مؤسس"المنارة العالمية": ريادة الأعمال تتطلب تحويل التحديات إلى فرص

أول مكتبة عُمانية متخصصة في الشريط الإسلامي

< تحديد المشروع الذي يتلاءم مع رغبات الشخص أُولى خطوات النجاح على درب الريادة

حوار - مالك الهدابي

أكَّد الدكتور عبدالله المسكري مُؤسِّس مشروع مكتبة المنارة العالمية: إنَّ مفهوم ريادة الأعمال مُستمد من الرواد الذين شمَّروا عن سواعد الجد، وانطلقوا نحو البناء والتطوير ولم يأبهوا بالمعوقات، ولم تمنعهم الظروف الصعبة من السعي وتحقيق الأهداف؛ حيث حولوا التحديات التي تواجههم إلى فرص، وتعلم من أخطاء الفشل ليسيروا في طريق النجاح، مُتوكلين على الله حق توكله، آخذين بالأسباب مع تحديد الهدف والتخطيط بكل ثقة لتحقيقه. واعتبروا المعوقات التي تُواجههم في مسيرتهم العملية مطبات لا يقفون عندها كثيرا، بل يأخذون منها العِبَر ويشقون طريقهم صعودا بكل هدوء وثقة، يتعلَّمون ويستشيرون الناجحين، ويستخيرون الله، ولا يتأففون من العمل.

فكرة رائدة

وعن فكرة إنشاء مكتبة المنارة ومراحل تطويرها، يقول الدكتور عبدالله المسكري: إنَّ الفكرة الاساسية نبعتْ من حُبِّي للقراء والثقافة بشكل عام منذ البدايات الأولى للدراسة، ومن خلال ارتباطي بالكتاب جاءت فكرة إنشاء المكتبة، ومكتبة المنارة واحدة من المكتبات الثقافية التجارية في السلطنة تأسست عام 1992 بروي بإمكانيات بسيطة، وكانت أول مكتبة عمانية متخصصة في بيع الشريط الإسلامي، تعرَّضت لمطبات مختلفة وخسائر، ثم انطلقت مرة أخرى أواخر عام 1997 بمحل صغير بشعبية روي ورأسمال لا يتعدَّى ألف ريال، حتى إنَّ رفوفَ العرض كانت بسيطة تحمل بضاعة متواضعة جدًّا، ثم انتقلنا إلى محل آخر مقابل جامع السلطان قابوس، ومن فضل الله أنَّ هذا المحل كان جاهزا بالرفوف الجميلة والمكيفات من غير أن يُكلفنا شيئًا، ثمَّ تطوَّرت المكتبة بعد ذلك، واتجهنا إلى شراء حقوق المصنَّفات الفنية محليًّا وعربيًّا وعالميًّا وطبعات المؤلفات لمؤلفين، وكتاب من داخل وخارج السلطنة، ومن ثمَّ توسَّعنا أكثر في بيع القرطاسية والمشاركة في المعارض التجارية والثقافية، وفعاليات مهرجان مسقط وخريف صلالة ومعرض مسقط الدولي للكتاب منذ نسخته الأولى، ولا تزال مكتبة المنارة تشارك بفعالية في هذا المعرض الثقافي المهم.

ويُضيف الدكتور المسكري: أصبح لدى المكتبة الآن عشرة أفرع تنتشر في محافظة مسقط، وتتمتَّع بسُمعة عالية ومحترمة لدى المستهلكين في السوق المحلي والموردين للأدوات المكتبية والقرطاسية داخليًّا وخارحيًّا، كما أنَّ مكتبة المنارة أحد أعضاء اتحاد الناشرين العرب.

مواقف مؤثرة

وعن المواقف المؤثرة التي صادفها من عمله بالمكتبة، يقول المسكري: المواقف كثيرة ومتنوعة، ولكن هناك ثلاثة مواقف سأذكرها للفائدة والعبرة؛ الأول: وجدت رسالة في المكتبة يقول صاحبها "جزاكم الله خيرا على هذا المشروع، أنا لم أكن أُصلِّي، وقد استفدتُ كثيرا من هذه المكتبة، وأصبحت أحافظ على صلاتي".

والموقف الثاني: كنتُ بالمكتبة، وكان يومًا غير عادي؛ حيث لم تكن هناك حركة مبيعات بالمكتبة، فجاء أحد طلاب العلم، واشترى ألبوم أشرطة لتعليم تلاوة القرآن الكريم، ولم يكن لديه المبلغ الكافي فقلت خُذ الألبوم واستفد منه وسدِّد لاحقا، أخذ الألبوم وخرج، وإذا بعميل يدخل بعده مباشرة ويشتري بمبلغ يوازي مبيعات المكتبة لمدة يوم كامل، ولله الحمد والمنة.

والموقف الثالث: جاءني مندوبان لإحدى الشركات المورِّدة للقرطاسية، وكان هذا عام 2003، وعرضا التعامل معنا بتوريد القرطاسية للمكتبة، وبعد 90 يوما ندفع لهم المبالغ، فرحبت بالفكرة، وأنها ستكون حافزا لنا للمزيد من التطوير، واتفقنا على آلية طلبات البضاعة والدفع، وفي اليوم الثاني جاءوا ومعهم المسؤول المالي بالشركة، وعرضوا اتفاق الشراكة، وكان فيه بند في حالة عدم الدفع في الفترة المحددة تحتسب نسبة فائدة فرفضت التوقيع، وقلت: "لا يُمكن أن أتعامل بالربا، وأنا لم أطلب منكم الحضور"، فقالوا: "نحن لمدة أسبوع ندرس حركة الزبائن على المكتبة، وبالتالي جاء اختيار المكتبة لاعتبارات تجارية، فما هي شروطك؟". قلت: "تحذف هذه العبارة، ونحن إن شاء الله سنلتزم بالدفع في الفترة المحددة". فوافقوا وتم التوقيع، وما زلنا نتعامل معهم حتى اليوم ولله الحمد.

