أزمات

هلال الزيدي *

عندما نتحوَّل جميعنا "وعن بكرة أبينا" إلى محللين اقتصاديين، فتأكدوا أننا لسنا بحاجة إلى من يقودنا ويرشدنا إلى طريق يستثمر في الإنسان والبيئة بكل تفاصيلها وثرواتها؛ لأننا نعرف كل شيء، لكننا في الوقت ذاته لا نفقه في احتياجاتنا أي شيء، فقط لأننا نُحسن اعتلاء الموجة، أو كما قيل في المثل "حشر مع الناس عيد"، وعندما نعطي كلامنا أهمية قصوى أكبر من فعلنا، فتأكدوا أننا نعيش في أزمة فعلية فنتحدث كثيرا ولا ننجز أيَّ شيء مما تحدثنا به، فقط مضيعة للوقت وإرهاق للبدن؛ فنصفق للقوافل عندما تعبر من أمامنا، وبعد أن تولي ننتقد سيرها.. إنها "أزمة ذاتية".

عندما نقلِّل من قدر أنفسنا تتسلل الأفكار الهدامة، وتكبر المشاعر السلبية في أنفسنا فنرى كل شيء سلبيًّا وندور في حلقة مفرغة من الإنتاج، فنعيد ما قاله الآخرون في حقب زمنية متباعدة؛ لنخفف من عبء تحمل المسؤولية، ونلقي بكل خطأ مرتكب على الآخرين ممن سبقونا أو ممن هم حولنا، وذلك من أجل ارتداء عباءة المثالية شكلا فقط.. فتلك "أزمة ثقة".

عندما نرى في أنفسنا "الكمال"، وفي الآخرين النقصان، فتأكدوا أننا لا نعمل وفق تكتل الجماعة، وإنما كل واحد فينا يريد أن يظهر من أجل أن يقال له أنت "البطل".. وهنا تزداد الفتاوى ويزداد الخبراء، ويكثر الفاهمون، فهنا نحن لا نعاني من أزمة وجود، وإنما نعاني من تخمة "الأنا"، التي جعلتنا نكتب لتحسين خطوطنا، وليس نكتب من أجل أن نستفيد بما نكتب؛ فتلك "أزمة انفصام".

عندما نلوك المشكلة أو الأخطاء، فتأكدوا أننا لا نفكر في الحل ولا نشترك في إيجاد حل توافقي للتقليل من الأضرار السلبية، بل نبني جدرانا عازلة لتكبر الطبقية الاجتماعية لتدوس بثقلها على الطبقة الدنيا؛ كونها هي من يتحمل عبء كل شيء، فإما أنها تثبت أو أنها تنهار لتتهاوى جميع الطبقات؛ فتلك هي "أزمة انهيار".

عندما تدفق علينا "عليهم" العسل لم يحسنوا استثماره أبداً، تلك شعارات نرفعها مع انغماس الأزمة الاقتصادية في كل تفاصيل الحياة، فتوجه سهام الفساد والخيانة والمصلحة الذاتية إلى أفراد ومناصب دون التنبه إلى ماذا فعلنا أو فعل "من لم يتذوق العسل" في تلك الفترة حتى تكون لدينا المناعة كبيرة.. فتلك أزمة انتقاد".

هناك من يبحث عن وجود آخر بعد الأزمة الاقتصادية "النفطية" حيث ألقت بظلالها على تفاصيل الحياة وبدأت الدخول في نفق التقشف الذي سينال كل شيء؛ لذا أستغرب من أولئك الذين يبحثون بعيدا والبحر ينضح بجانبهم، فتلك نعمة عليكم أن تتحسسوا أهميتها قبل فوات الآوان، فاتركوا ما في باطن الأرض، وانفروا إلى سطحها؛ إذاً تلك أزمة إدراك".

هناك من يأوي إلى فراشه ويتمنى أن يرى أحلى وأشهى الأحلام، لكنه لم يمهد لها الطريق؛ لأنه ترك الليل فيما لا ينفعه، واعتقد أنَّ النوم حالة شعورية يحتاجها الجسم في أي وقت؛ لذا لم يرَ إلا أضغاث أحلام وكوابيس أيقظته وهو يصارع من أجل البقاء.. فتلك هي "أزمة نفسية".

هناك من تتأزم لديه المعيشة فيبحث عن وطن وأمان، فلا يدري بأي أرض يجدها، فهو في أزمة وطن. وفي مقابل ذلك، هناك من لا يتحسَّس تلك الأزمة فتجده يبحث عن زلة أو ضعف ليكيل بمكيالين؛ فيتحدث عن أزمة اقتصادية ستهلك الحرث والنسل، دون التنبه إلى أن عليه الاستثمار في وطنه الذي كان مفقودا عند الآخرين.. وهذه أزمة "تناقض".

هناك من وضع كل المشروعات في دولاب التأجيل من أجل الترشيد في الإنفاق.. ففتح شباكه لينظر على الآخرين وهم يجدفون من أجل الخروج من هذه الأزمة؛ ليبتعدوا عنه كثيرا، ويتحول هو إلى اللاشيء؛ فتزداد لديه الأمراض النفسية فلا يجد إلا الثرثرة في أعراض الآخرين.. تلك "أزمة العظمة".

هناك الكثير من المبتكرين الذين يحتاجون إلى دعم من أصحاب القرار، وبالتأكيد لو وجدوا التوجيه والدعم لتمكنوا من إثراء الاقتصاد لتجاوز الأزمة النفطية عن طريق التحول إلى الاستثمار في العقول، كما أنه يجب علينا أن نطلق على هؤلاء أنهم "رواد الأعمال"، وليس من يبيع الحلوى أو الأزياء مع احترامي الكبير لهم.. إذا هي "أزمة مصطلحات".

------------------------------

همسة:

سيدتي، لأنها الأزمات التي تتكاثر وتنمو، إلا أنك أنتِ من تسكنين القلب بلا أزمة أو ألم؛ لأنَّك دواء في جميع الأوقات؛ لذا فعليَّ أنْ لا أتحدَّث عن أزمات بعيدة أو قريبة أو لا أفقه فيها، سأتمسك بك لنعبر الأزمات بعين إيجابية؛ لذلك نحن نعيش اتفاقا إيجابيًّا.

* كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك