أزمة الوطن العربي.. هل من مخرج؟

فهمي الكتوت

لا أنتظر استجابةً من أصحاب القرار؛ للعودة عن السياسات الكارثية التي مزَّقتْ الوطن العربي وبدَّدتْ أمواله وفتَّت نسيجه الاجتماعي، بل أنبِّه من استمرار هذه السياسات، ومن الانحدار نحو مزيد من الكوارث؛ فالمشهد العربي فيه كثير من الدروس والعبر، والأضرار التي لحقتْ بالشعوب العربية ما كان يُقدم عليها حاكم مُنتخب من قبل شعبه. فمن يصل إلى سدة الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، ينتظر من يحاسبه على إخفاقاته، أو يكرمه على نجاحاته التي تُسهم في صنع تاريخ أمة شامخة يضاهى بها الأمم؛ فهناك عظماء دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، وهناك من أوصلوا أمتهم إلى الدرك الأسفل.

عانتْ البلدان العربية -كما عانت البلدان النامية- من الفقر والتخلف والتبعية ونهب الثروات من قبل الاستعمار الكولونيالي؛ منها: "الصين والهند والأرجنتين والبرازيل وإندونيسيا وكوريا وماليزيا وجنوب إفريقيا" والقائمة تطول، تصدَّتْ هذه الدول للتحديات الكبيرة التي واجهتها وأصبحت في مصاف الدول المتقدمة، لا بل تقدم بعضها على الدول التي كانت تستعمرها، سواء في امتلاك ناصية العلم والحضارة، أو في مجال التقدم الاقتصادي والاجتماعي، في حين لا تزال معظم البلدان العربية تُعاني من الفقر والتخلف والتبعية، وما زالت الشعوب العربية تعاني من مصادرة أبسط حقوقها السياسية والاجتماعية، على الرغم من امتلاك الوطن العربي ثروات وإمكانيات تُؤهله لاحتلال موقع متقدم بين دول العالم.

ومع بداية القرن الماضي؛ نجح الاستعمار الكولونيالي في توجيه مسار الوطن العربي، بعد فرض اتفاقية سايكس-بيكو وتقسيم الوطن العربي إلى دويلات، وإقامة الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، ومن ثمَّ إغراق البلدان العربية بالمديونية لفرض سياسة التبعية السياسية والاقتصادية، وأخيرا تمرير سياسة "الفوضى الخلاقة" التي ابتكرتها وعمَّمتها الإمبريالية الأمريكية، مستخدمة الأموال والأدوات العربية في تنفيذها.

حُرِم الوطن العربي من استثمار موارده الوطنية بفضل سياسات التبعية للإمبريالية، وهيمنة البرجوازية الرثة، وكلاء الشركات الأجنبية "الكمبرادور" على القرار السياسي بدعم من الاحتكارات الرأسمالية، بهدف توسيع السوق الرأسمالي، وابقاء الدول العربية، دول مستهلكة ومصدرة للخامات والمواد الأولية والنفط والغاز، وبقية اقتصاداتها عاجزة عن توفير الحاجيات الضرورية للمجتمع المحلي، معتمدة في استهلاكها على المنتجات الأجنبية.

وينقسم الوطن العربي إلى قسمين؛ الأول: دول تعاني من تشوهات هيكلية في اقتصاداتها، يغلب عليها الطابع الاقتصادي الزراعي؛ إلا أن خبزها وغذاءها مستورد -إذا ما استثنينا سوريا سابقا-واقتصاداتها هشة ضعيفة، وتعاني من مديونية مرتفعة وعجز مزمن في موازناتها، وانقسام طبقي حاد في بنيتها الاجتماعية، وارتفاع في معدلات الفقر والبطالة. أما القسم الثاني؛ فدول تعيش على اقتصادات ريعية تعتمد على بيع النفط والغاز لتغطية نفقات الخزينة مع وجود التشوهات الهيكلية وبعض المظاهر الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المجموعة الأولى. حقق بعضها فوائض مالية مرتفعة، تكفي لإقامة أهم المشاريع التنموية في الوطن العربي في حال توفر الإرادة السياسية.

