكن أن تعد ظاهرة ألم تخرج من بيت رجل؟ ألا يرافقها رجل أحياناً؟ أليست بنت رجل وأخت رجل أو زوجة رجل؟ فهل تتحمل مسؤولية وضعها بنفسها في مجتمعنا الذكوري؟ والذي يرى أنّ المرأة لن تخرج هكذا لو كان الرجل غير موافق، عندما نكون في الأسواق يسود بين النساء اللون الأسود، أوالعباءة الملونة حاليًا ولكنها محتشمة وساترة، ولا نرى التبرج إلا على نطاق ضيق بالنسبة لعموم النساء، فلا أعلم عما يتحدث الخطيب أو كاتب الخطب ليُعمم، وعلى ماذا استند في تعميمه.

أنا هنا لا أدافع عن المرأة لضعف موقفها، بل إنني أوضح فكرة يبدو أنّ الخطباء أو من يكتبون الخطب يرونها من زاوية أخرى، ومن عالم آخر غير العالم الذي نعيشه، غير عالم المرأة العمانية المضحية، التي إن كانت ربة بيت أم عاملة هي المحرك الأول للبيت العماني، وهي المدبر، وهي القلب الحاني الذي لا يقف عن النبض بالحب للعائلة والتفاني من أجلها، نحن في إطار صورة الفتاة التي كل ما تحلم به أن يكون لديها بيت يضمها مع زوجها وأبنائها وبالتالي تفني عمرها من أجله، بكل إخلاص ووفاء وعطاء في الصورة الغالبة للنساء، فما أقوله هنا فقط ألا تبخسوا المرأة في مجتمعنا حقها في الاعتراف لها بدورها وجهدها وتفانيها من أجل زوجها وأبنائها وبيتها، وصبرها على أيّ حياة وظروف تضعها الحياة الزوجية فيها، من ظروف الزوج وإمكاناته المادية والمعنوية والعاطفية، وهي سعيدة بما تقدم لأنّ قلب المرأة الأم والزوجة والأخت والابنة اعتاد على العطاء بسخاء دون أن ينتظر المردود، ويُسامح مقابل كلمة ناعمة تُقال له، أو بسمة حانية توجه إليه، أو كلمة شكر تُقدر عمله، أو كلمة مدح تثني على ما يُقدمه، ولا يتطلع لأكثر من ذلك.

Zainab_algharibi@yahoo.com

 

تعليق عبر الفيس بوك