"ساكسو بنك": أسعار النفط إلى أدنى مستوى منذ 2004.. وارتفاع الذهب نظرًا لتزايد الطلب على "الملاذ الاستثماري الآمن"

كوبنهاجن - العمانية

أدّى الارتفاع قصير الأمد في أسعار النفط على خلفية التوتّر السعودي الإيراني إلى تجديد المخاوف حيال الفائض في المعروض العالمي.

وقال أولي هانس رئيس قسم استراتيجيات السلع لدى ساكسو بنك إن تراجع اليوان الصيني أثر بشكل واضح على الأسواق العالمية خلال الأسبوع الأول من التداول لهذه السنة؛ حيث أسفر الهبوط الذي تعانيه الأسهم الصينية عن إيقاف التداول مرتين، بينما سجّلت الأسهم العالمية أداءً هو الأسوأ خلال الأيام الأربعة الأولى من السنة منذ عام 1988.

وأضاف في تحليل له أن أسعار النفط هبطت إلى أدنى انخفاض لها منذ 2004، في حين ارتفعت قيمة الذهب نظرًا للطلب عليه كملاذ استثماري آمن وللتعافي قصير الأمد في المواقع القصيرة التي استمرت لفترة أطول من اللازم وبالمقابل هبطت المعادن الصناعية تحت ضغط احتمال حدوث تباطؤ أكبر من المتوقع في الصين التي تعتبر المستهلك الأكبر في العالم.

وبالنظر إلى أداء السلع بشكل فردي، يبدو الأمر كما لو أن السنة بأكملها قد تم اختزالها في أسبوع واحد؛ حيث تراجع مؤشر "بلومبيرغ" للسلع إلى انخفاض من عام1999 في حركة تعزى بالدرجة الأولى إلى حالة عدم اليقين حول ما إذا كان تراجع قيمة اليوان بادرةً أو انعكاسًا لهبوط حادّ وغير متوقع في الصين.

وقد خيّم شبح هذه الفكرة على أسواق الأسهم في شتى أنحاء العالم، ليهبط مؤشرا شانغهاي وشنجن سي إس آي 300 في الصين بنسبة مزدوجة الخانات قبل استعادة استقرارهما في نهاية الأسبوع عندما ثبت اليوان على سعر أعلى بقليل.

ومن ناحية أخرى لم يثمر تقرير الوظائف في الولايات المتحدة الأخير عن حفز أي تعافٍ رغم الإيجابيّة التي اتسم بها، مما يعني أننا لا نزال أمام احتمال مزيد من الهبوط على المدى القصير.

كما هبط مؤشر بلومبرغ للسلع الخفيفة إلى انخفاض عن ستة أسابيع بعد أن كان القطاع الذي يمثله هو الأقوى بحلول نهاية 2015؛ إذ تراجع الكاكاو- وهو من أفضل السلع أداءً العام الماضي- إلى انخفاض عن ثمانية أشهر بسبب تقارير أفادت بأن الأسعار المرتفعة حاليًا ستفضي إلى حركة تعافٍ كبيرة في الإنتاج خلال 2016/ 2017.

وقد استسلمت صناديق التحوّط وخرجت من المواقع طويلة الأمد لتقبل خسارتها الناجمة عن الارتفاع الذي تم تسجيله في ديسمبر بنسبة تزيد على 15 بالمائة، ويمكن أن نتوقع مزيداً من التعافي بعد هذا الخروج لأسباب عديدة من أهمّها المخاوف من الجفاف الذي قد يضرب ساحل العاج على المدى القصير.

وتبعت المعادن الصناعية والمعدنان الثمينان البلاتين والبالاديوم مسار سوق الأسهم الصينية الهابط بحكم كونها السلع الأكثر تأثرًا بالنمو والطلب في الصين، وهو ما أسفر عن تراجع أسعارها ليؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار التعدين بالمقابل.

وأنهى مؤشر ستاندرد آند بورز لإيصالات إيداع المعادن والتعدين الأيام الأربعة الأولى من السنة هابطًا بنسبة تقارب 5 بالمائة، في حين ارتفع مؤشر ماركت فيكترز لتعدين الذهب إي تي إف بنسبة 8.5 بالمائة خلال الفترة ذاتها.