تسهيلات متميزة

وعن دَوْر المؤسسات الحكومية في تشجيع العمل التجاري، يقول رئيس مجلس إدارة مكتبة المنارة العالمية: بطبيعة الإنسان فإنه يطمح للمزيد، لكن بشكل عام هناك تسهيلات متميزة وملاحظة من وزارة التجارة والصناعة وبلدية مسقط، كما أنَّ وزارة الإعلام لها دور ريادي في تشجيع عمل المكتبات من خلال تبسيط الإجراءات والتعامل مع الكتاب، ونتمنى بشكل عام من المؤسسات الحكومية مزيدًا من الدعم والحافز للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وعن النصحية التي يُقدِّمها لمن يرغب بإقامة مشروع تجاري، يقول: أولا تحديد المشروع الذي يتلاءم مع رغبات الشخص، ومن ثم استخارة الله سبحانه وتعالى واستشارة أهل الخبرة، ومن ثمَّ تحديد الموقع وإنهاء الإجراءت القانونية، وبعد ذلك تحديد رأس المال، وليكن حتى يتحقق النجاح أن يكون المبلغ الاحتياطي للمشروع نصف المبلغ المستثمر، حتى يستطيع الاستمرارية ويجابه الأزمات ويبدأ بالإمكانيات المتاحة مُتوكلا على الله وفق تخطيط سليم وخطوات متزنة مستفيدا من نقاط القوة في كيانه ومعززا لنقاط الضعف آخذا بتجارب الآخرين.

ويستطرد قائلا: مفهوم التجارة واسع، ويجب أن يكون للجانب الأخلاقي والجانب الإنساني حيز كبير للعاملين بالتجارة، نعم الكل يسعى للربح ويبتعد عن الخسارة، ولكن تعزيز الجانب الأخلاقي والإنساني مهم جدا لتحقيق النجاح والحصول على البركة في الرزق، ومن هنا لو أردنا أن نقدِّم تعريفا لكلمة "تاجر" لوجدنا ترابطا وتناغما بين المفهوم الأخلاقي والمفهوم الربحي:

ت: تعني توكل على الله ومن ثم تخطيط وتنظيم.

ا: تعني أمانة؛ فالتاجر أمين من خلال جودة ما يقدمه، وأمين في أداء حقوق الزبائن والموردين.

ج: تعني جرأة وإقدام، وعدم التردد بعد الاعتماد على الله.

ر: تحقيق الربح، وهنا نلاحظ أنَّ الربح يأتي في المرحلة الأخيرة، فهو وسيلة من وسائل العمل التجاري، وليس غاية في حدِّ ذاته؛ فالغاية الأسمى هي مرضاة الله سبحانه وتعالى.

فالتاجر عندما يبدأ يومه الجديد يعرف ماذا عليه من ديون؛ سواء إيجارات أو خدمات حكومية أو أموال لشركات وموردين مقابل البضائع المخزنة في المحل، ولكن لا يدري كم يأتيه من دخل؛ لأنَّ هذا من الرزق الذي يعلمه الله، ولا يستطيع الإنسان أن يحدده مهما خطط وبذل من جهد، فما عليه إلا الاجتهاد والعمل وبذل الجهد.

تشجيع الشباب على العمل الحر

وعن تشجيعه للشباب لريادة العمل التجاري، يقول: نعم أدعو الشباب إلى العمل والإنتاج، ونبذ الكسل والاتكال، وكسب الخبرات من أصحابها، والانطلاق لكسب الرزق من خلال النشاط الذي يحبه. إنَّ الإنسان يتمتع بمَوَاطن قوة عجيبة فليبحث كل منا عن مَوْطن القوة فيه، وبتعزيز وتنمية وتطوير هذه القوة، يمكنه النجاح ويصبح من الأثرياء بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى، وطلب العون منه، كما أنَّ قدرة الفرد للحصول على دخل مالي جيد والوصول إلى مرتبة الأثرياء يأتي بمدى قدرته على تقديم خدمات أو منتجات وأعمال مطلوبة للمجتمع وجمهور المستهلكين. كما أدعو رجال الأعمال والناجحين في العمل التجاري إلى فتح صدورهم للشباب المقبلين على العمل التجاري، وتشجيعهم ونقل الخبرات لهم؛ فالشباب هم عماد المستقبل وهم جيل البناء القادم.

----------------------------------------

د. عبدالله المسكري في سطور:

- المؤهل العلمي: يحمل درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية.

- الخبرة العملية: موظف في بريد مسقط، ومن ثم بشركة تنمية نفط عمان، ومن ثم محرر صحفي بجريدة "عمان"، مؤسس ومدير المنارة العالمية الحديثة (مكتبة المنارة).

- أهم مؤلفاته: "جونو والهبة العمانية"، و"من روائع الأمثال العمانية والعربية والعالمية"، و"لمحة تعريفية للآثار والمدن العمانية"، و"الأسماء ومعانيها"، و"مندوس المعلومات.. المعلومات العمانية"، و"همسات النجاح والتميز"، و"اللآلي والجواهر في النجاح".

تعليق عبر الفيس بوك