اتفاقية مجلس التعاون للحفاظ على الحياة الفطرية

علي بن كفيتان بيت سعيد

إنَّ البيئة ومفرداتها الطبيعية لا تنحصر ضمن الحدود التي رسمتها السلطات السياسية بين الدول، وقد أشار إلى ذلك مولانا جلالة السلطان -حفظه الله- في كلمته التي وجهها لقمة الأرض التي عقدت في ريودي جانيرو عام 1992م. وضمن هذه الرؤية الثاقبة اهتمت حكومة السلطنة بدفع العمل البيئي على المستوين الإقليمي والدولي عبر المصادقة على الاتفاقيات الإطارية البيئية التابعة للأمم المتحدة وإبرام عدة اتفاقيات إقليمية ومنها اتفاقية المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي انضمت إليها السلطنة في الثامن من يوليو عام 2002م بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم (67/2002).

إنَّ المتتبع لجهود حماية الحياة الفطرية في دول مجلس التعاون يلمس اهتماما بالغا بهذا المجال؛ حيث تقييم جميع دول المجلس المحميات الطبيعية وتحرص على عمليات الحماية والإكثار، وفي الفترة الأخيرة تم الاهتمام ببحوث الحياة الفطرية وتمنح الأمانة العامة للمجلس جوائز وشهادات تحفيزية لأفضل البحوث البيئية، وأفضل المحميات الطبيعية، إضافة للتركيز الكبير على الإعلام البيئي...وغيرها من الاهتمامات التي لا تخفى على كل مراقب لشأن الحياة الفطرية في دول المجلس الست بلا استثناء.

دخلت اتفاقية مجلس التعاون للحفاظ على الحياة الفطرية حيز التنفيذ في الأول من أبريل عام 2003م، بعد أن صادقت عليها أربع دول في ذلك التاريخ، وصارت المملكة العربية السعودية هي دولة المقر لأمانة هذه الاتفاقية، وبذلت المملكة جهودًا كبيرة لتفعيل الاتفاقية بالتنسيق مع بقية الأعضاء المنضمين لها. وتهدفُ الاتفاقية لتطوير وتطبيق السياسات والأنشطة للمحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية وإعادة تأهيلها وضمان الاستغلال المستدام لها، إضافة لتحقيق التعاون والتكامل والتواصل بين مواطني دول مجلس التعاون وتعزيز الجهود المبذولة في كافة المجالات وصولا إلى تحقيق الآمال نحو مستقبل زاهر لشعوبها.

وتتكوَّن هذه الاتفاقية من 13 مادة و3 ملاحق مرفقة بها، وتتمركز أهم مواد الاتفاقية حول أربعة محاور؛ هي: حماية المواطن الطبيعية للأحياء الفطرية، وحماية الأنواع الفطرية خاصة المهددة بخطر الانقراض، والتدابير المشددة الواجب اتخاذها لحماية مفردات الحياة الفطرية، وأحكام تكميلية عامة، وبالرغم من الأهداف السامية لهذه الاتفاقية المهمة، إلا أنَّ المهتمين بالشأن البيئي في دول مجلس التعاون يرون أنها بحاجة لمزيد من التفعيل على أرض الواقع في ظل ازدهار عمليات صيد وتهريب الأحياء الفطرية عبر الحدود والتراجع المخيف لأسعار النفط التي قد يجد فيها بعض المخططين غير الواعيين بالجانب البيئي سببا لتهميش الحياة الفطرية، واعتبارها كانت جزءًا من الترف أو حملا إضافياً على السفينة، من الواجب قذفه في البحر للنجاة من الغرق الاقتصادي.

لقد وضعت هذه الاتفاقية جُملة من التعهدات لتطوير وتطبيق السياسات والأنشطة للمحافظة على الحياة الفطرية؛ وعلى رأسها سن وتطبيق وتطوير التشريعات والقوانين والأنظمة الملائمة التي تكفل تحقيق أهداف الاتفاقية، وبالرغم من مرور أكثر من 13 سنة على الاتفاقية، إلا أنه لم يرَ المهتمون بالحياة الفطرية سنَّ أي قوانين مشتركة في هذا الجانب؛ بحيث يتم إقرارها عبر الأمانة العامة لمجلس التعاون؛ مما يعني أنَّ هذا التعهد بحاجة لمزيد من المراجعة كون هذا البند هو الذي يمثل أساس الاتفاقية.