وتعرّض قطاع الطاقة للضربة الأقسى رغم الدعم المحدود الذي تلقّاه بعد ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي نظرًا للطقس البارد في الولايات المتحدة. وكان متداولو النفط الخام قد بدؤوا الأسبوع الأوّل متأثرين بالتوتّر الجيوسياسي المتصاعد بين إيران والسعودية، ولكن مدّة ارتفاع السعر الناجمة عن هذا الوضع لم تتجاوّز 24 ساعة، لتتبعها موجة بيع حادّة.

ويعزى هذا الأمر إلى التركيز المتواصل على المعروض الزائد في العالم، والذي من المتوقع أن يأخذ منحًى أسوأ خلال الربع الأول من هذا العام قبل أن يتحسّن في وقت لاحق من العام الجاري وعلاوة على مشكلة المعروض، كان على المتداولين أيضاً أن يتعاملوا مع التأثيرات التي من المحتمل أن تنجم عن فشل الطلب الصيني في بلوغ المستوى المتوقع منه.

ولاقى كل من خام غربي تكساس وخام برنت دعمًا عند 32 دولارًا للبرميل، بينما تابعت سلّة "أوبك" هبوطها لتصل إلى 27.85 دولار للبرميل يوم الخميس. ناهيك عن أن سعر نفط غرب كندا الممتاز- وهو الأعلى تكلفة من حيث الاستخراج بين جميع أصناف النفط الخام- هبط إلى ما دون 20 دولارًا للبرميل، ليسجّل انخفاضا جديداً عند 19 دولارًا للبرميل. وعلى العموم تتسم الأسعار الحالية بكونها جميعًا تحت مستوى الحد الأدنى لتكلفة الإنتاج، وثمة احتمال بأن يبدأ المنتجون عمّا قريب بتعليق بعض المشاريع مؤقتًا أو إيقافها بشكل تام.

وتمثّل الأسعار المنخفضة الحل لمشكلة ارتفاع الإنتاج، ونظرًا لتزايد عدد المنتجين مرتفعي التكلفة الذين يعملون دون الحد الإنتاجي الأدنى في الولايات المتحدة وكندا حاليًا، فسوف يبدأ الإنتاج بالتباطؤ على مدى الأسابيع والأشهر المقبلة.لكن قبل حدوث ذلك سيكون على السوق التعامل مع الإنتاج الفائض الذي سيأتيها من إيران خلال الأسابيع المقبلة، وفي الوقت ذاته التعاطي مع مستويات المخزونات الأمريكية التي تفوق المتوسط الخمسي (أي عن خمس سنين) بأكثر من 100 مليون برميل؛ حيث شهدت منشأة التخزين الهامّة في كاشينج بولاية أوكلاهوما- والتي تمثّل مركزًا لتوزيع السلع الآجلة من خام غربي تكساس- ارتفاعاً بمقدار 10 ملايين برميل خلال الأشهر القليلة المنصرمة، وتكاد خزّاناتها تمتلئ مع اقترابها من استنفاد قدرتها القصوى على الاستيعاب، والبالغة 63 مليون برميل. وفي حال حدوث ذلك سيجد مالكو الخزّانات أنفسهم مضطرين لخفض أسعار النفط أكثر بهدف اجتذاب المشترين.

وقال أولي هانسن رئيس قسم استراتيجيات السلع لدى ساكسو بنكانه لن يحدث

التعافي النفطي إلّا في حال سادت قناعة عامّة بأن مخاطر حدوث مزيد من الهبوط غدت محدودة، وأنّ السوق بصدد تحقيق ارتفاع حادّ مع ضغوط صاعدة ناجمة عن مواقع التداول التخمينية قصيرة الأمد.

وأضاف أنّ حركة السوق ليست بمنأى عن الأوضاع السياسية، وهو ما رأينا مثالاً واضحاً عليه مع بداية العام من خلال التوتّر السياسي الحاد بين إيران والسعودية، ولكن من ناحية أخرى رأينا مدى تحسّن قدرة السوق على المقاومة بعد أن أدى الفائض الكبير في المعروض إلى الحدّ من تهديد حدوث ارتفاع مفاجئ في الأسعار على نحو مشابه لما شهدناه خلال فترات سابقة من هذا العقد.

وهناك ميل إلى تسعير علاوات المخاطر الجيوسياسية عن طريق خام برنت، وبالتالي سيفضي ارتفاع هذه التوترات إلى تعافي بعض علاوات برنت قياسًا بخام تكساس الذي خسر علاواته بعد رفع حظر التصدير من الولايات المتحدة الشهر الماضي.

وعلى المدى القريب سيشكّل المستوى 30 دولارًا للبرميل خط دعم مستقرًا إلى حدّ ما، وسيكون من المطلوب خرق المقاومة عند 40 دولارًا للبرميل قبل الحديث عن تشكّل أي انخفاض .

وشهدت سوق عقود الخيارات ارتفاعًا ملحوظًا في الطلب على البيع مع وصولها قممًا عند 30 و25 دولارًا، وهو ما قد يكون بادرة تعكس مخاوف متزايدة من التعرّض لمزيد من الخسائر، أو أن المتداولين يفضّلون ببساطة التعامل مع الانخفاض المتواصل في السعر عبر شراء عقود الخيارات.

وقد بدأ الذهب السنة الجديدة مندفعًا بقوّة نحو الأعلى، ولاسيما عند مقارنة أسعاره مع اليوان الصيني؛ حيث ساهمت عوامل عديدة في اجتذاب المشترين (ومن بينهم صناديق التحوّط التي بدأت العام انطلاقًا من مواقع قصيرة الأمد غير مسبوقة) مثل الإقبال على هذا المعدن الثمين كملاذ آمن، وانخفاض أرباح السندات المتعلّقة بالتوترات في الشرق الأوسط، فضلاً عن المشاكل الصينية وتراجع قيمة اليوان.

ومن ناحية أخرى لا بد من الإشارة إلى أن الطلب على الذهب بصفته الملاذ الآمن لطالما كان قصير المدّة في العديد من المناسبات السابقة، ولا يزال الكثير من المستثمرين مترددين في دخول السوق على هذا الأساس.

ومن وجهة نظر تقنية، نرى أن الذهب يتحرك بالاتجاهين منذ نوفمبر الماضي، ولكن حدوث كسر فوق 1102دولار للأونصة يفسح المجال لحركة صاعدة ستتجه أولاً إلى 1119 دولارًا للأونصة. وقد فشل تقرير الوظائف الأمريكي الذي صدر الجمعة في رفع قيمة الدولار رغم إيجابيته، بينما نجح الذهب في ملاقاة دعم قبل المستوى 1088 دولارًا للأونصة، والذي يعتبر في الوقت الراهن المستوى الرئيسي الذي من المحتمل أن تتشكّل رغبة جديدة للشراء تحته.

ويبدو أن أغلب حركة الشراء التي شهدناها حتّى الآن تعزى إلى قيام صناديق التحوّط بتقليص ما كان يشكّل مواقع قصيرة الأمد غير مسبوقة بتاريخ 29 ديسمبر؛ حيث هبطت المواقع الصافية قصيرة الأمد خلال ذاك الأسبوع بمقدار يقارب الثلثين، وهو ما يعزى بشكل رئيسي للعودة إلى المواقع طويلة الأمد بعد التعافي الذي أعقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة.

واقتصر نشاط المستثمرين الذين يتداولون الذهب عن طريق السلع المتداولة في البورصة على البيع فقط خلال الأسابيع القليلة الماضية، ليرتفع الطلب مجددًا بحلول نهاية الأسبوع فقط. ولا يزال إجمالي المواقع المحتفظ بها مع بداية العام يحوّم فوق انخفاض عن ستّ سنوات.

ويشار إلى أن أي تغيّر في المناخ النفسي السائد عند هذه المرحلة سيؤدي إلى

انخفاض مستوى الاستثمار في العديد من الصناديق دون الحد المطلوب، ولاسيما في الصناديق المذكورة أعلاه. غير أننا ننوّه من جهة أخرى إلى عدم وجود أي بوادر تنبئ باحتمال حدوث تراجع واسع النطاق أو تغيّر في الرغبة الاستثمارية، مما يحدّ من احتمال الصعود، لاسيما وأن بيانات الولايات المتحدّة الأمريكية لا تزال تشير إلى أن أسعار الفائدة الأمريكية مقبلة على مزيد من الارتفاع بتسارع أكبر.

تعليق عبر الفيس بوك