فالبلدان العربية تتمتع بمزايا متعددة منها الثروات الغنية لإقامة وتطوير أهم الصناعات الاستخراجية، إضافة إلى سوق استهلاكي كبير، يشكل حافزا لإنشاء الصناعات التحويلية، وتتميز بتنوع مناخاته وتوفر مناطق زراعية شاسعة لتحقيق الامن الغذائي. أما القوى العاملة فهي ليست متوفرة فحسب، بل ان مشروعا حيويا كهذا يسهم في حل مشكلتها في توفير فرص عمل، ومواجهة ارتفاع معدلات البطالة، وهجرة الكفاءات التي تشكل نزيفا للخبرات والمهارات والعلماء العرب الذين يعتبرون من خيرة أبناء الوطن العربي ويشكلون شريحة مهمة في بناء اقتصادات الدول الغربية.

ويعول على مشروع اقتصادي تنموي في تصويب التشوهات الهيكلية للاقتصادات العربية، وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة مبنية على قاعدة إنتاجية، تحقق تكاملا اقتصاديا بين الأقطار العربية، وتوفر أرضية لتشكيل تكتل اقتصادي يضاهي التكتلات العالمية، ويدر دخلا متوازنا من الفروع الاقتصادية المتنوعة، بدلا من الاعتماد على سلعة او مادة تصديرية تعرض الاقتصاد الوطني لهزات عنيفة نتيجة المضاربات في الأسواق العالمية، كانهيار اسعار النفط العالمي، وأثر ذلك على الشعوب من السياسات التقشفية التي بدأت بالظهور، برفع الدعم وفرض الضرائب غير المباشرة على المواطنين. كما ان اتساع الاستثمارات في مجال الطاقة البديلة، وإنتاج السيارات الكهربائية يضعف تدريجيا أهمية النفط، عدا عن كونه قابلا للنضوب.

والأهم من كل ذلك تعزيز المصالح المشتركة بين الأقطار العربية بما يحقق طموح الأمة بتوحيد أهدافها ومصالحها وتعزيز وتطوير البنى الاقتصادية والاجتماعية نحو تحقيق وحدتها. بدلا من الدخول في صراعات عنيفة وصلت حد الحروب بالإنابة عن الامبريالية والصهيونية بهدف تدمير أهم الدول العربية وإخراجها من الصراع العربي-الإسرائيلي، والتفرد بالشعب الفلسطيني، واستنزاف الفوائض المالية العربية، وإدخال الوطن العربي في النفق المظلم؛ فعلى الرغم من العلاقات الوثيقة بين بعض الدول العربية والولايات المتحدة، إلا أنَّ الأخيرة لا يروق لها وجود هذه الفوائض المالية الضخمة خشية من استثمارها في قضايا التنمية الاقتصادية، كما أنها معنية باستنزافها في الحروب الأهلية والإقليمية وتكديس السلاح وتنفيع الاحتكارات الرأسمالية، فهي مستهدفة كما هو الامن القومي العربي مستهدف.

والمتتبع للسياسات العربية يصاب بالهلع من السياسات الرسمية التي تسير في الاتجاه المعاكس لمصالح الأمة، خسارتنا مركبة فالأموال التي تنفق على آلة الحرب لتدمير الوطن العربي أموال عربية، والضحايا التي سقطت في هذه الحروب عربية، والمدن والقرى والبنية الأساسية التي دمرت عربية، والمشردين واللاجئين في مختلف بقاع الأرض من أبناء الأمة العربية. ألا يكفي هذا؟ لعل الشعوب العربية وطلائعها الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية تواجه حقيقة ما يجري في الوطن العربي.. ألم يحن الوقت للنهوض؟

تعليق عبر الفيس بوك