كما تمَّ التعهُّد بحماية مساحات كافية من الموائل المناسبة كمناطق محمية سواء كانت طبيعية أو غير طبيعية؛ وذلك وفقا للتشريعات الدولية والتشريعات الوطنية. ونعتقد أنَّ هذا البند حقق تطورا طفيفاً عبر إعلان محميات جديدة في دول الاتفاقية، إلا أنَّ جميع دول المجلس لم تحقق النسبة المئوية المقرَّرة كمحميات من مساحة دولها وهي 10% من مساحة كل دولة تخصص كمحميات حسب إقرار الاتحاد الدول لصون الطبيعية المنضمة له جميع دول المجلس.

وشدَّدتْ الاتفاقية على أهمية العمل على وقاية الحياة الفطرية وبيئاتها من كافة التهديدات كالتلوث والتدهور البيئي واتخاذ التدابير الكفيلة بمكافحتها والسيطرة عليها للتقليل من تأثيراتها. وفي ظل هذا الالتزام الصارم، فقد تولد هناك شعور بغلق الإحكام على الأحياء الفطرية لكي لا تتعرض أنظمتها للانهيار، وتم تغليب ما يعرف بسيناريو السوق على سيناريو الاستدامة البيئية؛ إذ يُصمِّم الاقتصاديون غير الواعيين بأهمية العامل البيئي على مبدأ حبس مفردات الحياة الفطرية في أطر معينة، وبأن عمليات التنقيب والتحجير والتصنيع غير المقننة بيئيا هي من يصنع الاستقرار والأمن الاقتصادي وليس الحفاظ على الموارد الطبيعية، وقد بينت هذه التجربة فشلها في ظل التراجع المخيف لأسعار النفط اليوم وانتباه من أدار ظهره بالأمس لأهمية تنمية وتطوير المقومات الطبيعية المستدامة كالسياحية البيئية وتنمية الثروة السمكية والحيوانية...وغيرها من المكتسبات الحقيقية التي لا تزول ولا تتغير كبرميل النفط.

ولقد وضعت الاتفاقية شأنها كشأن اتفاقياتنا الأخرى في آخر سلم أولوياتها الاهتمام بالاشتراطات ودراسات تقييم التأثيرات البيئية والتعليم البيئي والتوعية بأهمية الحفاظ على الحياة الفطرية، ولعل المتتبع يجد أنَّ لجنة الاعلام البيئي في الأمانة حققت خطوات كبيرة مقارنة ببقية بنود الاتفاقية؛ فمنا كل الشكر والتقدير للكوادر الإعلامية البارزة التي دفعت هذا البند لواجهة المشهد في هذه الاتفاقية.

إنَّ الدرسَ الذي تعلمناه من الركض خلف برميل النفط يجب أن نعيه اليوم، ولا يجدر بنا أن نمرر هذا المشهد دون الرجوع الصادق والبناء لمواردنا الطبيعية المستدامة والمحافظة عليها كونها ستبقى معنا ولن تنضب مع برميل النفط الذي أصبح اليوم أرخص من الماء، ولعل اللهجة الجديدة التي يسوقها بعض الاقتصاديون في دولنا والتي مفادها يرمي للاستغلال المفرط للموارد المعدنية والتوجه لاستخدام الفحم لصناعاتنا المستقبلية وعدم اقتناعهم بتنمية الموارد المتجددة يضعنا أمام تحدٍّ جديد وصورة تعيد نفسها مرة أخرى، ولا يسعنا إلا الدعاء للمختصين بوزارة البيئة والشؤون المناخية بمزيد من الثبات.. حفظ الله عمان وحفظ جلالة السلطان.

alikafetan@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك